أصعب شىء على رجل أعمال أن يستثمر فى الإعلام، فى مناخ لا يكترث كثيراً بالقانون ولا يعبأ بالمنطق، ولا تعرف فيه لماذا تظهر الاتهامات ولماذا تختفى، لماذا يساق البعض إلى أقفاص التشهير بتهم ساذجة ورديئة الصنع، ويتحصن آخرون رغم الدلائل والبراهين؟ لا يكفى إذن أن تكون مستقيماً و«مالكش مسكة» لتأمن على حياتك فى مناخ كهذا، يكفى أن تعمل وتتوسع فى أعمالك، فتزداد مخاوفك وتتحول كل فرصة عمل توفرها إلى سكين فى ظهرك، وكل مشروع إلى عبء على حريتك وقرارك، وتعطى مع كل منتج يخرج من مصانعك فرصة ابتزازك والضغط عليك و«لى ذراعك». أن تكون رجل أعمال لك استثمارات ومشروعات ومصالح مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالسلطة، إما ارتباط الشراكة.. أو ارتباط الرعاية.. أو حتى ارتباط القانون الذى يلزم كليكما بالتحرك فى إطار منظومة من القوانين والتشريعات، لا تملك خرقها «إلا بإذن السلطة»، بينما تملك الأخيرة خرقها وإلقاءها بعيداً وقتما تريد دون استئذانك أو الاكتراث بك، فأنت فى وضع لا تحسد عليه كثيراً، وتحتاج إلى درجة هائلة من التوازن العقلى لضبط هذه المعادلات وكبح جماحها، حتى لا تصل إلى درجة من الفوران التى تهدد بضياع كل شىء. وأن تكون رجل أعمال لديك كل هذه الاعتبارات، ولديك فى الوقت نفسه استثمارات إعلامية «صحفاً أو قنوات فضائية»، فأنت فى وضع بالغ التعقيد.. يضعك أمام خيارين كلاهما له عواقبه، الأول أن تسخر صحيفتك أو محطتك الفضائية فى خدمة مصالحك وتلويث خصومك، وفى الوقت نفسه «التطبيل» للسلطة والترويج لها، فتفقد الشارع والمصداقية ويصبح استثمارك الإعلامى عبئاً اقتصادياً عليك، أو أن تتبنى الخيار الثانى بأن تمارس إعلاماً مهنياً منفصلاً تماماً عن مصالحك، لا يحاول التخديم عليها، وفى الوقت نفسه يقدم خدمة إعلامية غير منحازة وغير مستعدة للتعتيم أو الحجب أو التلوين، وتلقى فى الوقت نفسه رواجاً شعبياً، وبالتالى فقد دخلت فى مواجهة مباشرة مع السلطة أو أجنحة ذات نفوذ فيها، فلن تضمن أبداً أن تتصدى لقضايا جماهيرية دون أن تنال بالنقد رموزاً فى السلطة والإدارة، فتجد أنك استعديتهم عليك لمجرد أنك تترك الإعلاميين فى مؤسستك يمارسون عملهم بمهنية واستقلال. هما خياران إذن لا طريق ثالث بينهما.. أحدهما قد يضمن استقرار الأعمال وفشل الإعلام، والثانى قد يشكل قدراً من الخطر على الأعمال ونجاحاً مضموناً للإعلام. استدعِ كل ذلك وأنت تستمع وتشاهد وتقرأ تصريحات رجل الأعمال المعروف د.أحمد بهجت، التى أدلى بها للزميل والصديق الإعلامى البارز خيرى رمضان قبل أيام، والتى قال فيها إنه فكر فى إغلاق قنوات «دريم» مرتين بسبب ما تثيره من مشاكل، وإنه يتعرض لضغوط مستمرة من مسؤولين فى الدولة بسببها، وقوله إن مسؤولاً محدداً ومعروفاً تعرض للانتقاد فى قناة دريم، فأوقف مزاد بيع أرض دريم الذى كان يعول عليه «بهجت» كثيراً فى أعماله فى ذلك الوقت. أنت بالقطع تعرف بهجت، وعندما تعود بالذاكرة عشرين عاماً للوراء أو أكثر، ستتذكر أنه كان رجل الأعمال الذى يتصدر المشهد وقتها، كان الأشهر والأهم والأقرب للنظام، لكنه خرج من هذا الكادر لسنوات طويلة، يفسرها هو بنفسه فى رده على سؤال لخيرى رمضان بتأكيده أن المشاكل التى تعرض لها بدأت مع انطلاق قناة دريم. تتوجس السلطة بطبعها وتكوينها من الإعلام، خاصة إذا كان غير موالٍ لها، وتعتبره فى الوقت نفسه أداة من أدوات النفوذ والحكم، ولك أن تتخيل أن القطاع الخاص الذى دخل فى هذه المنطقة الخطرة وصنع إعلاماً أقرب للناس صار شريكاً فى هذا النفوذ، وبالتالى شريكاً فى الحكم، وهى الشراكة التى لا تقبلها أى سلطة مركزية فى نظام أحادى، لذلك كان لابد من ضريبة يدفعها أحمد بهجت ورفاقه على ذات الدرب، لتضمن أنت استمرار هذا الإعلام بنفس مستواه وخطابه الأقرب إليك، وتربح إعلاماً جديداً، وصحافة مختلفة، وإعلاميين وصحفيين منحازين إليك، ويدفعون أيضاً ضريبة هذا الانحياز.. فمتى ستدفع أنت الضريبة المستحقة عليك؟! [email protected]