المنظمات الدولية والحقوقية: لا مخالفات جوهرية تؤثر على سلامة العملية الانتخابية    رواتب تصل ل 45 ألف جنيه.. وظائف جديدة في محطة الضبعة النووية    الجيش السوداني يعلن سيطرته على منطقتين في شمال كردفان    مدير الإعلام بحكومة إقليم دارفور: المليشيات وثقت جرائمها بنفسها    يوسف إبراهيم يتأهل لنهائي بطولة الصين المفتوحة 2025    تعديلات منتظرة في تشكيل شبيبة القبائل أمام الأهلي    وفاة سائق ميكروباص حادث صحراوي المنيا والنيابة تصرح بالدفن    ضبط أنصار مرشح برلماني أطلقوا أعيرة نارية في قنا ابتهاجا بفوزه    «المسار الأزرق».. سحر الواقعية فى مواجهة الاستسلام لقانون العزلة من الحياة    من مقلب قمامة إلى أجمل حديقة.. مشاهد رائعة لحديقة الفسطاط بوسط القاهرة    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    حسن غانم رئيس بنك التعمير والإسكان: تحقيق أولى خطوات تنفيذ استراتيجية 2025-2030 امتدادا لمسيرة النجاح خلال الأعوام الماضية    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    تشكيل إسبانيا الرسمي أمام جورجيا في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    ذكرى اعتزال حسام حسن.. العميد الذي ترك بصمة لا تُنسى في الكرة المصرية    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    برلمانى: الصفقات الاستثمارية رفعت محفظة القطاع السياحي لأكثر من 70 مليار دولار    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    عبور سفن عملاقة من باب المندب إلى قناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    المخرج الصيني جوان هو: سعيد بالأجواء في مصر وأحلم بتصوير فيلم على أرضها    خبير أسري: الشك في الحياة الزوجية "حرام" ونابع من شخصية غير سوية    وزير الصحة يعلن توصيات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    أسامة ربيع: عبور سفن عملاقة من باب المندب إلى قناة السويس يؤكد عودة الأمن للممرات البحرية    جيراسي وهاري كين على رادار برشلونة لتعويض ليفاندوفيسكي    المصارعة تشارك ب 13 لاعب ولاعبة في دورة التضامن الإسلامي بالرياض    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    اليابان تحتج على تحذيرات السفر الصينية وتدعو إلى علاقات أكثر استقرارًا    المجمع الطبى للقوات المسلحة بالمعادى يستضيف خبيرا عالميا فى جراحة وزراعة الكبد    التعليم العالي ترفع الأعباء عن طلاب المعاهد الفنية وتلغي الرسوم الدراسية    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    للأمهات، اكتشفي كيف تؤثر مشاعرك على سلوك أطفالك دون أن تشعري    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    «‏رجال سلة الأهلي» يواجه سبورتنج في إياب نصف نهائي دوري المرتبط    آخر تطورات أسعار الفضة صباح اليوم السبت    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    فلسطين.. جيش الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من مخيم عسكر القديم    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«جيفرى هيرف»: النازيون لم يخترعوا الأجزاء التى استخدموها من التراث الإسلامى للدعاية ضد اليهود
نشر في المصري اليوم يوم 04 - 02 - 2010

تعلمنا من دراسة التاريخ، أن بعض الشخصيات العربية اتجهت صوب دول المحور، خاصة ألمانيا، بحثا عن الخلاص من الاحتلال الفرنسى والبريطانى للمنطقة، وقرأنا أن خطابات هتلر الرنانة مع تأكيده للعرب بوضع حد للاستعمار فى المنطقة ووقف الطموحات الصهيونية فى فلسطين أعطى الأمل للكثيرين، وشاهدنا الدعاية النازية تنتهى بانتهاء النازى ولا يبقى لها أثر محسوس إلا فى كتب المؤرخين، ولكن يبدو أن نضال العرب المشروع ضد الكيان الصهيونى فى إسرائيل يراه البعض من الغرب ليس أكثر من إعجاب قديم بالنازى، استمر وترعرع ونضج عبر السنوات الطويلة.
المؤرخ والكاتب الأمريكى «جيفرى هيرف» أصدر مؤخرا كتابا حمل عنوان «الدعاية النازية فى العالم العربى« Nazi Propaganda in the Arab World، حمل هذه النظرة المغايرة تماما لما نعرفه، بل إنه مد الخيط على آخره ليقول إن كل المشاكل التى يعانى منها الإسلام والعرب فى علاقتهم مع الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة وإسرائيل، يمكن إعادتها إلى لحظة اتحاد أفكار قادة النازية مع عناصر من الإسلاميين للترويج للأفكار النازية فى الشرق الأوسط من خلال الإذاعة الألمانية الموجهة التى شاركت فيها أسماء بارزة من قادة العرب، مثل الحاج أمين الحسينى ورشيد الكيلانى، ويستمر هيرف فى طرح أفكاره قائلا: إن الأفكار التى قدمتها هذه الإذاعة كان لها أكبر الأثر فى خلق فكرة الجهاد العالمى ووضع أصول الإسلام الراديكالى المعاصر.
هذا الموضوع الخطير الذى يقفز قفزا فوق عشرات الأسباب الواضحة للصراع، ومئات الروافد التى خلقت ما يسمى بالإسلام الراديكالى، دفعت «المصرى اليوم» لإجراء هذا الحوار مع المؤرخ الأمريكى عبر الإنترنت، فى حوار أشبه بالمبارزة انطلقنا فيه من أرضية مختلفة تماما، لكن المؤرخ الأمريكى طرح المزيد من الأفكار الصادمة، وبدا أنه يرى وجهة نظر واحدة لا يحيد عنها، لكن الأمر كان يستحق معرفة كيف يرانا بعض المؤرخين على الجانب الآخر من المحيط، خاصة أن هيرف يعتبر من المؤرخين البارزين لكل ما يتعلق بفترة الحكم النازى، وأن كتابه المثير للجدل قامت بنشره مكتبة جامعة ييل الأمريكية أبرز الجامعات فى العالم وهو ما يمنحه ثقلا إضافيا يستحق التوضيح والجدل.. وإلى نص الحوار:
■ يسود مصطلح العداء للسامية بين معظم الأكاديميين فى العالم، ولا يلتفتون إلى مفارقة خطأ التعبير لأن العرب واليهود ينتمون للسامية، ألا تجد تناقضا فى هذا الوضع؟ وأليس من الأفضل أن يستخدم الأكاديميون عبارات أكثر وضوحا مثل العداء لليهود؟
- السبب يعود إلى النظام النازى، وقد خصصت فصلا كاملا فى كتابى لعرض الجهود المكثفة التى قام به هذا النظام لمقاومة استخدام مصطلح العداء للسامية، كان هدف النازى هو تأسيس نظام نشط لتعميق العداء لليهود، وليس تجاه العرب أو المسلمين بصفة عامة، وللأسف فقد أظهرت أطراف عربية الارتياح عندما تأكدوا أن العنصرية النازية ليست موجهه إليهم، وعلى الرغم من استخدام مصطلح العداء ضد السامية دخل منذ فترة فى الخطاب الأكاديمى فإن أحدا من العرب لم يعترض عليه.
■ هل تقصد بالأطراف العربية الحاج أمين الحسينى مثلا؟
- لا، أمين الحسينى لم يكن متورطا فى هذا الأمر على الإطلاق، فعندما بدأ مناقشة استخدام هذا المصطلح فى برلين ما بين عامى 1935 و1936 هدد المسؤولون عن الفريق الأوليمبى المصرى بعدم الحضور والمشاركة فى دورة الألعاب الأوليمبية ببرلين عام 1936 لأنهم اعتقدوا أن ألمانيا النازية تميز غير الآريين، أو بمعنى آخر تضطهد الساميين، وقد ذهب السفير الألمانى فى القاهرة وطمأن المسؤولين المصريين بأن قوانين نورمبرج موجهة ضد اليهود وليس ضد غير الآريين بصفة عامة.
■ يعرف المؤرخون العرب أن النازية لم تكن من روافد الأفكار التى استمرت فى المنطقة، ولم يكن لها أدنى تأثير على الأفكار والحركات المعاصرة، ولكنك تطرح العكس تماما، هل يمكن أن تحدثنا عن الأدلة التى تؤيد أفكارك؟
- أولا الإذاعة الألمانية الموجهة باللغة العربية، فى ذلك الوقت كانت تهاجم الصهيونية واليهود وتتحدث عن وجود مؤامرة دولية يهودية، ولسوء الحظ بعد انتهاء الحرب استمر التفكير التآمرى حول السلطة المفترضة لليهود فى منطقة الشرق الأوسط، ويتضح ذلك فى نشرات الجماعات الإسلامية وكتابات سيد قطب وحتى الأنشطة التى قام بها الحاج أمين الحسينى، والدعاية ضد الصهيونية أيام جمال عبدالناصر فى مصر استخدمت جميعا نفس أسلوب الدعاية النازية، ووصفت اليهود بأنهم شر يجب عقابه، وفى السنوات الأخيرة كان التليفزيون المصرى يذيع أعمالا درامية حول بروتوكولات صهيون، حتى تنظيم القاعدة وفكره الجهادى الإسلامى هو شكل من أشكال الفكر الأيديولوجى الشمولى الذى يجمع بين كراهية اليهود والديمقراطية، كما أثر الاتحاد السوفيتى وامتزاج الماركسية اللينينية مع حالة معاداة الصهيونية فى ازدياد حالة العداء تجاه الصهيونية، هذه ليست أفكارى فقط لكن كذلك يمكن الاطلاع على نتائج تأثير النازية والشيوعية على السياسة العربية والإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال كتب مثل «الهوس القاتل: العداء للسامية من الآثار حتى الجهاد العالمى» A Lethal Obsession: Anti-Semitism from Antiquity to Global Jihad، لروبرت فسترخ الذى صدر فى مطلع هذا العام، وكتاب مير ليتفاك واسترويبمان «ردود الفعل العربية على الهولوكوست» Arab Responses to the Holocaust.
■ ولكن حالة الغضب التى تركزت على الصهيونية ولم تكن من فراغ، بل بسبب احتلال فلسطين وأجزاء من سيناء وسوريا ولبنان وما يحدث هناك حتى الآن؟
- لا أعرف ما الذى تقصدينه بما يحدث هناك، كتابى لا يتناول فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن لم يكن من الضرورى أن يهاجم العرب الصهيونية عام 1948 أو بعد قيام الحرب بل كان من الممكن الوصول لحل وسط، وأقول إن أنور السادات كان رجلا عظيما عرف أن التسوية مع إسرائيل أمر ضرورى وستحقق الخير لمصر وللعالم العربى وللفلسطينيين أيضا.
■ ذكرت فى كتابك أن النازيين أخذوا من التراث الإسلامى ما يزيد من حالة العداء مع اليهود، كيف ذلك؟
- التراث الإسلامى مثل أى تراث يخضع للتفسير من كل جيل من المثقفين، المؤرخون يتوقفون أمام القراءة الانتقائية لتراث الماضى، ونحن كمؤرخين أوروبيين ندرس ونفحص القراءة الانتقائية للديانة المسيحية التى قدمها النازيون وتشكل فكر التطرف من خلال اختيار العناصر المعادية لليهود، ورغم أهمية جذور معاداة السامية فى الديانة المسيحية فإنها لا تكفى وحدها كمصدر يوضح العمليات النازية لإبادة يهود أوروبا، ووفقا للتقاليد المسيحية فهناك مكونات أخرى عبر عنها تشرشل وروزفلت فى الحرب العالمية الثانية ورفضت القراءة النازية لهذه النصوص المسيحية، لذلك يعتقد المؤرخون الأوروبيون أن التراث المسيحى كان ضروريا لتبرير القيام بمحرقة الهولوكوست لكنه لم يكن كافيا بمفرده، ومثل المسيحية فالإسلام أيضا لديه تيارات معادية لليهودية، وقد أثيرت هذه القضية فى أعمال برنارد لويس، ومؤخرا فى مجموعة من التفسيرات والوثائق التى قدمها أندرو جيه بوستم بعنوان «التراث الإسلامى ومعاداة السامية: من النصوص المقدسة إلى تاريخ سليمان».
■ هذا تفسير واسع، هل يمكنك أن تذكر بعض الأمثلة المحددة حول استخدام النازيين عناصر منتقاة من التراث الإسلامى لزيادة حالة العداء لليهود؟
- عندما قمت بتوثيق الدعاية النازية فى العالم العربى، وجدت أن المسؤولين النازيين قاموا بعملية انتقائية لعناصر من القرآن والنصوص الأخرى تتضمن الأفكار المعادية لليهود باعتبارها من أكثر الوسائل فاعلية للوصول إلى الجمهور العربى، لقد اجتهد النازيون فى إيجاد اقتباسات من القرآن تدفع لكراهية اليهود من خلال التركيز على رفض اليهود دعوة النبى محمد للدخول فى الإسلام وعدائهم للمسلمين، وركزوا على التفسيرات التى تقول إن التطلعات اليهودية كانت تريد تدمير الإسلام، على الرغم من كون هذه المشاعر لا تشكل كل وجهة نظر الإسلام لليهود لكن الحقيقة أن الإسلام يوجد لديه إرث كراهية لليهود، فالنازيون لم يخترعوا هذه الأجزاء.
■ هل تعتقد إذن أن التحالف بين النازيين والعرب ساهم فى زيادة العداء لليهود؟
- هذا ليس موضوع كتابى، لكن المؤرخين الألمانيين كلاوس مايكل مالمان وكلاوس جينسكس كشفا منذ فترة وجيزة عن المزيد من الوثائق تضاف إلى ما هو معروف بعد الحرب العالمية الثانية، مثلا، حث الحاج أمين الحسينى المسؤولين الألمان على عدم السماح لأى من اليهود بالفرار من أوروبا إلى فلسطين، فعل ذلك وهو يدرك جيدا أن بقاء اليهود فى أوروبا يعنى قتلهم على يد الألمان، وفى تونس أثناء الاحتلال الالمانى عام 1942 ساعد بعض العرب الألمان لكن الهولوكوست لم تمتد إلى الشرق الأوسط كما كان هتلر يتمنى بسبب هزيمته فى العلمين، لقد كانوا يؤمنون بأن المصريين والفلسطينيين سيساعدونهم فى قتل اليهود.
■ ذكرت أن من أهم الشخصيات التى استخدمها النازيون أمين الحسينى، فى حين نعرف جميعا أن الحسينى كان يناضل ضد الاستعمار الإنجليزى والاستعمار الصهيونى فى فلسطين قبل أن يذهب لألمانيا بسنوات طويلة، واقترابه من الألمان كان محاولة للحصول على حليف فى مواجهة المحتل الإنجليزى، أى أن أفكاره كانت فاعلة ولم تتطور بعد لقائه بالألمان، فما هو الجديد فى هذا الموضوع؟
- فكرة أن أمين الحسينى كان أحد القوميين الذين شكلوا تحالفا مع النازيين لأنهم مثله أعداء للإنجليز والصهيونية هى جزء من أدب التبرير انطلاقا من مبدأ (عدو عدوى صديقى)، وهذا غير صحيح فقد كان هناك اتفاق فى العقول والقلوب بين أمين الحسينى وغيره من الراديكاليين الإسلاميين المنفيين فى برلين مع هتلر والمسؤولين فى وزارة الخارجية الألمانية وقوات الأمن الخاصة، وفى مناسبات كثيرة كان هؤلاء القادة العرب يتولون تقديم أو كتابة برامج الإذاعة الألمانية الموجهة باللغة العربية، والتى تحمل لهجة العداء لليهود، ولو كان قُدر للألمان الانتصار فى معركة العلمين عام 1942 والوصول للقاهرة وفلسطين لكانوا قد تمكنوا من تنفيذ خطط لإرسال قوات الأمن الخاصة إلى مصر وفلسطين والتخلص من 700 ألف يهودى فى الشرق الأوسط، إلا أن هزيمة هتلر كانت السبب الوحيد الذى أوقف مخططات استكمال تمديد المحرقة.
هذه الإذاعات نشرت نصوص برامجها موثقة فى كتابى، وهى تتضمن التحريض على القتل الجماعى، وجميع هذه البرامج تقع ضمن المعايير التى وضعتها الأمم المتحدة عام 1951 بخصوص التحريض على أعمال الإبادة الجماعية تبعاً للدين أو العرق، وكان لابد من اتهام أمين الحسينى وهؤلاء المسؤولين عن الإذاعة بانتهاك اتفاقيات الأمم المتحدة كما حدث مع الإذاعات التى حرضت على القتل الجماعى فى رواندا عام 1994.
وفى كتابى كشفت أدلة جديدة حول الدعاية النازية فى العالم العربى، وهذه الوثائق الجديدة جاءت من ملفات السفارة الأمريكية فى القاهرة وقت الحرب، وملفات مكتب قوات الأمن الخاصة فى ألمانيا والخارجية الألمانية، حيث كانت السفارة الأمريكية فى القاهرة تترجم البث الإذاعى للحسينى ويونس بحرى وغيرهما وترسله إلى وزارة الخارجية فى واشنطن، وهذه الوثائق كانت شديدة الأهمية بالنسبة لكتابى وهو يثبت أن فصلا من أطول فترات تاريخ التطرف الإسلامى تمت كتابته فى برلين وقت الحرب العالمية الثانية، حيث لم يكن هناك صدام بين الحضارات لكن لقاء بين العقول والقلوب قام على أسوأ العناصر.
■ على مستوى المنطقة العربية، كانت محاولات الاقتراب من ألمانيا النازية بهدف واحد وهو الخلاص من الاستعمار الإنجليزى - الفرنسى، فكيف تتحول هذه الوقائع إلى دافع وحيد هو العداء لليهود؟
- مرة أخرى، هذا السؤال يعكس التعاطف مع النازيين.. مرة أخرى، أكرر أن دعمهم للنازيين لم يكن بناء على تكتيك حسابى بوجود أعداء مشتركين، لكن التوافق فى القناعات السياسية مع النازيين مثل رفض الديمقراطية الليبرالية، وسيادة القانون العلمانى وحقوق الفرد، والأهم هو الإشارة لوجود قادة عرب يحتقرون السياسات النازية والفاشية ووقفوا بجانب الحلفاء للانتصار فى الحرب العالمية الثانية، لقد كتب الدبلوماسيون الأمريكيون والبريطانيون تقارير فى القاهرة والشرق الأوسط تؤكد أن أى دعم جدى للنازيين فى المنطقة كان يأتى من جماعات مستقلة نشطة سياسيا مثل الإخوان المسلمين ومصر الفتاة وبعض صغار الضباط فى الجيش المصرى، بجانب هيئة التدريس فى جامعة الأزهر والمجموعة الإيطالية القريبة من الملك فاروق.
فكرة أن العرب كانوا بحاجة إلى التحالف مع الفاشية أو النازية لإنهاء الحكم البريطانى أو الفرنسى فى المنطقة كانت خطأ سياسيا مثيرا للشفقة، وخلال فترة الدعاية النازية فى منطقة الشرق الأوسط كان التركيز على موضوع الروابط اليهودية مع بريطانيا والولايات المتحدة، لكنهم لم يميزوا بين اليهود والصهيونية على الإطلاق وتشابكت معاداة السامية مع كراهية أمريكا وبريطانيا.
■ إذا افترضنا جدلا أن حالة الشحن والدعاية النازية ضد اليهود كان لها تأثيرها فى المنطقة العربية، ألا تظن أنها كانت ستنتهى بنهاية الحرب وسقوط المشروع النازى؟
- أوضحت فى كتابى السابق «العدو اليهودى» أن النظام النازى ادعى أن اليهود مسؤولون عن بداية الحرب العالمية الثانية، وأنهم سيطروا على حكومات بريطانيا والاتحاد السوفيتى، وفى عقول النازيين انتصار الحلفاء فى الحرب يعنى انتصار اليهود، وهذه الفكرة تم ترحيلها للعالم العربى من خلال الدعاية باستخدام الإذاعة الموجهة، واستقر فى عقول الإسلاميين الأصوليين والمتعاطفين مع النازية أن ما حدث مع تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 أكد دقة توقعات الدعاية النازية، على سبيل المثال عند قراءة أحد مقالات سيد قطب الذى نشره عام 1950 وحمل عنوان «كفاحنا ضد اليهود» نجد فيه أن هتلر أرسله الله لمعاقبة اليهود، كما أنه لم ينكر المحرقة بل وصفها بأنها شكل من أشكال العقاب لليهود على أفعالهم السيئة، مثل هذا الأسلوب كان سمة أساسية فى الهجوم الأيديولوجى النازى على اليهود الذى انتقل من أوروبا إلى الشرق الأوسط وإيران بعد عام 1945.
■ ألا ترى أن الطريقة التى نشأت بها الدولة اليهودية هى السبب الأساسى فى زيادة حالة العداء للإسرائيليين (غالبية العرب يفرقون بين اليهود والصهاينة)؟ وأن السياسات الإسرائيلية الاستيطانية التوسعية هى سبب التوتر والعداء؟
- بالطبع الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ووراءهم العرب تسبب فى حالة من العداء على جميع الأصعدة، لكن السبب يعود إلى حرب 1948 والفشل فى الوصول لسلام دائم، منذ ذلك الوقت كان يوجد بين العرب والفلسطينيين دائما من لديه استعداد للوصول إلى حل وسط مع إسرائيل، ومن أبرزهم الرئيس أنور السادات، على عكس شخصيات مثل الحسينى وسيد قطب اللذين مزجا بين النازية والإسلامية، ورفضا أى حل وسط مع الدولة الإسرائيلية، كما أنهما لم يميزا بين اليهود والصهاينة، ولا تتوقف أفكارهما عند مجرد رفض السياسات الإسرائيلية لكنهما يرفضان وجود دولة يهودية فى فلسطين، وقد واجه المدافعون عن الحلول الوسط خطر الاغتيال مثل السادات على يد الإسلاميين، وكان من الممكن أن تنجح جهود إقامة دولتين لولا الأعمال المأساوية الناجحة لمنظمتى حماس وحزب الله والبعض فى منظمة التحرير الفلسطينية وهجومهم على العرب والمسلمين الذين قبلوا التسوية والدولة اليهودية.
■ إذا كانت النازية قد صنعت كل هذا، فبماذا تفسر بقاء اليهود المصريين كمواطنين لهم كل حقوق المواطنة فى مصر دون أن يتعرض لهم أحد حتى بدأوا الهجرة الجماعية بعد تأميم القناة وحرب 1956.. ألا يغير هذا من أفكارك حول الموضوع؟
- أولا النازيون لم يقوموا بكل هذا، ولكن الجهاد الإسلامى مزيج من مبادئ النازيين والإسلام الأصولى بجانب أفكار الحقبة السوفيتية المناهضة للصهيونية، وبعض عناصر اليسار المناهض للإمبريالية أى أنه نتاج مجموعة من التأثيرات. ثانيا هروب اليهود من مصر بدأ بعد وقت قصير من انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية العنف المعادى لهم، وزاد أثناء وبعد حرب 1948، فقبل تأسيس الدولة الإسرائيلية كان يعيش 700 ألف يهودى فى البلدان العربية، واجهوا تهديدات ومشاعر العداء مما دفعهم للفرار خوفا على حياتهم، وعملية طرد اليهود من العالم العربى إلى جانب أنها انتهاك جسيم لحقوق الإنسان فقد كانت خسارة فادحة فى التنوع الثقافى والدينى والنشاط الاقتصادى للمجتمعات العربية.
■ تحدثت عن اكتساب التيارات الإسلامية المعاصرة مبادئها من أساليب الدعاية النازية، كيف ذلك؟ وما هى بالتحديد هذه المبادئ؟ وكيف حدث التأثير من وجهة نظرك؟
- الخطوط التى تم تتبعها من أمين الحسينى وسيد قطب والإخوان المسلمين والمنظمات ذات الصلة مثل حماس وحزب الله هى مزيج من كراهية اليهود والولايات المتحدة والديمقراطية الليبرالية، ونجدها فى تصريحات علنية لتنظيم القاعدة وهى نفس مشاعر الحقبة النازية وأعتقد أن توثيق وتفسير الطريقة التى تشابكت بها الأفكار الفاشية والنازية مع تطرف الإسلام بعد عام 1945 هما مهمة المؤرخين فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط والخليج العربى كما ينبغى أن تكون وثائق الحكومات العربية فى متناول يد الجميع كما هو الحال فى الولايات المتحدة وفى الحكومات الأوروبية، وحقيقة فإن أرشيف الوثائق العربية مغلق، ويجعل من الصعب كتابة تاريخ الشرق الأوسط، وفى أثناء عملى على تاريخ ألمانيا النازية كان العديد من الوثائق المهمة متاحاً للجمهور العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.