ذات يوم قال الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا. وكانت هذه الأبيات فى حينها هى الصدق بعينه معبرة عن «صانع ماهر» يعمل بعقله وكيانه لصياغة وبناء عقول الأجيال، وكل من عاش هذا الزمن يقص ويروى حكايات وأساطير عن مآثر المعلم.. فى ذلك الزمن الجميل وتحديدا فى أوائل القرن الماضى.. وحتى أوائل السبعينيات.. وكيف كان المعلم حاملا للواء الفكر مؤثرا.. وتاركا لبصمات لا تمحى فى كيان كل من تتلمذ على يديه فقد كان المعلم «راعيا» ومحتضنا لكل من كان يتوسم فيه النبوغ من تلامذته.. يتعهده ويحفزه للتفوق، وكان العصر الذهبى للمعلم فى فترة- ما قبل ثورة يوليو 1952.. ولهذا يحسب للمعلم فى هذا الزمن أنه بث روح الانتماء وحب الوطن فى نفوس تلامذته.. وقد أثمر هذا الحد ثورة يوليو المجيدة، ولو سألت أحدا عن أثر معلمه عليه.. أرى الدموع تتسرب ويرثيه ويبكيه ويبكى معه على ذلك الزمن الجميل، وكان أبى رحمه الله يذكرنى دائما بفضائل أستاذ اللغة العربية، وكيف كان شاعرا.. أديبا..ويحكى لى أحد أساتذتى أن والده كان معارا فى أواخر الخمسينيات لإحدى الإمارات العربية، وكان من تلامذته من تبوأ سدة الحكم فى تلك الإمارة فى الستينيات.. ولما وفد طلب مقابلة أستاذه المصرى وبالفعل أرسلت رئاسة الجمهورية فى استدعاء الأستاذ.. ولقيه تلميذه الذى أضحى حاكما ولم ينس أثره. مضت سنوات وفى أوائل السبعينيات، قيل إن مسرحية مدرسة المشاغبين ومرحلة الانفتاح الاقتصادى هما الحد الفاصل الذى انتهى معه زمن المعلم الجميل.. وكانت المادة هى كل شىء.. وانعكس هذا على المعلم.. وهو إنسان له متطلبات وأسرة.. لابد أن يتكفلها برعايته.. وانتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية وتداعت قيم الأشياء واختلت المنظومة. فى وقت أن كانت الوزارة اسمها المعارف.. كانت هناك تربية، كان هناك تعليم.. واليوم يتخرج الملايين وقد «لقنوا» وبعضهم لايجيد القراءة والكتابة!! المعلم والقاضى والضابط هم دعائم الأمة.. وينبغى أن يقدر الأول ماديا. وحتى نأمل العودة لبعض ماكان.. من زمن المعلم الجميل لا ينبغى أن يترك.. دون تقدير مادى.. كى يُعلم ولايتألم!! أحمد محمود سلام- محام - بنها - قليوبية
