أوردت «المصرى اليوم» تفاصيل ما يعرف ب«قضية سياج» وكشفت فعلاً عن خطايا الحكومة، فى هذه القضية، حيث أصدر التحكيم الدولى حكماً لصالح سياج وتعويضه بمبلغ 740 مليون جنيه، وهو رقم قد يقفز إلى نحو مليارى جنيه وفى قول آخر إلى 11 مليار جنيه، بحساب الفوائد وثمن المنشآت. ولا تقتصر الخسائر على الجانب المادى فحسب، بل تتعداه إلى خسائر فادحة أخرى، تتصل بمناخ الاستثمار فى مصر وكيفية إدارته. وأكثر ما يثير الدهشة فى هذه القضية هو امتناع الحكومات المتعاقبة منذ بيع الأرض لسياج عام 1989 عن تنفيذ أحكام القضاء المصرى التى لو نفذت لتجنبنا كل أنواع الخسائر المادية والأدبية التى ترتبت على التعامل مع هذه القضية، لاسيما أن «الحجج» التى تذرعت بها الحكومة تلو الأخرى حجج واهية، حيث «تقرر» سحب الأرض من سياج للمنفعة العامة، وتم منحها لمستثمر آخر لصميم المنفعة العامة!! التى تتمثل فى إنشاء خط غاز يمتد لإسرائيل، بينما سُحبت الأرض من سياج «بتهمة» إشراك شركة إسرائيلية فى مشروعه السياحى! ولم يشفع له إلغاء تعاقده معها.. واتضح على ما يبدو أن إشراك شركة إسرائيلية فى مشروع سياحى يناهض المصلحة العامة، بينما يعتبر إمداد إسرائيل بالغاز المصرى من صميم هذه المصلحة.. وأتحدى أن يفهم أحد «معيار» المصلحة العامة فى كل من الحالتين.. التفاصيل كثيرة وكانت «المصرى اليوم» كعادتها سبَّاقة فى طرح القضية على المواطن المصرى الذى سوف يتحمل نتيجة القرارات المرتبكة والتعالى على أحكام القضاء المصرى، وانعدام البصيرة، بدءاً من بيع الأرض إلى نزع ملكيتها ثم تخصيصها أو بيعها لمستثمر آخر دونما اعتبار للقوانين واحترامها، وهو أهم ما يبحث عنه ويطمئن إليه المستثمرون فى أى بلد.. غير أننى وسط «تل» المستندات الذى عرضته «المصرى اليوم» بمهارة وأمانة مهنية أكيدة - حيث حرص الزميل علاء الغطريفى على إيصال كل المعلومات الأساسية بوضوح شديد دونما أى انحياز، اللهم الانحياز إلى الحقيقة - توقفت أمام «نظرة» المسؤولين فى تقييمهم لأرض مصر مقابل «نظرة» الأجانب إليها.. فقد اعتبر وزير السياحة الأسبق فؤاد سلطان أن أرضاً تقع على الحدود مع إسرائيل وتطل على البحر يجب التخلص منها وإهدارها بأبخس ثمن ممكن، أى بجنيه ونصف للمتر، إذ باع 650 ألف متر ب975 ألف جنيه، منها 20٪ مقدم، والباقى يسدد على 10 سنوات.. أى أن يدفع سياج حوالى 300 ألف جنيه فقط لاغير.. ثمن شقة متوسطة.. يا بلاش!! فيما قدر التحكيم الدولى الأرض بمئات الملايين وربما بآلاف الملايين من الجنيهات!.. وهذه «النظرة» هى السائدة فى كل ما تبيعه الحكومات المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضى، خاصة بيع المصانع، وكأن احتفاظ المصريين بأى ثروات عقارية أو صناعية أو تعدينية أو غيرها رجسٌ من عمل الشيطان، كما يؤكد صندوق النقد والبنك الدوليان ويؤمن أنصار الرأسمالية المتوحشة التى نعيش حصادها المر.. وبهذه المناسبة أستحضر قصة قصيرة للأديب الكبير جمال الغيطانى، هى بمثابة رؤية أو نبوءة، وقد نشرها الراحل العظيم الأستاذ أحمد بهاء الدين باعتبارها نموذجاً لأدب المقاومة فى مجلة المستقبل التى كانت تصدر فى باريس، والقصة فى مجموعة بعنوان «فى ذكر ما جرى» صدرت عام 1974 وهى، أى القصة، بعنوان «ما جرى فى الوادى» عن مواطن رفض بيع فدان أرض يمتلكه وقرر حمايته من طوفان بيع الأراضى بالمزاد.. أرض مصر.. رفض المواطن أن يغرقه الطوفان، وانتصر عندما انضم إليه كل أفراد الشعب المصرى يحمون بأجسادههم، فى مواجهة الطوفان، «الفدان الأخير»!