اعتذرت عن كتابة مقالى عدة مرات متتالية، لم يكن الاعتذار بسبب وجودى فى إجازة للراحة والتقاط الأنفاس كما أفعل كل عام ولكنى كلما جلست أمام ورقى وأقلامى أجدنى مشوشاً عاجزاً عن كتابة كلمة واحدة. يزداد إحساسى بالعجز والضعف.. تتداخل أمامى القضايا والموضوعات، يتفاقم شعورى بلا جدوى الكتابة، وماذا بعد؟! أرى الوطن بمواطنيه وليمة، نشارك جميعاً فى تمزيقها، حالة عنيفة من التشابك والاشتباك لا تفضى إلى شىء. صاحب إحساسى هذا سفرى خلال أسبوعين لأيام معدودة إلى جنيف فى سويسرا، ودسلدورف فى ألمانيا فى مهمتى عمل، لأصطدم وكأننى أسافر لأول مرة بمجتمعات هادئة نظيفة يعمل أهلها بلا صخب. كل شىء يدور فى هدوء ونظام، حتى فى حالات الغضب أو التوتر. مجتمعات تساعدك على العمل والتأمل والتمتع بالحرية. قررت أن أنتقل قليلاً إلى مقاعد القراء، كم هو ممتع أن تجلس فى هذا المقعد، تقول ما تشاء: «هذا لا يعجبنى، وهذا سيئ، الله عليك يا مناضل، أيوه إدى له كمان».. متعة أن تمارس حريتك مع نفسك، فلا نتيجة مرجوة. ما كل هذا الصخب، وهذه الفوضى.. خناقات حول التطبيع وإسرائيل ومفاوضات فتح وحماس مستمرة، وإسرائيل فى تقدم مستمر. مزقنا ملابسنا وأحلامنا بسبب خطاب لأوباما فى مصر، الرجل مضى وزار بلاداً عدة، ولكننا فى مصر «حاجة تانية».. القمح فاسد أم لا؟ مجلس الشعب سيحل أم لا؟.. جمال مبارك سيحكم أم لا؟ الوزارة ستحل أم لا، وإذا حلت فما الفرق وماذا سنستفيد؟ لماذا أغلقت صحيفة «البديل» وشرد زملاؤنا؟.. ولماذا لا يستجيب أحد لزملائنا صحفيى الشعب الذين يهددون بالموت لأنهم تعبوا من التشرد والبطالة بلا ذنب؟.. من الذى حرق مجلسى الشعب والشورى؟ لماذا لم يحاكم المتهمون فى حادث الإرهاب بشرم الشيخ منذ سنوات، وهل هم الجناة وأين المقبوض عليهم فى تفجيرات الحسين؟ لماذا ذهب محمد إبراهيم سليمان من وزارة الإسكان، ولماذا عاد؟ هل سنذهب إلى كأس العالم فى جنوب أفريقيا؟.. ولماذا نناقش كل عام هل سيرحل أبوتريكة من الأهلى أم لا؟ من المستفيد من نسبة البناء على 7٪ فقط من الأراضى الزراعية فى الصحراء، ولماذا لا تزيد النسبة لصالح الشباب بدلاً من أن تكون للأثرياء وأصحاب المزارع فقط؟ «منير حنا» شاعر مغاغة الغلبان فى السجن لأنه كتب قصائد متواضعة جداً فيها نقد للرئيس مبارك ونحن مازلنا نكتب ونكتب. بالله عليكم ما جدوى الكتابة وكل ما نطرحه منذ سنوات مجرد أسئلة بلا كتابة؟! هل يجب علينا أن نستمر جميعاً فى الاتجاه نفسه.. أستميحكم عذراً سأنسحب مؤقتاً من هذا الطريق وسأتفرغ فى المرحلة المقبلة للكتابة عن بعض الوجوه التى تعيش بيننا، نحبها ونكرهها، ولكنها فى النهاية تكمل لنا تلك الصورة العشوائية التى نحياها! [email protected]