عشت طوال عمري.. كل همي هو البحث عن الكلمة الجميلة الكلمة الماسة التي لم تذهب أبدا إلي سوق النخاسة أغفر لي يارب لو استعجلت الموت لأنني استعجل المعرفة عندما يصبح بصري حديدا.. واعرف الحكمة لأنك فضلت أرضا علي أرض.. وباركت حولها.. استغفرك ياربي وأتوب إليك إني كنت من الظالمين! لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.. واعترف يارب العالمين وأنت السميع البصير.. أنني لم أغز ولم أجهز غازيا.. ولم أجاهد، ولم أجهز مجاهدا وإذا »مت« سأموت علي فراشي كما يموت »البير«!! ولكنني ماذا أفعل؟ أنت يارب أسأل؟ ماذا أفعل وأخاف ان يستبد بي اليأس.. وأنا في انتظار رحمتك.. أنا في انتظار الكاشفة.. ليس لها من دون الله كاشفة. يارب نفسي لا تطاوعني أن أقول غير ما أقول الآن، وأعرف يا رب أنك فضلت بعضنا علي بعض.. ولكن ما يحدث لبلدي الآن يجعلني عاجزا عن الكلام.. عاجزا عن السكوت من ذا الذي يريد لمصرنا كل هذا الشر ولمصلحة من.. تعبنا من الكلام والحديث ومازالت هناك عقول مغلقة وقلوب يعلوها الصدأ.. مع أن كل الأديان السماوية ونظريات الفلسفة تدعو إلي المحبة وإلي العيش في أمان.. ماذنب هؤلاء الذين فقدوا ذويهم وأخواتهم في يوم عيدهم أي ذنب ارتكبوه.. حتي تتحول الأفراح والأعياد إلي مآتم.. ومن هذا الشيطان الذي استطاع أن يزرع في عقل هؤلاء المردة نزعة الشر وسفك الدماء من أجل من ولماذا؟.. أصبح الكلام عاجزا عن التعبير ويكاد القلب يتوقف من الألم.. ولا نعرف إلي من نتجه.. فالإرهاب أسود يتخفي في جنح الظلام وهو يرانا ونحن لا نراه ولكن لن يظل ذلك طويلا فلابد أن تشرق الشمس وان يظهر الحق ولن يكون ذلك إلا عندما نكون قلبا واحدا وضميرا واحدا من أجل هذا الوطن الذي أعطانا الكثير ولم يزل!! مليون لأ الأحد: يؤلمني صمتي.. كما يؤلمني الكلام في هذه الأيام لحظة حيرة أعيشها.. إذا احتواني الصمت أجدني أنام علي أوجاع الألم.. وإذا تحدثت أشعر بأنني أنادي الصمت في الصحراء وهل يسمع الأصم الدعاء!! الشاعرة الغنائية الكبيرة آمال شحاتة نزف قلبها دما عندما علمت بالأحداث فهي مصرية حتي النخاع وهي مستعدة لدخول معركة حتي الموت إذا سمعت لفظا أو كلمة تسئ إلي مصر.. فهي تري أن مصر هي الدماء التي تمشي في أوردتنا وبدونها لا توجد حياة. كتبت آمال قصيدة بعنوان »مليون لأ« تقول فيها: أي كانت الأسباب... مليون لأ للإرهاب إيه ح يكون: مهما يكون... يديك حق تروع كون موت ودمار لكبار وصغار... وياضيوف عندك في الدار للإرهاب مليون لأ واوعي تجيب سيرة الاسلام... ده الإسلام هو السلام في كل عهد وكل زمان... ودليله واضح في القرآن ولا فيش ديانه من الأديان... يدوك حق لموت إنسان للإرهاب مليون لأ إيه ح يكون.. مهما يكون... يديك حق تروع كون ح تقول فقر: ح تقول قهر... ح تقول ظلم الناس والدهر عمر ده كله مايديك حق... للإرهاب مليون لأ مين إداك حكم الهلاك... لعيلة كاملة في عز نومها حاضنة العيال بنيا الآمال... وفي لحظة تبقي للنار منال إنت شيطان وإنت جبان... لو إنسان اظهر بان غاواك غراب... غاوي خراب مالوش ملة ولا هوية.. ولا له علاقة بالإنسانية كل العالم غرب وشرق... صوتهم واحد بيقول لأ للإرهاب مليون لأ أنا كداب! الخميس: أنا كداب والعياذ بالله.. ولا أعرف.. لماذا؟!.. والعجيب في الأمر انني لم اكتشف هذه الحقيقة إلا الآن!.. عشت طوال عمري.. وحتي الآن اكره الكذب.. ولم اكذب في حياتي مرة واحدة!!.. ويكفي أن أعرف أن واحدا من معارفي فيه هذه العادة القبيحة.. فأقاطعه.. واخاصمه.. وافجر في خصومتي ولا أقبل الشفاعة من أحد.. حتي أصالح الكذاب!.. ومع ذلك اكتشفت انني كداب.. وأمارس أخطر أنواع الكذب.. وهو الكذب علي النفس.. نفسي التي أحبها.. واعشقها لدرجة النرجسية.. هذه النفس اكذب عليها.. وأمارس عليها الخديعة.. أي نعم أخدعها!.. صحيح أن كذبي.. وخديعتي لنفسي لم تمتد أثاره إلي غيري بعد.. ولكن اقر بأنني كداب.. واحتاج إلي حكيم نفساني لتدارك الأمر قبل ان يتفاقم الأمر!!.. وتصبح فضيحة.. وجرسة.. وأنا الصادق الذي لم يجرب أحد عليّ الكذب بعد!!.. والحمد لله انني كشفت نفسي بنفسي.. نفسي التي أحبها.. هي الآن »أمارة بالسوء«.. وتدفعني إلي ما كنت ادعي انني له من الكارهين! فأنا يا سادة يا كرام.. من المحظوظين في الحياة الدنيا.. وتحققت أحلامي.. والحمد لله.. وصلت منذ زمن بعيد إلي ما أحب وأهوي.. وأصبحت كاتبا.. وصلت إلي مرفأ العشق للكلمة.. وكنت دائما ومازلت أقول لطلاب كليات الاعلام الذين يسألونني عن ماهية الكتابة.. فأقول: إن اصعب الأمور في العلوم الإنسانية أن نجد التعريفات الجامعة المانعة.. كما يقول أهل الفلسفة.. ولكن إذا جازلنا الاجتهاد فنقول: إن الكتابة هي أن نمارس التعبير بقصد التغيير.. من أجل التأثير!.. وأنا والحمدلله أحمل لقب الكاتب الكبير.. الذي يتسربل بعباءة الصدق وهو من الكاذبين! طول عمري.. أقول: وصلت إلي ما أحب وأهوي.. ولا أطمع من الدنيا في أكثر مما وصلت إليه وهو الكتابة وفي أوسع الصحف انتشارا.. واضراما.. ووقارا.. وأعمل في دار صحفية كبري وهي أخبار اليوم.. وكنت أحلم أن أعمل بها.. وحدث وعملت بها!.. وكان من توابع الأحلام أن أكون رئيسا للتحرير فقط من أجل كتابة اليوميات في الصفحة الأخيرة.. لأن اليوميات لا يكتبها إلا رؤساء التحرير فقط.. لأنني أريد أن أحكي عن ذاتي وابوح واستريح!! أريد ان تشم الدنيا عطر وردتي.. وان تسمع آنيني بالوجع! وهذا لا يمكن إلا في اليوميات!! ولما نودي علينا لكتابة اليوميات.. لم تسعني الدنيا.. وقلت: هذا هو الميلاد الحقيقي.. وكان ذلك في زمن مبكر جدا.. وبعد التحاقي بالعمل الصحفي بقليل!.. وقلت: هذا هو غاية المراد من رب العباد.. وكتبت.. وكتبت.. وسافرت.. وزرت الدنيا شرقا وغربا.. وشمالا وجنوبا.. وما كنت أقرأ عنه في كتاب بلا حروف تحقق.. هذا الكتاب هو كتاب الخطوط.. هذا الكتاب هو أطلس الجغرافيا.. التي تعلمتها وقرأت عن هذه البلدان.. وكل هذه البلدان في الاطلس الكبير زرناها!.. وفرحنا بزيارتها لاننا تعلمنا في الجامعة أن الثابت يحكم المتغير.. والثابت هو الجغرافيا.. والمتغير هو التاريخ.. إذن الجغرافيا تحكم التاريخ، فهذه البلاد التي كانت خطوطا في الاطلس.. أزورها.. وأعرف تاريخها من خلال موقعها في خريطة الدنيا!.. وفرحت بالعلم الكثير.. أو المعلومات الوفيرة.. وقل رب زدني علما!.. وزادني الله من فضله!.. وبدلا من أمشي علي طريق السالكين بالصدق.. اكتشفت انني أمضي نحو الكذب! عشت طوال عمري أباهي نفسي أمام نفسي.. بأنني أملك الدنيا لأنني من الزاهدين.. ولا أبحث عن مكان لي في الأرض.. فلا يعنيني المكان.. ولكن تهمني »المكانة«!!.. وهي عالية والحمد لله.. وما أنا فيه كثير.. كثير! وأحسد نفسي عليه! عشت طوال عمري أباهي نفسي أمام نفسي بأنني لم اسع يوما إلي شيء.. وما هو ذلك الشيء الذي أرفع قدرا من الكتابة وفي البدء كانت الكلمة! ثم انني قد جمعت المجد من أطرافه.. لماذا؟.. أقول لكم ما قاله الإمام الغزالي الذي قال: ان اشرف المهن أن تكون طبيبا.. أو كاتبا.. أو تسير خلف المحراث.. وتأكل رزقك مما تنبت الأرض بعد ضربها بالفأس والسير خلف المحراث!! .. الحمدلله.. فأنا كاتب.. وكان والدي يسير خلف المحراث.. لأنه فلاح بسيط في ريف محافظة الشرقية! وعشت طوال عمري.. كل همي هو البحث عن الكلمة الجميلة.. الكلمة الماسة التي لم تذهب أبدا إلي سوق النخاسة! ابحث عن الكلمة الوجدان.. الكلمة المشاعر.. الكلمة الأنيقة الشيك.. ذات الدلالة.. التي تنهض بمشاعر من يقرأها.. وتدل علي صاحبها!.. ولم أفكر في شيء سوي ذلك.. وهل بعد ذلك شيء! نعم فيه.. وأنا لا أدري.. أو كنت لا أدري حتي هذه اللحظة التي اكتشفت فيها أن كل ما أقوله كذب في كذب!.. لماذا.. أقول لكم: في إحدي السفريات المهمة.. كنت في الفندق الكبير ذي الخمسين نجمة.. حاجة كده آبهة.. وكنا وفد رؤساء تحرير الصحف المصرية.. وكنت مدعوا بوصفي كاتبا.. لانني مش رئيس تحرير.. ولا حاجة! ولكنني اكتشفت انني إنسان ناقص.. وعاوز أكون »رئيس أو مدير«.. أو رئيس مجلس إدارة.. أو مدير عام أو أي حاجة من تلك المراكز اياها التي كنت ادعي انني اكرهها! وضبطت نفسي متلبسا بأن هذا الشعور يحتويني ويحتلني.. ويجلس في قلب القلب!.. ويبدو انني شرير ولا أدري مثل ذلك المدير الذي عرفته يوما لا يوافق علي شيء.. وإذا وافق مضطرا.. فإنه يوقع بكلمة »لا مانع«!!.. إذن لابد من كلمة »لا« حتي لا يموت!! اكتشفت أن هناك رغبة دفينة في نفسي.. في الشعور واللاشعور تحاول ان تطل بكل كيانها لتغتال كياني! هذه الرغبة في الادارة.. التي ادعي انني اكرهها.. لأن المدير أي مدير لا يكتب سوي كلمات قليلة جدا في حياته.. كلمات تعد علي أصابع اليد.. لا تتغير.. وهو ليس من المبدعين.. وأنا الذي كتبت مئات الآلاف من الكلمات والصفحات.. فما هي الأملة في الكتابة مثل المدير.. أهو كده.. وخلاص!.. اطلت الرغبة من قلبي.. وطلعت في راسي!! لاحظت انني اثناء وجودي في الفندق.. عندما كنت أطلب الطلبات.. وتأتيني الفاتورة مع الجرسون لمجرد توقيعها.. لاحظت انني كنت اكتب قبل التوقيع: نظر.. يصرف.. يسافر.. ينشر.. أوافق.. لا مانع!.. اكتب هذه الكلمات ثم اضع توقيعي الشريف إسماعيل النقيب!