تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصرى اليوم تنشر رواية «بيت الدكر» للكاتب الصحفى محمود الكردوسى (10) العاجلة


موت وبعث
عادت كلثوم من تغريبتها إلى الربوة وبطنها منتفخ بثمرة حرام: طفل نكدى سماه سيدنا «عطية»، لكنها عاشت فى مقام الحلفاوى مكرمة معززة، وهناك تفجرت مأساتها عديداً يمزق القلوب، فاستحقت أن تكون «شلاية» القرية. وفى سراية بيت الدكر وضعت عسكرية مولودها الثانى «سنوسى»، أول ذكر شرعى لهمام الدكر. وبعد يومين من البحث عن عبدالواسع الغرابلى فوجئ أهل الشق بجثته معلقة فى قعر الكوبرى الخشب، الذى يربط السراية بالمندرة الكبيرة، وازداد ابنه البكرى «سمانى» توحشاً وكرهاً لبيت الدكر، ولأهل البلد بشكل عام. بينما عثر خلف تكفا على أمه ميتة فى مكانها بعد وجبة «وز ميت» دسمة. وكانت الفاجعة موت العمدة عبدالجواد الدكر متأثراً بموت صديقه النصرانى «بخواجى وديع باسيليوس» من ناحية.. وموت حزب الوفد من ناحية أخرى.
[1]
■ ■ كل أيام تدى أحكامها يا كبيرة!
تحول عبد الجواد الدكر بين عشية وضحاها إلى طيف من زمن جميل. وباع بنيامين الوفد لينضم إلى «كتلة» مكرم باشا عبيد. ثم ضاع الوفد وضاعت الكتلة وألغت الثورة كل الأحزاب. وبموجب قوانين الإصلاح ركب خلف تكفا وحسنين عبد الحق ومخيمر الغرابلى ومهران الدابى وغيرهم من الهوام أجزاء من أرض بيت الدكر وبيت أبو الخير، بعد أن كانوا يحلمون بالعمل فيها أجراء. أما همام فقد واصل رسالة العمدة فى بارات القاهرة وملاهيها، بينما عسكرية تختبر متانة القفطان فى عباءة شيخ البلد. لكن سيدنا لم يشعر بالقلق إلا باندلاع الحرب على عرش «الكبيرة» بين عسكرية، وعمتها ناعسة.
فى الجولة الأولى استغلت عسكرية انشغال السراية والبلد كلها بالأزمة الصحية التى عصفت بالعمدة، وسجلت مولودها الرابع باسم «باسل» وليس «عبد الجواد» كما كان يتمنى. ومع أن همام لم يتوقف طويلاً أمام هذه المسألة فإن ناعسة قدرت أن ما فعلته سيكون بداية لمشاكل أخرى كثيرة:
■ ■ قالتها نواعم العبدة وما صدقتهاش.. ولادة وهتاكل لجامها.
وفى الجولة الثانية لبدت عسكرية فى أذن همام كالقرادة، وبدأت تزن عليه، لكى يأخذ دكة العمدة، إذ أدركت- بحكم انتمائها إلى واحدة من أعرق عائلات أسيوط وأكثرها نفاذاً- أن هذه الدكة الصغيرة جزء من شرعيته كشيخ بلد، وهى شرعية متوارثة أباً عن جد. انتفضت ناعسة وهددت بترك السراية إذا أقدم همام على هذه الحماقة. لكن عسكرية أصرت على موقفها، واتهمتها بأنها تتآمر على ابنها ليفوز ابن أخيها، سعد الناحل، بمشيخة البلد.
عندئذٍ تدخل سيدنا واقترح أن يتم تفصيل دكة لهمام تشبه دكة العمدة بالضبط، شريطة أن توضع أمام البوابة الرئيسية للسراية وليس فى المندرة. وكان عزاء عسكرية أن دكة همام تحولت بمرور الوقت إلى منصة لإدارة شؤون أهل البلد، ولم يعد مسموحاً لمسلم أو نصرانى أن يمر من أمامها وهو على ركوبة إلا إذا كان كهلاً لا يقدر على المشى أو عبيطاً لا يقرأ العواقب أو مريضاً ليس عليه حرج، حتى إذا لم يكن على الدكة سوى عصا همام ومنشته.
أدركت ناعسة بعد هاتين الجولتين أن أيامها ولت بشالفعل، وأن عليها أن تسلم الزمام وتنزوى فى غرفتها حفاظاً على هيبة بيت الدكر وتماسكهم، وبذلك أصبح همام يقف بمفرده أمام دهاء عسكرية وطموحها الجارف وإصرارها على إعادة ترتيب السرايا من الداخل.. ولم تكن الجولة الثالثة أقل سهولة من سابقتيها:
■ ■ مقطف الدمس المتلقح فى أوضة السايس.
ثم بابتسامة خبيثة وقد ركزت عينيها فى عينى همام:
■ ■ ولاّ انت نسيت موضوع ميسم!
كان فرعام قد أصيب بالشلل متأثراً بوفاة ابنته ميسم بعد ساعات من ولادة عبد الله، رغم أن العمدة كان سخياً وعادلاً، واعتبر «عبد الله» حفيداً شرعياً له كل حقوق ولد الولد. وزاد فى سخائه بأن طلب من نواعم العبدة أن تكسب فيه ثواباً وتشقر عليه بين آنٍ وآخر لتؤكله وتحممه وتُلَبِسه وتغير له فرشته، ولم يكن يضايق نواعم فى كل ذلك سوى قليطته البنية الداكنة، المستقرة بين فخذيه مثل بطيخة شيليان، فكانت تتأملها بطرف عينها وتلاحظ احتقانها وعروقها المتوترة، فتشفق عليه وتتمتم:
■ ■ أمال لو سليم وماشى على رجليك يا جاك المرار كنت مشيت كيه بالداهية دى! بركة إنك ما اتجوزتش تانى يا حزين!
وبموت الفرسة وانقطاع سلالتها، لم يعد هناك مبرر من وجهة نظر عسكرية لإقامة فرعام فى الإسطبل، خاصة بعد أن تقدم شيبة الحمد بعرض مغرٍ لشرائه:
■ ■ ارميه فى كهف النبقة واطلق فيها النار.. ولو صعبان عليك وديه بيت أبو الخير وهمه يتصرفوا.. احنا مش ناقصين عفانة.
ثم حكمت على همام أن يسافر بنفسه إلى أسيوط ليطلب من أبيها محمود السيوفى يد «قاعودة»، ابنة عبد البارى سائقه الخاص، لابن نواعم البكرى سعيد ألماظ، على أن تتفرغ نواعم لخدمة ستها ناعسة، وعندئذٍ قررت أن توسع نطاق الحرب، وأن تكون الضربة هذه المرة موجعة:
■ ■ إلا المقام يا عسكرية!
تعرف عسكرية أن شيبة الحمد يحلم ويخطط منذ وطئت قدماه أرض الربوة لتوطين المساليب فى داير الناحية، وتعرف أيضاً أنه عرض على عبد الجواد الدكر أكثر من مرة أن يشترى هذه الأرض بأى سعر، لكن عبد الجواد الدكر كان يرفض بشدة فى كل مرة، ويهدد بطرده هو وكل المساليب من البلد إذا لم يتوقف عن التفكير فى هذا الأمر. وعندما استقر أمر المشيخة لهمام جدد شيبة الحمد عرضه، وجدد همام رفض أبيه وإن بنبرة أخف. ولأنه رجل داهية وحويط، قرر إجهاض الحجة القديمة التى تقول إن أرض المقام وقف يخص كل أهل البلد، أقباطاً ومسلمين:
■ ■ والله عال!. همام الدكر عامل للنصارى حساب!
فى الوقت نفسه كان شيبة الحمد قد أصبح قريباً جداً من الحرب الدائرة فى السراية، وأدرك أن همام خاتم فى إصبع عسكرية، لذا ألقى على عاتقها مهمة إقناعه. وكانت عسكرية تقول باستمرار إن صراع بيت الدكر ليس مع النصارى، بل مع الغرابلية، وحاولت كثيراً إقناع ناعسة بأن الغرابلية لا يخفون حقدهم وكرههم لبيت الدكر، ومن ثم فالتحالف مع المساليب سيكسر شوكتهم ويضمن لهمام ألا يكون بمفرده بعد ذلك. فى حين تصر ناعسة على أن الاقتراب من داير الناحية.. سيشعل الفتنة بين المسلمين والنصارى. وبين حسابات الزوجة ومخاوف الأم وقف همام حائراً. وكانت عسكرية تعرف متى تضرب.. وكيف يكون ضربها موجعاً.
خلعت الحلق البنادقى من أذنيها ولفت ذراعيها وراء رقبتها لتفك الكردان، فتدلى كُمَا روب الشيفون إلى كتفيها، فكشفا عن زندين أبيضين عفيين.
استدارت وهى لا تزال على مقعد التسريحة فأصبحت فى مواجهة السرير:
■ ■ انت تبيع وتحط النصارى قدام الأمر الواقع.. وافقوا: يبقى يا دار ما دخلك شر.. رفضوا: قدامهم المحكمة.. ومُوت يا حمار.
فردت طولها وسلخت الروب الأسود عن جسدها واستدارت، فخيل لهمام أنه يراها لأول مرة: كأنها لم تحبل ولم تلد أربع بطون. ارتفع الصدر واتسع الخصر بضعة سنتيمترات، لكنها لا تزال مغرية، وتستحق مكافأة. مال عليها همام وطبق فى جسمها مثل غيمةٍ فلم تقاوم. وعندما أحست أنه دخل عالمها السحرى.. انقضت عليه:
■ ■ اطلع إنت م الموضوع وخلى عقد البيع باسمى.
وقبل أن يجف حبر العقد كان سيدنا قد سرب الخبر إلى أديب أبو الخير، فاتصل على الفور بشقيقه بنيامين الذى حضر من أسيوط قبل شروق شمس اليوم التالى. وقبل أن يذهب إلى سراية بيت أبو الخير مر على مندرة بيت الدكر وسأل عن همام فلم يجده، فأرسل إليه العبد سعيد ألماظ وجلس ينتظر، لكن سعيد ذهب ولم يعد، فلعب الفأر فى عبه وأحس أن همام يتهرب منه، فاستشاط غضباً، لكنه تمالك أعصابه، ورفض اتخاذ أى إجراء قانونى ضد همام قبل استطلاع رأى ناعسة.
لم تكن المفاجأة بالنسبة لبنيامين أن ناعسة أصبحت هى وعبدتها نواعم منفيتين تقريباً فى إحدى غرف السراية، بل فى كون عسكرية هى التى حرضت همام على ارتكاب هذه الحماقة. وبما أن همام يدرك خطورة التصرف فى وقف المقام دون الرجوع إليه فإن ما فعله يشبه إعلان حرب.. وما دام يريد حرباً فليأخذها.
[2]
■ ■ أخوكى باين عليه اتهوس!
كلما ابتعد سمانى عن حلم السفر إلى الإسكندرية ازداد تشبثاً بعدائه لبيت الدكر. وكلما مال عليه أحد ليذكره باستحالة أن يكون الغرابلية نداً لبيت الدكر، سواء فى الصيت أو الغنى، ازداد اقتناعاً بضرورة رفع البيت طابقاً آخر أو طابقين لو أمكن:
■ ■ شحات وعايز فينو!
بيت إيه اللى عايز يعليه! قال خلف تكفا موجهاً كلامه إلى زوجته هضبة وهى تضع شُقتها فى سحارة الهدوم، وكانت عائدة لتوها من زيارة إلى بيت أبيها، حيث شقرت على أمها واطمأنت على حانز، وفى غضون ذلك قتلت فأراً كان قد سقط فى صومعة الدقيق منذ أيام، وفشلت كل محاولاته فى الخروج: لفت هضبة يدها بخرقة، ثم دست ذراعها فى الصومعة، فاستسلم الفأر وتركها تقبض عليه معتقداً أنه عثر أخيراً على طوق نجاة.
لكن هضبة سحبت يدها بالغنيمة وركزت بضع ثوانٍ قبل أن تضربه بكل عزمها فى عرض الحائط لينزل صرة ملح. وعندما تأكد لحانز أنه شبع موتاً رفعته من ذيله، وتفحصت أنفه المدبب وأذنيه اللتين تشبهان ورقتى نعناع صغيرتين، ثم حملته إلى خارج البيت وألقته على الجسر وهى قرفانة.
كثيراً ما طلب خلف من سمانى أن يتريث فى مسألة استكمال بناء البيت، ودائماً كان سمانى يعاند ويتشبث أكثر بموقفه، حتى وقعت الفأس فى الرأس، وفوجئ الجميع بأنه اشترى مواد البناء بالفعل واتفق مع محمد أبو سالم، أشهر وأشطر بناء فى البلد، على كل شىء.
لم تعلق هضبة على اتهام خلف لسمانى بأنه اتهوس على الرغم من أنها لا تتحمل فيه أو فى مخيمر شكة الشوكة، لأن خلف بصراحة كان محقاً هذه المرة: إن كان عليها فهى أيضاً وريثة شرعية لعبد الواسع، ولها فى رقبتى سمانى ومخيمر عرق، ومن حقها أن تزعل، لأن سمانى يسعى إلى بناء بيت مبنى بالفعل ولا ينقصه شىء، بينما تقيم هى وزوجها وأولادها فى سباتة بوص وراء الببور وينامون وسط الغنم والمعيز والدجاج والحمام، وليتهم يشعرون بالأمان. فبعد كل فيضان يضطر خلف لتجديد السباتة، إما لأن جذور البوص باشت، أو لأن جحافل الحمير والماعز نحتت أطرافه أولاً بأول، أو لكليهما معاً.
ومخيمر!. مخيمر الذى ضحك عليه العمدة وهو صغير ونصحه بجنى البلح بكلتا يديه فسقط من على النخلة وانكسر حوضه. مخيمر الذى كانت تأكل عشاءه قطة، وعندما يتدلى مخاطه على شفته العليا يلعقه بلسانه. مخيمر هذا هو الذى يدير حصتهم فى ببور الطحين ويباشر الأرض ويلوقها ويزرعها ويلم محصولها بنفسه، ويفرمه نورج ويشقه محراث بقر قبل أن يفرط فى سهم واحد من هذه الأرض أو يسمح لبنى آدم أن يخدش حياءها ب»طورية شك».
مخيمر هو الذى يصرف على البيت ويتبن للجاموسة ويسقيها ويحممها ويبيع سمنها وجبنها وزبدتها.. مخيمر هذا لا يعنيه أصلاً أين ينام ولا ماذا يأكل أو يلبس: قدمان حافيتان، وذقن غير حليقة على الدوام، ووجه لا يدركه الماء بالشهر، وجلباب مزيت على اللحم فى عز طوبة:
■ ■ صحيح.. اللى خلف ما ماتش!.
أما فاخرة فكانت ترى فى استكمال بناء البيت سفهاً لا يليق بورثة رجل مات مغدوراً، وبمثل هذه الطريقة البشعة. ثم أنهم مهما بنوا وعلوا ستظل قامة بيت الدكر أعلى. ولو كان سمانى ابنها بحق لسمع نصيحتها واهتم بالبحث عن بنت حلال من توبه.
قالتها فاخرة كثيراً حتى تدلدل لسانها وبح صوتها: هى تحتاج فى الحقيقة إلى زوجة ابن تخدمها وتسهر على راحتها، وليس إلى بيت من طابقين ذى بوابة حديدية ومجاز مسفلت يحرسه كلب مربوط فى رجل دكة وثيرة، وشرفة مقوسة فوق الواجهة، وتراس فى الخلف يطل على الزرع، ونوافذ مدهونة بأخضر غامق وبنى محروق:
■ ■ الله يرحمك يا عبد الواسع.. اللى دبرته النملة خده الجمل فى خفه!
كانت فاخرة وهضبة تدركان أن رأيهما لن يقدم أو يؤخر، فاستسلمتا من البداية لرغبة سمانى، بينما رفض مخيمر أن يهدر مليماً أحمر من نصيبه أو نصيب أمه وأخته فى هذا الكلام الفاضى. وإذا أراد سمانى أن يرفع البيت طابقاً أو حتى عشرة طوابق فليكن من حر ماله.. ولم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق.
ذهب سمانى إلى حسنين عبد الحق ليستلف منه، فتقلص وكش كأن أحداً وضع سكيناً بارداً على قفاه، ونصحه بأن يسمع كلام أمه ويبحث عن بنت يتزوجها بدلاً من أن يقضى بقية عمره مثل دكر الدوم. وذهب إلى خلف ليطلب منه مبلغاً، على أن يسدده من نصيبه فى إيراد الببور، فانتفضت هضبة وأعطته دشاً بارداً، لأن الأصول أن يعطيها، لا أن يأخذ منها، ولو على سبيل السلف. مال على الأسطى بخواجى فقال له إن السلف تلف ورده خسارة:
■ ■ والعمل يا سيدنا؟
فكر سيدنا قليلاً ثم قال متخابثاً:
■ ■ إذا كان ولا بد.. يبقى مفيش غير شيبة الحمد.
يعرف سيدنا أن شيبة الحمد تربطه ببيت الدكر صداقة قوية من أيام العمدة، وأن همام وعسكرية سيرحبان بتوريط سمانى وإغراقه بالديون. وبالفعل طلبت عسكرية من شيبة الحمد أن يكون سخياً معه إلى أقصى حد:
■ ■ خليه يبيع اللى وراه واللى قدامه.
فتح شيبة الحمد لسمانى صفحة مستقلة فى دفتر الشكك وشقها خانتين: صادر ووارد، وكان حريصاً على دعم خانة الصادر بكل التفاصيل التى من شأنها إغلاق الباب أمام اللبط والمراوغة واتساع الذمة:
تلاثة جنيهات لشراء عشرة آلاف قالب طوب من قمينة حسنين عبد الحق.. «بأمارة ما الكلب عض محمد أبو سالم فى بطيخة رجله اليمين وهو موطى عشان يقيس عرض الميدة».
سبعة عشر قرشاً بيد هضبة أختك أجرة عربية الرملة.. «بأمارة ما كان مخيمر قاعد ع الدكة عريان عشان حاطط خلقاته يتحمصوا على بلاط الفرن من البراغيت». خمسة جنيهات وثمانية وسبعون قرشاً بيد خلف تكفا تمن بوابة حديد.. «بأمارة المحرات ها ياكل طين».
للوهلة الأولى.. سيطر على سمانى شعور بالقلق سرعان ما تجاوزه، وأحس بالقرف من أهل الشق لأنهم خذلوه، ولم يقفوا إلى جواره فى بناء البيت. وعندما جاءت لحظة الحساب، وبدأ شيبة الحمد يلح فى استعادة فلوسه، قرر سمانى أن يفاتح مخيمر فى مسألة تقسيم الورث فلم يعترض، لكنه اشترط ألا يتم ذلك إلا بعد موافقة بقية الورثة، وهما فاخرة وهضبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.