■ دعوت فى السابق إلى تأسيس حركة المؤرخين الجدد، وهنا أواصل.. لم تكن حرب 1967 حدثاً تاريخياً فاصلاً، كما لم تكن نصراً أسطورياً على النحو الذى ارتآه الفكر الإسرائيلى وارتضاه الفكر العربى، بل إن النتيجة النهائية للحرب، وهى احتلال سيناء حتى قناة السويس، ليست بالنتيجة التى كانت تستدعى كل هذا الانهيار النفسى فى بلادنا، لقد بدا الأمر وكأننا أمة لا تعرف ما يكفى عن الجغرافيا أو التاريخ. ذلك لأن الحروب بطبيعتها هى هزائم وانتصارات وتعادلات.. وأن الأمم العظيمة والدول الماجدة هى تلك التى تحسن إدارة الانكسار بمثل ما تحسن إدارة الانتصار. قبل عشرين عاماً من حرب 1967، كانت الحرب العالمية الثانية قد وضعت أوزارها قبل قليل، وكان من وقائع هذه الحرب ما يزيد عشرات المرات على ما جرى فى 1967.. إن امبراطورية استعمارية راسخة مثل فرنسا جرى اكتساحها فى أيام، واحتلت ألمانيا قلب فرنسا فى باريس بأسهل مما احتلت إسرائيل أطراف مصر فى سيناء، بل لقد وجدت ألمانيا فى فرنسا حاكماً عميلاً، وحكومة عميلة، ونظاماً سياسياً كاملاً سقط خائناً تحت أقدام الاحتلال، أما إسرائيل فقد وجدت فى سيناء مقاومة عظيمة ووجدت فى جيشنا، الذى أخطأ قادته فى السياسة والإدارة، بطولات مذهلة وثباتاً مستحيلاً. ثم إن هذا الجيش الذى اضطرته أخطاء الساسة إلى الانسحاب لم يأخذ ساعة واحدة للارتياح حتى بدأ حرب الاستنزاف المجيدة بعد أيام من الهزيمة. إن دولة مثل بولندا اكتسحها الجيش الألمانى فى يوم واحد، وإمبراطورية عملاقة مثل الاتحاد السوفيتى غزاها الألمان وتمكنوا منها زمناً مهماً حتى ولوا الأدبار، ثم إن دولا مثل كوريا والصين دخلها الجيش اليابانى كاسحاً الأرض وماسحاً ما فوقها ليسقط الملايين دون مقاومة مشرفة. إن إمبراطورية ثالثة مثل بريطانيا كانت على وشك الهزيمة.. واختفت معالم لندن تحت قنابل هتلر.. ولولا دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية لخرجت بريطانيا وفرنسا من التاريخ! فى كل الحروب الحديثة كانت الدول تنهار والعواصم تتساقط والعملاء يصعدون.. وتأخذ الأوطان قروناً أو عقوداً حتى تنهض من جديد. وفى حرب 1967.. لم تتفكك الدولة ولم تسقط العاصمة ولم يحكم الاحتلال، بل جرى احتلال جزء ثمين من أرض الوطن.. لم يمر على احتلاله أسبوع واحد حتى بدأت حرب التحرير من الاستنزاف وحتى أكتوبر. لم تكن مصر فى أى من الحروب الثلاث 1967 والاستنزاف و1973 تحارب إسرائيل وحدها.. بل كانت تحارب الطائرات الأمريكية والدبابات الأمريكية والذخائر الأمريكية والأقمار الأمريكية والكوادر السياسية والعسكرية الأمريكية. كان فى أمريكا من يقف ضد جنوح إسرائيل، ومن يجد الغيرة الوطنية من صعود اللوبى الصهيونى فى واشنطن، ومن يخشى انفلات المنطقة والعالم.. لكن كان هناك من يرى فى إسرائيل امتداداً للتراب الأمريكى. ■ لم تكن مصر تحارب إسرائيل وحدها.. بل كانت تحارب إسرائيل ونصف الولاياتالمتحدة.. معاً. «إلى الإثنين المقبل». [email protected]