وسط تضارب التصريحات بين الدكتور محمد البرادعى، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، حول وجود كوادر مصرية مؤهلة قادرة على إنشاء وتشغيل محطة نووية من عدمه، قرر الدكتور محمد عبدالرحمن سلامة، الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووى والرقابة الإشعاعية، الخروج عن صمته، والذى استمر لثمانى سنوات، منذ تركه منصبه فى يونيو سنة 2001، اكتفى خلالها بالتعليق المقتضب على بعض الأمور من وقت لآخر. سلامة أحد علماء مصر النوويين منذ الستينيات، اختاره المركز التأريخى الدولى فى كمبريدج ببريطانيا ليكون رجل عام 2000 – 2001، ولكنه يشعر كغيره من العلماء، الذين طالما جهزوا أنفسهم للعمل فى برنامج مصر النووى السلمى، بخيبة أمل وحالة من الإحباط، خاصة منذ تأجيل إطلاق البرنامج النووى المصرى فى أعقاب حادث «تشيرنوبل» سنة 1986، ويرى أن الأمريكيين خدعوا مصر عندما طلبوا منها التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية «NBT»، ويبدى تخوفه من أننا لن نتمكن من بناء محطة نووية قبل 10 سنوات، قد لا نجد حينها كوادر مصرية تشارك فى تصميمها وإنشائها وتشغيلها. وإلى تفاصيل الحوار... ■ هناك تضارب فى التصريحات بين الدكتور محمد البرادعى، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء.. هل لدينا كوادر لمتابعة تنفيذ وتشغيل المحطة النووية حال إنشائها؟ - لدينا كوادر، وكانت لدينا كوادر جيدة جدا منذ الستينيات وأخذوا خبرة كبيرة، من خلال بعثات ودورات تدريبية وتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعديد من دول العالم فى المجال النووى، ولكن ما حدث هو أنه بعد حادث المفاعل النووى فى «تشيرنوبل»، فى 26 أبريل سنة 1986، حدث إجهاض نفسى ومعنوى، مع القرار السياسى بتأجيل المشروع النووى المصرى، والذى كان بمثابة ضربة للعلماء الموجودين وقتها ولآمالهم، ولكل من كان يبنى ويعد نفسه لهذا البرنامج، وبدأت جهات خارجية تستقطب هذه الخبرات والكوادر المصرية، منهم من عمل خبيرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهاجر آخرون إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا وألمانيا، وتولوا مناصب مهمة وعملوا مشرفين على محطات نووية هناك، وبدأ عدد العلماء النوويين المصريين الموجودين فى الداخل يتقلص، وهاجرت نسبة كبيرة كانت ستعتمد عليهم مصر فى برنامجها النووى، نتيجة فقد الأمل فى أن البرنامج سيتم. ■ ما الذى يتوجب على الحكومة فعله فى الوقت الحالى فى ظل غياب الكوادر النووية؟ - حاليًا.. وبعد إحياء الرئيس مبارك للبرنامج النووى لن نجد للأسف أحدًا من أبناء جيل الستينيات، والذين تلقوا تدريبا فى دول متنوعة فى ألمانيا وأمريكا وكندا، وهذه الدول فتحت لنا معاملها ومفاعلاتها، وأنا كنت واحدًا منهم، كما أن إنشاء هذه المحطة سيستغرق 10 سنوات، إذا بدأنا من اليوم، وحتى دخولها شبكة الطاقة، وسنفقد جيلاً نوويًا آخر، ويجب البدء من الآن فى تدريب وتجهيز وإعداد جيل وكوادر جديدة على أعلى مستوى، وبأقصى سرعة، لمتابعة مراحل إنشاء المحطة وعملها، لأن علماء جيل الستينيات إما هاجروا وإما ماتوا وإما بانتظار الموت وهى سُنة الحياة، ويمكن لمن تبقى من علمائنا المساهمة فى تدريب وإعداد الكوادر الجديدة، ليشاركوا فى تصميم المحطة والإنشاء والتشغيل، وإعداد ومتابعة برامج الجودة. ■ هل يمكن أن تتجنب الشركة الأسترالية «استشارى المشروع» موقع الضبعة وتطالب باختيار موقع آخر بديلاً له لإنشاء المحطة النووية؟ - قبل عام 1986 كنا قد اخترنا موقع الضبعة لإنشاء محطة نووية، وهو موقع قلما يجود الزمان بمثله، وأُجريت عليه دراسات مكثفة ضمن عدة مواقع وتكلفت الدراسات نحو 500 مليون جنيه، وانتهت الدراسات إلى أنه أفضل من المواقع الأخرى، ومعظمها على البحر الأحمر، من الناحية البيئية، كما أنه أقل تأثرا بمخاطر الزلازل، وما زال الموقع تحت سيطرة هيئة المحطات النووية، وتم تخصيصه لبناء المحطة بقرار جمهورى، ولكن بسبب التراخى الكبير فى البرنامج النووى منذ عام 1986 وحتى الآن، ظهرت أطماع مجموعة من المستثمرين لوضع أيديهم على أرض الموقع واستغلالها استثماريا، و«الاستشارى» سيدرس هذا الموقع ضمن المواقع التى سيتم دراستها لتحديد إمكانية استغلاله فى بناء المحطة أو غيره من المواقع. ■ تمت المفاضلة بين موقع الضبعة و10 مواقع أخرى ما الذى حسم الأمور سابقا فى صالح «الضبعة»؟ - كانت هناك مفاضلة بين موقع الضبعة ومواقع أخرى على البحر الأحمر، إلا أن منطقة البحر الأحمر نشطة زلزاليا، ولكن يجب أن تكون المحطة النووية قريبة من مصدر للمياه، لتبريد قلب المفاعل، على الرغم من أن اليابان مثلا نشطة زلزاليا وبها محطات عديدة، إلا أنه عند بناء المحطات تزيد تكلفة إنشائها عند الأخذ فى الاعتبار مسألة النشاط الزلزالى ونسميها «درجة الأمان الزلزالى للمحطة»، ونأخذ فى الاعتبار كودًا معينًا عند بناء المحطة من شأنه زيادة تكلفة الإنشاء، فكل درجة زلزال زائدة تزيد تكلفة إنشاء المحطة، وبالتالى عندما وقع الاختيار على موقع الضبعة تجنبنا عامل التكلفة والنشاط الزلزالى، واعتمدنا على عامل التربة المناسبة واتجاه الرياح والمياه الجوفية فى المنطقة، كما أنه مؤمن بشكل جيد وبعيد عن خطوط المواجهة. ■ لماذا فى رأيك تمت الاستعانة بشركة بارسونز الأسترالية ولم تعتمد الدولة على الكوادر المحلية؟ - أعتقد أن الدولة لجأت لهذه الخطوة عندما وجدت عددًا كبيرًا من الخبراء، هجروا أماكنهم وعملوا فى أماكن أخرى، وللعلم لدينا كوادر تستطيع الدولة الاستعانة بهم، وسبق أن عملوا فى البرنامج النووى، وهذه الكوادر سبق أن أجرت دراسات على موقع الضبعة، ويبدو أن هناك نوعًا من التخوف السياسى بأن يكون هناك اطمئنان لموقع أو مواقع أخرى، وبالتالى لجأوا إلى خبير جديد أو جهة أجنبية لاختيار موقع المحطة، وكان هناك مصريون يعملون مع الخبراء الأجانب فى المرة الأولى لاختيار الموقع وتمرسوا وتدربوا على أيديهم ثم هاجروا، ويبقى السؤال هل ستختار الشركة الأسترالية موقع الضبعة أم موقعًا آخر؟، لا أحد يعلم، وما سيقال من هذه الشركة سيؤخذ به، سواء اختاروا موقع الضبعة أو نصحوا باختيار موقع آخر، وأخشى فى هذه الحالة أن تكون أرض موقع الضبعة مطمعًا للمستثمرين، وبعد الاستقرار على موقع إنشاء المحطة سندخل فى مناقصة أخرى لإنشاء المحطة وفقا لعرض عالمى، وستختار الحكومة أنسب العروض فنيا وماديا، وتحديد الشروط والضمانات المناسبة، وإمكانيات التدريب التى ستتيحها هذه الجهات، ومدة تسليم المحطة. ■ إذا طلبت «بارسونز» توفير موقع آخر بديل عن «الضبعة» لإقامة المحطة النووية أين سيكون فى رأيك؟ - ممكن يكون موقعًا آخر على الساحل الشمالى أو مواقع أخرى على ساحل البحر الأحمر، على أساس أنه كان هناك برنامج تنفيذى طموح منذ بداية التفكير فى المشروع النووى، وكانت هناك آمال لإنشاء 8 محطات نووية واحدة تلو الأخرى، وكان لموقع الضبعة أولوية لإنشاء عدد من هذه المحطات فوقه. ■ ما تعليقك على المزاعم الأخيرة الواردة فى تقرير وكالة الطاقة الذرية حول وجود آثار يورانيوم مخصب فى مصر؟ - هذه ليست المرة الأولى، وكلما تطالب مصر بنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة، ودخول إسرائيل فى إطار التفتيش الدولى على أسلحتها، تبدأ إسرائيل فى افتعال المشاكل، ويجب أن نعلم أن مصر من أولى الدول الموقعة على اتفاقية «NBT» ثم اتفاقية الضمانات، ولو كنا نمتلك أسلحة مثل إسرائيل لكانت الخريطة السياسية للمنطقة تغيرت، ولكن هناك تهديدًا وتخويفًا وعربدة نووية إسرائيلية فى المنطقة تتنافى مع المبادئ والقواعد الدولية، والحقيقة أن مصر لاتمتلك أسلحة نووية، وهو أمر معروف، وإذا كنا نعلم الكيفية والنظرية فإننا ليس لدينا كيفية التنفيذ ولا التكنولوجيا ولا المعدات، والوكالة أصدرت تقريرها بعد إجرائها تحقيقًا حول «كونتينر» جاء من الخارج عليه آثار تلوث باليورانيوم المخصب، وهو ما التقطته إسرائيل وهيجت الدنيا حوله.. وكلها افتعالات سياسية، من خلال اللوبى اليهودى الموجود فى كل مكان، ولا أستبعد أن يكون التلويث تم متعمدا لممارسة ضغوط وصرف الرأى العام العالمى عن مسألة نزع السلاح النووى من المنطقة، وفى كل الأحوال الوكالة لن تجامل مصر، وهناك تفتيش مستمر من الوكالة سواء معلن أو غير معلنًا، وهم يفحصون الوقود المستخدم فى المفاعلين الموجودين، ويحسبونه بدقة، الكمية التى تم استخدامها، والناتج عنها، والتحقق من خط سيرها، وأماكن تواجدها. ■ عندما تنظر حولنا فى المنطقة وترى ما وصلت إليه إسرائيل وإيران والهند وباكستان فى برامجها النووية وما وصلنا نحن إليه ماذا تشعر؟ - كل بلد له سياسته، والإيرانيون بدأوا برنامجهم، أما نحن فوقعنا فريسة لخدعة أمريكية عندما حفزونا على توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية «NBT»، على أساس أننا سنحصل على مساعدات وتكنولوجيا نووية متقدمة، وأعتبرها خدعة، ووقف الأمريكيون ضد مشروعنا أكثر من مرة وساندوا إسرائيل لتكون القوة النووية الوحيدة فى المنطقة، فى حين بدأت الهند بعد مصر، وكان ممكن نكون فى نفس المكانة الآن، ولكننا افترضنا حسن النية «أزيد من اللازم»، وكنا مسالمين، وكبلنا أنفسنا بعدد من الاتفاقيات، أما إيران فكانت تتحرك بطرق مرنة رغم توقيعها على الاتفاقية، وساعدتها كوريا والصين والاتحاد السوفيتى السابق، وحصلت على التكنولوجيا وبنت كوادرها من سنوات طويلة وأصبح لديها كيفية التنفيذ، إضافة إلى أموال البترول، كما شجعتها أمريكا فى وقت من الأوقات، أثناء حربها مع العراق، واستخدمت أمريكا إيران كمخلب قط ضد العراق، ثم انقلبت عليها.