من يقرأ ردود الفعل العربية إزاء ما جاء فى خطاب أوباما عن المحرقة يجد دليلا إضافيا على أنه قد آن أوان المراجعة الجدية لموقفنا من تلك القضية. فخطابنا بخصوص المحرقة لا يخدم سوى إسرائيل ويمثل إصرارا على الاهتمام بالجانب الغلط فى الموضوع. فنحن العرب لم نشترك فى جريمة الهولوكست ولكننا عانينا من استغلالها لتبرير جرائم أخرى ترتكبها إسرائيل كل يوم. ومن هنا فإذا كانت جرائم إسرائيل الحالية بالغة الوضوح، هل يكون من مصلحتنا أن نسلط كل الأضواء عليها ونحشد الأصوات حول العالم لفضحها أم يكون من مصلحتنا أن نضع ذلك جانبا وننشغل بالتشكيك فيما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت فى حق اليهود منذ سبعين عاما؟ بعبارة أخرى، مشكلتنا نحن العرب ليست مع الهولوكست وإنما مع ما سماه الأكاديمى اليهودى الأمريكى نورمان فنكلستاين «صناعة الهولوكست» أى تلك الآلة الصهيونية العالمية التى تستغل ما حدث لليهود لتحويل إسرائيل لضحية وابتزاز العالم للحصول على أعلى مكاسب سياسية ومادية لإسرائيل. لكل ذلك، لا أفهم فى الواقع ذلك الإصرار حتى من كبار كتابنا على الجدل حول أعداد من قتلوا فى الهولوكست! فإذا كانت الجرائم التى ترتكبها إسرائيل يوميا ضد الإنسانية هى جوهر قضيتنا، فإنه يتحتم علينا أن نقف بقوة ضد كل الجرائم التى ترتكب ضد الإنسانية. والجريمة تظل جريمة سواء كان الذين قتلوا فيها 6 ملايين أو 6 آلاف أو حتى ستمائة. بالعربى الفصيح فإن الاستغراق فى الحديث عن المحرقة والجدل حول عدد ضحاياها أفضل هدية «لصناع الهولوكست» لأنه وسيلة رائعة لتغيير الموضوع بعيداً عن جرائم إسرائيل فى المضارع ومفتاح لإعادة إنتاج إسرائيل فى دور الضحية. أكثر من ذلك، لأننا مستغرقون تماما فى الهجوم على الهولوكست لا على صناعته، فإننا انصرفنا عن القضية الرئيسية أى التركيز على جرائم إسرائيل والتفكير فى خلق شبكة عالمية لفضحها ودعم كل من يسهم فى ذلك. ففى الوقت الذى انشغلنا فيه بعدد اليهود الذين ماتوا فى المحرقة، فإننا لا نولى أى اهتمام لأصحاب الضمائر الذين يتعرضون للتشهير والعقاب حول العالم خصوصا فى أمريكا لأنهم ينتقدون سياسة إسرائيل. فهل اهتم أحد منا مثلا بالأكاديمى الأمريكى وليام روبنسون الذى يتعرض هذه الأيام لفقد وظيفته بجامعة كاليفورنيا لأنه انتقد سياسة إسرائيل واعتبر أن جرائمها فى غزة تشبه معسكرات النازى فى وارسو؟ وروبنسون قصته بدأت فى يناير حين ضم للقراءات المطلوبة فى مادة يدرسها ما يفيد انتقاد سياسة إسرائيل. وما هى إلا أسابيع حتى كانت هناك حملة منظمة شنتها منظمات صهيونية عدة نجحت فى الضغط على الجامعة التى فتحت تحقيقا مع الرجل. وروبنسون ليس أول ولا آخر أكاديمى أمريكى يتعرض لتلك الحملات التى أدت لطرد الكثيرين من مواقعهم أو عقابهم والتشهير بهم. فهناك منظمات صهيونية تلاحق الأكاديميين الذين تسول لهم أنفسهم انتقاد إسرائيل علنا بل تشجع الطلاب على التجسس على أساتذتهم داخل قاعات الدرس. وجريمة روبنسون وغيره هى أنهم سموا جرائم إسرائيل بأسمائها. ومن هنا يصبح السؤال، أيهما أولى باهتمامنا: أن نركز على جرائم إسرائيل الحالية ونفكر فى سبل دعم كل من يفضحها أم نستغرق بلا نهاية فى جدل حول جريمة لم نرتكبها فنسهم بأنفسنا فى صناعة الهولوكست التى لا تخدم سوى إسرائيل؟ أيهما يحقق مصلحتنا، أن يتحدث العالم عن عدد اليهود الذين قتلوا فى المحرقة أم عن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا فى غزة؟