لست أدرى لماذا يدخل الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد نفسه فى دوامة الخلاف حول محرقة الهولوكست التى حرق فيها النازى عدة آلاف من اليهود واليساريين المعادين لأدولف هتلر ونظامه العنصرى وينفى وجودها... وقد أتاحت لى الظروف فرصة زيارتها فى رحلة دعيت فيها إلى ألمانياالشرقية.. ويعطى بذلك فرصة لرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نيتنياهو للهجوم عليه فى خطابه أمام الأممالمتحدة يوم 24 سبتمبر 2009 محاولا تبرئة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من جرائم العدوان والتدمير والاستيطان فى القدس والضفة الغربية التى ارتكبتها ومازالت ترتكبها فى محاولة لتهويد القدس وحرمان شعب فلسطين من حقه المشروع فى تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. أثارنى خطاب نيتنياهو رئيس دولة إسرائيل الذى قدم وثائق تثبت حقيقة وقوع محرقة الهولوكست وكأنها سند لحكام إسرائيل الذين يعتمدون على تطرف أفكار الصهيونية التوسعية.. رغم أن جميع الشرفاء قد أدانوا المحرقة النازية، وأدانوا أيضا جرائم الحكومات الإسرائيلية. وإقحام الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد لدولته فى هذا الخلاف يبدو غريبا ومفتعلا لأن إيران ليست هى الدولة الوحيدة المفوضة لمواجهة إسرائيل من جهة ومن جهة أخرى فهى لم تدخل فى حرب مباشرة مع إسرائيل مثل الدول العربية المجاورة التى ضحت بمئات الألوف من أبنائها خلال حروب تكررت عدة مرات خلال العقود الأخيرة... وهو أمر يرتد سلبا على النظام الإيرانى الذى يدافع عن حقه المشروع فى تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية.. هذا إلى جانب حق دول المنطقة فى أن تتخلص من الأسلحة النووية التى تنفرد إسرائيل بوجود مئات من القنابل الذرية فيها فى مفاعل ديمونة والتى يجب أن تخضع للضمانات الدولية... كما أن ظهور توجه دولى جديد فى عهد الرئيس الأمريكى باراك أوباما لوضع اليورانيوم تحت إشراف دولى يحول دون انتشار الأسلحة النووية. والمثير أن النظام الإيرانى فى عهد الرئيس محمد خاتمى لم يلجأ لمثل هذا الأسلوب الذى لجأ إليه محمود أحمدى نجاد والذى أنكر فيه المحرقة النازية (الهولوكست) وطالب فيه بزوال دولة إسرائيل... رغم أن القمة العربية 2002 فى بيروت قد اتخذت قرارا بالاعتراف والتعامل مع إسرائيل إذا انسحبت من أراضى شعب فلسطينالمحتلة، وأوقفت الاستيطان واعترفت بدولة فلسطين المستقلة. وتصريحات الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد تعبر فى النهاية عن قصور فى أسلوب التعامل السياسى مع المشاكل القائمة فى المنطقة... وعن عدم وجود رغبة صادقة من جانبه فى تحقيق سلام شامل عادل. وأذكر خلال زيارة قمت بها إلى إيران منذ سنوات فى عهد الرئيس محمد خاتمى الذى كان يمثل الاعتدال والبعد عن التطرف للمشاركة فى ندوة عن (العلاقات العربية الإيرانية فى ضوء التطورات العالمية والإقليمية الراهنة) أن أحدا من المسئولين أو المثقفين لم يثر مثل هذه الأحاديث التى ينفرد بها محمود أحمدى نجاد.... وأن هدف الجميع كان يتركز حول سبل التضامن والتعاون من أجل إقرار السلام فى المنطقة ومحاولة إعادة العلاقات بين مختلف الدول.... ويذكر أن محمد خاتمى كان أول من دعا إلى حوار الحضارات أمام الأممالمتحدة وقد أسهمت اللجنة المصرية للتضامن فى هذا التوجه بندوة عقدت بالقاهرة يوم 17 فبراير عام 2002 وحضرها القائم بالأعمال الإيرانى السفير خسرو شاهى الذى كان رئيسا لجمعية الصداقة المصرية الإيرانية... وكان الحرص واضحا من جميع الأطراف على تفادى الخلافات السابقة التى نجمت عن توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية وقطع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة والعواصم العربية.... والرغبة المشتركة فى دعم العلاقات العربية الإيرانية على أساس من التضامن والتعاون البعيد عن الطائفية والوقوف ضد فكرة تصدير الثورة الإيرانية. وأسلوب الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد إلى جانب ما يحمله من استفزاز قائم على حقائق مشكوك فيها، يشكل نوعا من التحدى لقوى الخير التى يمكن التعامل معها على أساس غير صدامى... ومنها وكالة الطاقة الذرية التى أبلغتها إيران فى خطوة مفاجئة بأنها تبنى مفاعلا نوويا لتخصيب اليورانيوم... وهو المفاعل الذى قال عنه الرئيس الأمريكى باراك حسين أوباما إن إيران قد بدأت العمل فيه منذ سنوات... وأن على إيران الامتثال للمعايير الدولية الخاصة بحظر الانتشار النووى وخاصة بعد اقتراحه بإنشاء بنك دولى لليورانيوم يشرف على استخدامه بعيدا عن الانشطار النووى. وأخيرا... فإن المظاهرات التى قامت ضد انتخاب محمود أحمدى نجاد رئيسا لإيران خلال الشهر الماضى وشملت آلاف المتظاهرين وعددا من كبار المسئولين والمثقفين.. هو أمر يدل على أن أسلوب محمود أحمدى نجاد لم يفلح فعلا فى إقناع شعب إيران بأنه يعمل من أجل مصلحته وسلام المنطقة... وأنه يجنح إلى أسلوب الاستفزاز والتحدى فى عصر يقبل فيه العالم على محاولات التهدئة والسلام.