تباينت ردود أفعال النخبة السياسية وقادة الأحزاب والمجتمع المدنى والمحللين تجاه خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذى وصفوه بالذكاء والقوة والشجاعة، إلا إنهم اختلفوا فى تقييمه من الناحية السياسية ومدى تقديمه لحلول ونقاط انطلاق لمنطقة الشرق الأوسط، والانطلاق نحو علاقات طيبة تجمع العالم الإسلامى والولاياتالمتحدة. أحمد ماهر وزير الخارجية السابق وصف الخطاب بالمتوازن، والقوى، والصريح الذى لم يتهرب من أى مشكلة، وقال إن أوباما حاول التعبير عن آرائه بوضوح وصراحة. وأضاف ماهر أن الخطاب لم يخف عن العالم ما يتحدث فيه فى الغرف المغلقة. وتابع: «من الطبيعى ألا نتفق مع كل ما جاء فى الخطاب، لكن عموما اللهجة التى تحدث بها هى لهجة رئيس دولة يريد أن يفى بوعوده، ولديه رغبة فى الحوار مع العالم، ومصالحة مع الإسلام على أساس المصارحة ورفض أى محاولات لتشويه أى دين أو أى فكر مختلف». وفيما يخص القضية الفلسطينية، لفت ماهر إلى عدم إشارة أوباما لموقف القدس من أية تسوية، فى الوقت الذى قال إنها ستجمع أبناء كل الأديان. من جهته اعتبر الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الخطاب بأنه تصالحى يحاول فيه أوباما أن يقدم وجها جديدا للسياسة الأمريكية. واعتبر السعيد أن الخطاب تضمن قطعا مهمة منها رفضه استمرار استيطان الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، وأنها أول مرة يفعلها رئيس أمريكى، وقال: «كما تحدث أوباما عن ضرورة إقامة دولتين للفلسطينيين والإسرائيليين وأن تكون القدس مكانا لتعايش كل الأديان». وأبدى السعيد إعجابه باهتمام أوباما، بقضية الديمقراطية وحقوق المرأة والأقباط ،وأضاف: «ثم وجه أوباما طعنة لحركة حماس حين قال: «إن الانتخابات ليست بالتحديد هى الديمقراطية» واختتم بقوله: «أوباما رئيس مختلف، بسياسة مختلفة ونوجهات مختلفه». أما حمدين صباحى وكيل مؤسسى حزب الكرامة فوصف الخطاب بأنه جميل ويستحق الإعجاب لكنه لا جديد فيه. وانتقد صباحى الذى لم يحضر احتجاجا على حضور السفير الإسرائيلى خطاب أوباما لأنه تناول القضية الأكثر تأثيرا فى العالم وهى القضية الفلسطينية، بصياغة غير سليمة، وأنه أتى إلى القاهرة ليؤكد على علاقته القوية بإسرائيل وتعاطفة مع المحرقة، ونحن لسنا فى حاجة لذلك ، وقال: «طرح علينا الاعتراف بإسرائيل وأسقط حق المقاومة فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة العدوان وتحدث باهتمام عن المحرقة التى مضى عليها 60 عاما وأهمل محرقة غزة التى شاهدها وهو رئيس لأمريكا ولم يتكلم عنها، وتناول قضية الديمقراطية واستبداد الحكام العرب ليجيب عن الإلحاح الذى كان عليه من الذين ينتظرون الديمقراطية على أسنة الرماح الأمريكية». ومن جهته قال السفير سيد قاسم، إن العبارة التى استهل بها الخطاب: «جئت إلى القاهرة سعيا لفتح علاقة جديدة مع العالم الإسلامى» تلخيص لمضمون الخطاب، وقال قاسم: «أهم ما فى الرسالة ليس مضمونها بل حضور الرئيس الأمريكى لأحد أهم بلاد العالم الإسلامى لمد يد المصالحة والتفاهم». واعتبر أن الرسالة تتضمن اعترافا ببعض أخطاء الماضى. وعن الموقف من قضية فلسطين، اعتبر قاسم أن الحديث عنها بادرة خير، وهناك فرق واضح بين رؤية أوباما وأى من الإدارات الأمريكية السابقة، وقال: «إن أوباما يتخذ موقفا ويضع أمريكا على طريق تصادمى مع إسرائيل». وقال قاسم إن أوباما اعترف بالأخطاء التى ارتكبتها أمريكا فى حرب أفغانستان والعراق، والاعتراف بخطأ تاريخى ارتكب بحق إيران وهو الانقلاب الذى دبرته أمريكا ضد حكومة مصدق المنتخبة ديمقراطيا، وتأكيده على حق إيران فى تطوير التكنولوجيا النووية السلمية. إلا إن قاسم دعا لإدراك أن أوباما ليس صانع القرار الوحيد فى أمريكا، مشيرا إلى القوى التى تتمتع بها بعض المؤسسات الأخرى، مثل الكونجرس الأمريكى الذى حذر أوباما من التفريط فى أمن إسرائيل، وتساءل قاسم: «إلى متى سيصمد أوباما فى الملف الفلسطينى»؟. بينما انتقد الدكتور محمد محمود الإمام، وزير التخطيط الأسبق، الحديث عن الهولكوست واستشهاده برقم ال«ستة ملايين» الذى اخترعته إسرائيل على حد تعبيره وتساءل: من المسئول عن هذه المعاناة ولماذا لا يحاسبون ويباح لإسرائيل ارتكاب المجازر بدعوى العيش فى أمان؟ وأضاف الإمام أن حديثه عن القدس وجمعها للأديان الثلاثة أمر يحتاج لمزيد من التوضيح. وانتقد الإمام ما قاله عن التهديد الذى يمثله الملف النووى الإيرانى للعالم الغربى، بينما تجاهل التعامل مع الملف النووى الإسرائيلى بشكل خاص، وما يمثله من تهديد للعرب والمسلمين. واعترض على ما طرحه أوباما فى خطابه وتركيزه على التعليم والتكنولوجيا، باعتبارها بوابة لبث قيم مغايرة للمجتمعات الإسلامية وبعيدة عن متطلباتنا. بينما اعتبر اللواء عادل سليمان، الخبير العسكرى، الخطاب بمثابة مبادرة أمريكية للعالم الإسلامى، وقال: «أوباما قدم مبادرته وفى انتظار الرد»، مشيرا إلى الطرح الذى قدمه لقضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وتأكيد أوباما على أربعة محاور فى هذه القضية، أولها عدم التخلى عن إسرائيل، وإشارته للروابط القوية بين أمريكا وإسرائيل، والتعاطف مع وجود وطن قومى لليهود فى إسرائيل، ثم اعترافه بحق الفلسطينيين فى تأسيس دولتهم، ووقف المعاناة الشديدة التى يتعرضون لها، والاعتراف بالاتفاقيات المبرمة بدءا من أوسلو، وأكد سليمان أن تركيز أوباما على أن المبادرة العربية جيدة ولكنها ليست كافية، مؤشر على توجيهه مطالب للعرب، وتأكيده روابط أمريكا القوية غير قابلة للانفصال عن إسرائيل والتعاطف مع وطن قومى لليهود فى إسرائيل، ثم انتقل لأن هذا لا يجب أن يتنافى مع أن الشعب الفلسطينى يقع تحت معاناة شديدة جدا. ووصف سليمان الخطاب بالذكاء الشديد الذى شد انتباه المتلقى، بمخاطبته مشاعر المسلمين، وإشادته بعظمة الإسلام وتاريخه، والتقائه مع الحضارة الغربية، والتفرقة بين الإسلام دينا وعقيدة وبين ما وصفهم بالمتشددين. وعن إشارة أوباما لمناهضته السلاح النووى، قال سليمان إن هذا الخطاب فيه إشارة واضحة للسلاح النووى الإيرانى، واعتبر أن الخطاب تضمن دعوة للتضامن تجاه محاولة إيران للحصول على السلاح النووى. وقال سليمان إن ما قاله أوباما عن استمرار مناهضة المتطرفين فى أفعانستان، وإشارته لحادث الحادى عشر من سبتمبر أكثر من ثلاث مرات فى الخطاب، يبرر به سياسة الإدارة السابقة فى المنطقة، وأضاف قائلا: «من الواضح أن الاستراتيجية واحدة ولكن يختلف الأسلوب». أما الدكتور عبدالرءوف الريدى، سفير مصر الأسبق بواشنطن، ورئيس مجلس العلاقات الخارجية، فقد وصف الخطاب بالتاريخى، وقال: «سيصل أوباما بهذا الخطاب لقلوب وعقول الملايين من المسلمين»، مشيرا إلى معالجته جميع القضايا التى تهم العالم الإسلامى، وقال إنه يطرح جدول أعمال مهم للعلاقات بين مصر وأمريكا وشراكة تجمع بين البلدين فى كل الموضوعات التى تحدث فيها مثل الصراع العربى الإسرائيلى والأسلحة النووية والتطرف. ورحب الريدى بمخاطبة أوباما للمسلمين بأسلوب مختلف واعترافه بحق النساء المسلمات فى ارتداء الحجاب، واستشهاده بالقرآن، وبدء الخطاب بتحية الإسلام. وأكد أن أوباما كان شجاعا بالقدر الذى جعله يعترف بأن الخطاب لن ينهى حالة فقدان الثقة بين المسلمين والغرب والتى تكونت عبر 8 سنوات، ولكنه خطوة لتفعيل جدول أعمال. لم يتجاهل أوباما الحديث عن الديمقراطية، الذى بمجرد أن تطرق إليها هتف شابان فى القاعة «نعم نستطيع»، «yes we can، Egyptians can»، وعلق بهى الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، على هذا الجزء من الخطاب، قائلا: «كنت أتوقع تهميش القضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما حدث بالفعل حين ركز أوباما على حقوق المرأة والتعددية الدينية خصوصا بإشارته للأقباط، أو الخلافات بين السنة والشيعة». ورجح حسن أن التركيز على هذه الموضوعات يقابله تراجع فى قضايا مهمة مثل التعذيب والحريات العامة، وقال: «هذه الموضوعات ستناقش فى الغرف المغلقة». ولفت إلى أن الحديث عن الحريات الدينية فيه رسالة واضحة للنظام المصرى لتطرقه للأقباط وهو ما قد يترتب عليه بعض النتائج. وقال حسن: «أعتقد أن الخطاب سيلقى استحسان رجل الشارع العادى المسلم والقبطى». واعتبر أن أوباما كان شجاعا، عندما فاتح المسلمين فى قضية عداء اليهود وإنكار الهولوكوست، ولكنه أضاف: «لم يكن بنفس الشجاعة حين تحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وقال إن أوباما لم يتوقف كثيرا عند هذه القضية وتطرق لها بعمومية شديدة على عكس المحاور الأخرى بالخطاب. بينما يرى ناصر أمين مدير المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، أن الخطاب أشار بشكل جيد للديمقراطية، مؤكدا على عدد من الثوابت مثل الشفافية والنزاهة والحكم الرشيد وتحقيق الحكومات لمصالح الشعوب. وقال أمين «لا أظن أن يكون هناك تراجع فى أى من قضايا حقوق الإنسان، وأوباما تحدث عن الحق فى المشاركة العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال إشاراته المتكررة للتنمية» أما سمير مرقس، فقال إن الخطاب بمثابة انتقال من مرحلة المقدس فى العلاقات بين الدول والحضارات والثقافات، إلى مرحلة المصالحة ذات الطابع المدنى وليس الدينى، بعيدا عن التسلح بالدين فى مواجهة بعضنا البعض، وقال: «هذا الخطاب يمثل مراجعة لسياسات ما بعد 11/9». وأضاف مرقس أن الخطاب يتسق مع أفكار أوباما، التى عبر عنها فى حملته الانتخابية، وخطاب التنصيب، وينتقل بتعامل مختلف مع المنطقة من خلال التعليم والتكنولوجيا وليس الاستفادة من ثرواتها، بالإضافة للتأكيد على المواطنة، وتمنى مرقس أن تلقى هذه النقاط تفاعلا حقيقيا فى المنطقة العربية. ورأى أبو العلا ماضى، وكيل مؤسسى حزب الوسط، أن الخطاب كان فى مجملة إيجابيا، وأكد أنه ينتظر أن تتحول الكلمات إلى أفعال. ووصف ماضى خطاب أوباما للعالم الإسلامى بالامتحان وقال: «أوباما نجح فى مخاطبة العالم الإسلامى» ورفض ماضى ربط حديث أوباما عن الديمقراطية بأن ذلك قد يساعده فى الموافقة على تأسيس حزب الوسط وقال: «هذا الموضوع ليس له علاقة بموضوع الحزب كما أننا نرفض تأسيس حزب بتدخل من الخارج». من جهتها وصفت مارجريت عازر، أمين عام حزب الجبهة، خطاب أوباما بأنه جاء متوازنا ومتوقعا إلى أبعد حد وأضافت مارجريت أن الخطاب لم يأتى بنتيجة جديدة أو أى إضافة متسائلة عن دور أمريكا فى كل القضايا التى طرحها أوباما فى معرض حديثة. وأكدت مارجريت أن الخطاب جاء لتحسين صورة أمريكا فى العالم العربى والإسلامى. وقال الدكتور مجدى قرقر، الأمين العام المساعد لحزب العمل، أن خطاب أوباما ملىء بالإيجابيات والمتناقضات وأنه خطاب متردد بين استرضاء الأمة العربية والإسلامية وبين الضغوط الصهيونية التى تمارس عليه. وشدد قرقر على أن ما جاء فى الخطاب ليس توجه أوباما الشخصى ولكنه توجه صانعى القرار فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأنهم جاءوا بأوباما لتغيير الصورة القبيحة التى خلفها بوش. وبدأ عبدالغفار شكر، عضو المكتب السياسى لحزب التجمع، بقول «خطاب أوباما لم يأت بجديد»، وأن كل هذه المواقف صرح بها من قبل ولكن بشكل متقطع». وأضاف شكر، أن المواقف الجديدة التى تبناها أوباما هى عدم دفاعه عن حرب العراق بعكس بوش، وقال: «أوباما لم يدافع عن حرب العراق فى حين أنه قال أن حرب أفغانستان كانت بسبب الرد على هجوم طالبان». واعتبر شكر حديث أوباما عن محرقة اليهود شىء طبيعى وقال: كلامه عن المحرقة كان مدخل لتبنى دعوة لقيام دولة فلسطينية، لأنه يواجه لوبى إسرائيلى فى أمريكا وعليه أن يؤكد أن أمريكا ملتزمة مع إسرائيل لأبعد حد وإلا سيكون «كذابا»، على حد قوله. وأوضح شكر أن أوباما تحدث عن حماس لأول مرة على أنها منظمة غير إرهابية ولكنها أدان فى نفس الوقت المقاومة وطالب بنزع سلاحها وهو ما اعتبرته حماس نفسها تناقض ملموس. وأضاف شكر أن هدف خطاب أوباما الرئيسى كان محو التوتر بين الأمريكان والعالم الإسلامى.