لم يسبق لمفهوم «السيدة الأولى» أن وجد له طريقاً إلى إيران الدولة المحافظة اجتماعياً، وذلك منذ وضعت الثورة الإسلامية نهاية للدور الرمزى الذى كانت تلعبه الملكة الأخيرة فرح، حيث تجنب الرؤساء الإيرانيون إلى حد كبير الظهور مع زوجاتهم، بما فى ذلك الرئيس الإصلاحى السابق محمد خاتمى، الذى لم تكن زوجته ترافقه فى زياراته إلى الخارج، إلا أن الحملة الانتخابية لمرشحى الرئاسة هذا العام شهدت نهجاً جديداً. فقد أصبحت زهرة راهنافارد زوجة المرشح الإصلاحى مير حسين موسوى ترافقه فى معظم زياراته وجولاته الانتخابية، حتى إنها قامت بخطوة أوسع عندما دعت الصحفيين إلى مؤتمر صحفى دعماً لزوجها. وأظهرت زهرة من خلال ارتدائها معاطف وأغطية رأس ملونة صورة جديدة للمرأة الإيرانية ولزوجات المرشحين الرئاسيين بشكل خاص، حتى إن الكثير من وسائل الإعلام شبهتها ب«ميشيل أوباما» قرينة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وهو الأمر الذى رفضته زهرة، لكنها قالت فى الوقت نفسه إنها تحترم «كل الناشطين فى مجال حقوق المرأة فى أى مكان فى العالم». كما أن فاطمة كروبى زوجة المرشح الإصلاحى مهدى كروبى واصلت الدعاية لحملة زوجها الانتخابية، متعهدة بتقديم حق المشاركة السياسية للنساء فى حال انتخاب زوجها رئيساً للجمهورية الإسلامية. وعن سبب تواجدها على الساحة الانتخابية، قالت زهرة- التى عملت مستشارة للرئيس السابق محمد خاتمى، وناشطة فى مجال حقوق الإنسان، والتى لا تخفى عشقها لموسيقى الراب والفنون التشكيلية والنحت- إنها تسعى للدفاع عن فكر ورأى يسهم فى إزالة التمييز ودعم المرأة، وأضافت فى حديث لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»: «بوصفى مسلمة وإيرانية أرى أن من واجبى دعم المرشح الذى أشاطره الرأى، وبالمناسبة فإن هذا المرشح هو زوجى». وعما إذا كانت ستواصل القيام بدورها بنفس الجدية إذا ما انتخب زوجها رئيساً لإيران، قالت زهرة إنها بوصفها مثقفة إيرانية وكاتبة وأستاذة جامعية، فإنها اضطلعت بدور جاد فى دعم حقوق المرأة والشباب، متعهدة بمواصلة هذا الدور، لكن ليس من داخل الحكومة، لأنها تحبذ العمل المدنى، وأوضحت زهرة أنها إذا ما أصبحت السيدة الأولى لإيران فإنها ستكون أكثر قدرة على المساعدة فى القضاء على التمييز ضد النساء، مؤكدة فى الوقت نفسه أن موسوى يعتزم تعيين نساء فى مناصب قيادية فى الحكومة. وكانت زوجة موسوى أول سيدة إيرانية تعين كرئيسة جامعة فى تاريخ التعليم الإيرانى، وبسبب انتقادها لأوضاع حقوق الإنسان ومبادرتها الرمزية المثيرة للجدل بدعوتها لشيرين عبادى الحائزة على جائزة نوبل لإلقاء محاضرة فى جامعتها، فقد أصبحت هدفاً لحملات محافظة، أفقدتها منصبها فى النهاية، وسط تخمينات تفيد بأن نجاد كان السبب المباشر فى ذلك. وبالفعل هاجم الرئيس الإيرانى زهرة خلال مناظرة له مع زوجها موسوى، واتهمها بحيازة شهادة دكتوراه فى العلوم السياسية بطريقة غير شرعية، وهو الاتهام الذى رفضته زهرة متهمة نجاد ب«الكذب». وقد استطاعت زهرة أن تحدث أثراً واضحاً فى نفوس مناصرى موسوى، ففى أحد التجمعات الانتخابية لم يتمالك الآلاف أنفسهم آخذين فى التمايل- رغم أن الرقص غير مسموح به فى الأماكن العامة فى إيران- وأطلق مؤيدو موسوى هتافات عالية، ليس من أجل مرشحهم المفضل، وإنما لزوجته. وقالت شكيبة شيكرهوسى- وهى إحدى 12 ألفاً تجمعوا لسماع خطاب زهرة فى ملعب الحرية بطهران «إننا ننظر لها ونقول إننا نريد أن نكون مثلها فى المستقبل»، بينما قالت زوجة موسوى أمام الحشد «آمل فى أن حرية التعبير والفكر والإرادة لا تفقد فى إيران».. وبالرغم من تسليط الأضواء على زوجة موسوى، لدورها وتاريخها التقدمى، فإن ثمة امرأة ثانية، برزت خلال الحملات الانتخابية الراهنة فى إيران، وهى فاطمة كروبى، وكيلة وزارة الشؤون الاجتماعية سابقا، والتى ترى أن «حقوق المرأة لا تحترم فى ايران»، منتقدة عدم تساوى فرص التوظيف بين النساء والرجال، بالجمهورية الإسلامية. وتتولى فاطمة الإشراف على حملة زوجها فى العاصمة طهران، وهى منطقة بالغة الأهمية فى حسم سباق الرئاسة الإيرانية، وتقول إنها تبذل ما فى وسعها لمساعدة زوجها، ولكنها تؤكد أن هدفها هو تغيير الوضع الحالى.. وعن النشاط الذى ستمارسه إذا ما فاز كروبى فى الانتخابات، قالت فاطمة إنها بإمكانها أن تشكل سنداً لزوجها، وذلك فى ضوء الخبرة التى اكتسبتها على مدى 30 عاماً فى الميادين المختلفة سياسياً وثقافياً، وأكدت أن زوجها الرواد فى تدعيم حقوق المرأة، وأنها تشكل نموذجاً على ذلك باعتبارها كانت ناشطة على مدى الأعوام ال30 الماضية، وأضافت «ما لم يدعمنى كروبى لما كان بوسعى تحقيق ذلك».. ولعبت فاطمة دوراً مهماً فى بناء وإدارة عشرات المستشفيات والعيادات التى تديرها «مؤسسة الشهيد» وهى المؤسسة التى تتعامل مع احتياجات العائلات التى فقدت بعض أفرادها فى الحرب بين العراق وإيران فى الثمانينيات، وعملت فاطمة فى المؤسسة لمدة 16عاماً نائباً لزوجها. ولم يقتصر ظهور الزوجات فى التجمعات الانتخابية على رهنورد وكروبى فقط، بل إن الأمر وصل أيضاً إلى زوجة الرئيس المحافظ أحمدى نجاد التى ظهرت معه فى أحد التجمعات بطهران، وهو الأمر الذى كان يعد شبه مستحيل فى الماضى، ولكن يبدو أن الانتخابات الجارية سيكون لها أثر على تغيير الفكر الإيرانى تجاه قضايا المرأة.