فى هذا المقال الأخير فى هذه السلسلة نقول إن هشام الناظر لا يريد فقط وصف العالم فحسب، ولكن يسعى أيضا إلى تغييره. هذه هى النفس الكبيرة فى السياسة بالمعنى الشامل للكلمة، عندما يكتشف كاتب أن شرح الإشكالية النظرية لموضوعه لا تحيط بالجوانب العملية للإشكالية فيتقدم بنفسة إلى وضع خطة عملية التغيير، أو قل خريطة طريق، من خلال تطبيق السياسات العامة. هذا المنهج نجد شبيهًا له فى الصياغة ومن حيث الربط اللازم للنظرية بالتطبيق فى سلسلة من المقولات الحاسمة عند كل من- على سبيل المثال- فولتير، مكيافيلى، منتسكيو، هوبز، ابن خلدون، لينين، جرامشى، وأنتونيو نجرى. فإذا كان مفهوم «القوة الثالثة» هو المفهوم النظرى عند هشام الناظر لفهم أبعاد إشكالية القوة الدولية فى عالم ما بعد الحرب الباردة، فاستراتيجية بناء «القوة المتكافئة» هى منظورات ومنهجيات فى الحركة والعمل. ويقصد بالقوة المتكافئة تلك السياسات والأفعال التى من شأنها من خلال التفاعل الثقافى مع الهيمنة الغربية من جانب كل من القوى الغربية المضادة من داخل الغرب أو القوى التى تريد تحويل النظام الدولى من العالم الثالث، أو فى قول آخر القوى غير المصطفة مع الغرب مفهوميًا. فالناظر لا يرفض الغرب وجوديًا، ولكن يريد أن يتجاوزه معرفيًا من أجل تفعيل أكبر لحركة التاريخ الإنسانى وأثر أوسع له. وهنا يضع الناظر أربع مقولات تحكم بناء استراتيجة الحركة العالمية السياسية من أجل التجاوز المفهومى للغرب الحالى: 1- كلما كانت القوى الدولية قوية، تطلب هذا منها قدرة على المناورة، 2- وكلما تطلب الأمر قدرة أكبر على المناورة، تطلب هذا قدرات إضافية أو خاصة من جانب نخبة الدولة ومثقفيها، 3- وكلما تطلب الأمر قدرات إضافية من جانب الدولة بشكل عام، وجب على الدولة أن تنظر إلى مجهودها هذا باعتباره محايدا ويسعى للصالح العام بدون غرض أو مصلحة ذاتية لها، 4- بدون هذه النظرة إلى الصالح العام غير الذاتى تكون الدولة مقيدة فى قدرتها على استخدام ممكنات «القوة الثالثة» لتحويل النظام الدولى والسياسات الخارجية. فهشام الناظر يرى أن خلق «سوق ديمقراطية» تحتوى البشرية بتنوعاتها واختلافاتها هو الهدف النهائى من العمليات التحويلية فى النظام الدولى. بعبارة أخرى، يريد الناظر إنقاذ الغرب من نفسه، لأن فى هذا الإنقاذ إنقاذًا لأنفسنا فى العالم الثالث والدول غير الغربية، فنحن مربوطون بعلاقات بنائية متشابكة لا يمكن أن ننفك بأنفسنا منها دون العمل على تحويل الغرب إلى مستوى حضارى آخر فى التعامل العالمى. فإذا كان بن لادن يرى أنه يمكن إنقاذ أنفسنا عن طريق تدمير الغرب فننجو بأنفسنا، فالناظر يعتقد أن فى هذا وهمًا كبيرًا وعدم وعى بحقائق النظام العالمى، لأن الغرب لايزال الأقوى والأعتى علميًا واتصاليًا وعمليًا، ولابد من إنقاذ الغرب معنا، إذا أردنا إنقاذ أنفسنا. وهذه المقولات الأربع تمثل المخطط الرئيسى لاستخدام القوة الثالثة لخلق قوى متكافئة دولية خلال بلدان العالم. بعبارة أخرى، هشام الناظر لا يؤمن بصراع الحضارات، وأعتقد أنه لديه شك فى مسألة الحوار بين الحضارات، ولكن يؤمن ويفهم كيف تتحول الحضارات. ومفهوم التحول الحضارى العالمى لا يمكن فهمه إلا من داخل من عانى من مفهوم صراع الحضارات. ويقول الناظر إنه يجب أن نسعى لبناء الحضارة الإنسانية الواحدة من خلال السياسات الخارجية والسلوك الدولى. هكذا يتصارع سعوديان كبيران- الناظر وبن لادن- حول فهم العالم والسعى لتغييره. الأمر الذى يذكّرنا بالصراع بين العقليات الروسية العظيمة فى بداية القرن العشرين حول منهجيات ومفاهيم تغير العالم. وليس من الغريب أن نجد أن الكثير مما قاله الرئيس أوباما فى القاهرة فى خطابه التاريخى للأمة الإسلامية به صدى عميق لمفاهيم الناظر المنشورة فى كتابه فى عام 1999 بالولايات المتحدةالأمريكية.