في زمن تتبدّل فيه المذاهب الفنية وتتغيّر فيه معايير النجومية، يبقى محمد صبحي ثابتًا كأحد آخر «الكبار» الذين صنعوا وجدان أجيال كاملة، عبر خمسين عامًا من الإبداع المسرحي والدرامي والسينمائي. لم يكن صبحي فنانًا عابرًا، ولا نجمًا يبحث عن بريق اللحظة؛ بل كان ولا يزال مشروعًا متكاملًا لفنان يحمل رسالة، ويبنى ذاكرة جمعية، ويمنح الفن وظيفة تتجاوز المتعة إلى التنوير وصناعة الوعى. من «هاللو شلبي» التي كانت بوابته الأولى، إلى «ونيس» الذى صار رمزًا للأسرة المصرية، مرورًا ب«الجوكر» و«وجهة نظر» و«خيبتنا» وغيرها، ظل محمد صبحى يطور خطه الفنى، ويغامر ويجدد، ويحتفظ فى الوقت نفسه بصوته الإنسانى النبيل. هو الفنان الذى جعل المسرح مدرسة، وقدّم عبر «ستوديو الممثل» و«معمل المسرح» عشرات النجوم الذين صاروا جزءًا من المشهد الفنى العربى. هذا الملف يرصد مسيرة رجل آمن بأن الفن فعل مقاومة، وأن المسرح مساحة للحرية، وأن الفنان الحقيقى هو من يترك أثرًا فى العقول والقلوب. هنا نقرأ رحلته، شهادات تلامذته، محطات تكريمه، وملامح مشروعه الإبداعى الذى لم يفقد بريقه، بل يزداد عمقًا وتأثيرًا مع الزمن. ◄ 28 مسرحية 13 مسلسلًا 26 فيلمًا ◄ أبرز أعماله الجوكر - وجهة نظر رحلة المليون - يوميات ونيس هنا القاهرة - علي بيه مظهر ◄ رسالته الفن للجميع والمسرح للناس وصناعة أعمال هادفة تحمل قيمًا وأخلاقًا. ◄ الجوائز والتكريمات الأسد الذهبى لأحسن ممثل ومخرج 1999 دكتوراة فخرية من الكلية الأمريكية بكاليفورنيا 2013 تكريم الكلية الحربية 2022 جائزة مؤسسة النجوم السعودية قدَّم للساحة أكثر من 270 فنانًا ◄ اقرأ أيضًا | بشهادة زملائه وتلاميذه والنقاد| محمد صبحي.. صانع الأجيال ثنائية محمد صبحي وسعاد نصر كانت أكثر من مجرد تعاون فنى؛ فقد كانت حالة انسجام استثنائية بين روحين تمكنتا من أن تصنعا سحرًا فنيًا حقيقيًا على الشاشة والمسرح. صبحى، الرجل الذى يجمع بين الكوميديا والرسالة الاجتماعية، استطاع أن يجعل كل شخصية من شخصياته مرآة للمجتمع المصري، بينما أضافت سعاد نصر دفئها وعاطفتها وحضورها المميز، فتحولت كل مشهدية إلى لوحة متكاملة، مليئة بالحياة والصدق. من «رحلة المليون» إلى «سنبل بعد المليون»، وصولًا إلى «عائلة ونيس»، كانت كيمياء الثنائى واضحة لكل من يشاهدهما.. صبحى يمثل العقل والرسالة، وسعاد تمثل القلب والوجدان. معًا قدما للجمهور صورة الأسرة المصرية بأبعادها الإنسانية والاجتماعية، مليئة بالمحبة والصراعات الصغيرة واللحظات الكوميدية المؤثرة، ونجحا فى ترك أثر عاطفى دائم لدى المشاهدين، حتى بعد مرور عقود على عرض أعمالهما.. هذه الثنائيات لا تُنسى، لأنها لم تقدّم الفن فقط، بل قدّمت حياة متخيلة تشبه الواقع، وأعطت الجمهور أملًا فى أن القيم والضحك والدفء الأسرى لا تزال ممكنة حتى وسط تعقيدات الحياة.. محمد صبحي وسعاد نصر لم يكونا ممثلين فحسب، بل كانا صانعى ذكريات وأيقونات فنية لأجيال لن تنساها أبدًا. ◄ صراع الخير والشر.. «الهمجي» تبقى «الهمجي» شهادة على عبقرية محمد صبحي الفنية، وقدرته على مزج الكوميديا بالمعالجة الإنسانية، وصورة مشرقة لمسرح هادف قادر على توعية المجتمع وإضحاكه فى الوقت ذاته، ومرآة حقيقية لأزمات المجتمع ووسيلة فعالة لإعادة التفكير فى قيم الخير والشر فى حياة الإنسان. ويعود ذلك إلى القضايا التى تناولتها المسرحية والمعالجات الفنية للأزمات الاجتماعية بأسلوب بسيط وهادف. «الهمجي»، التى تحتفل هذا العام بمرور 41 عامًا على عرضها الأول على خشبة مسرح الجلاء فى سبتمبر 1985، تعد إحدى روائع الكاتب المسرحى لينين الرملى، وامتزجت فيها الكوميديا بالفلسفة لتسليط الضوء على طبيعة الإنسان وخصاله، وتجسيد الصراع بين الخير والشر. وصرح محمد صبحى فى مقابلة سابقة مع الإعلامية منى الشاذلى ببرنامج «معكم»، أن مشهد المدرس فى المسرحية كان من أصعب المشاهد التى قدمها، مؤكدًا: «من الصعوبة تحويل المشاهدين فى المسرح إلى تلاميذ فى الفصل، لأنك عندما تقيم علاقة مباشرة مع الحضور، يمكن أن يفلت زمام الأمور.» رغم الفنتازيا التى تتميز بها أحداث المسرحية، إلا أن المعالجة الواقعية للأزمات الاجتماعية جعلتها نموذجًا فنيًا استثنائيًا، ومهدت الطريق لما يمكن وصفه ب«الفنتازيا المعالجة بواقعية»، التى استمر صبحي في تطبيقها فى أعماله اللاحقة مثل مسرحية «تخاريف»، وحققت جميعها نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا. وحتى بعد مرور عقود، ما زالت المسرحية قادرة على رسم البسمة على وجوه الجمهور، مؤكدًا التأثير العميق للفن الهادف الذى يترك أثرًا دائمًا.