في زمن تتبدّل فيه المذاهب الفنية وتتغيّر فيه معايير النجومية، يبقى محمد صبحي ثابتًا كأحد آخر «الكبار» الذين صنعوا وجدان أجيال كاملة، عبر خمسين عامًا من الإبداع المسرحي والدرامي والسينمائي. لم يكن صبحى فنانًا عابرًا، ولا نجمًا يبحث عن بريق اللحظة؛ بل كان ولا يزال مشروعًا متكاملًا لفنان يحمل رسالة، ويبني ذاكرة جمعية، ويمنح الفن وظيفة تتجاوز المتعة إلى التنوير وصناعة الوعي. من «هاللو شلبي» التي كانت بوابته الأولى، إلى «ونيس» الذي صار رمزًا للأسرة المصرية، مرورًا ب«الجوكر» و«وجهة نظر» و«خيبتنا» وغيرها، ظل محمد صبحى يطور خطه الفنى، ويغامر ويجدد، ويحتفظ في الوقت نفسه بصوته الإنسانى النبيل. هو الفنان الذى جعل المسرح مدرسة، وقدّم عبر «ستوديو الممثل» و«معمل المسرح» عشرات النجوم الذين صاروا جزءًا من المشهد الفنى العربي. هذا الملف يرصد مسيرة رجل آمن بأن الفن فعل مقاومة، وأن المسرح مساحة للحرية، وأن الفنان الحقيقي هو من يترك أثرًا في العقول والقلوب. هنا نقرأ رحلته، شهادات تلامذته، محطات تكريمه، وملامح مشروعه الإبداعي الذى لم يفقد بريقه، بل يزداد عمقًا وتأثيرًا مع الزمن. ◄ اقرأ أيضًا | أول ظهور ل «محمد صبحي» بعد خروجه من المستشفى | فيديو ◄ 55 عامًا من الفن والرسالة.. أيقونة المسرح فنان استثنائى، عرفه الجمهور ب«فارس المسرح»، و«صانع البهجة»، و«أونكل زيزو حبيبي». أعماله الرائعة تركت أثرًا كبيرًا فى المجتمع، حيث قدم دراما هادفة غرست القيم والأخلاق في أجيال عشقت أعماله، مثل «ونيس وعائلته» التى جسدت نموذج الأسرة المصرية المثالية.. طوال مسيرته الفنية المُمتدة لأكثر من 55 عامًا، جمع محمد صبحي بين الإبداع الفني وصناعة النجوم، رافعًا شعار: «يد تُبدع ويد تصنع النجوم».. لم يفرط صبحي أبدًا في إثراء المسرح بأعمال شكلت وعي أجيال كاملة، وكان بمثابة «جهاز قومي لاستشعار المواهب».. قدم لمصر نجومًا على قدره، واعتمد دائمًا على معيار دقيق لا يتهاون فيه، وهو أن تكون الموهبة حقيقية وقادرة على التطور. تميزت اختياراته بالصرامة والانضباط، فلا يتبنى موهبة إلا إذا شعر بأنها قادرة على التميز والاستمرار.. على مدار سنوات طويلة فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وخلال تأسيسه لفرقة «ستوديو الممثل»، أجرى صبحى اختبارات دقيقة لاختيار الممثلين، يكتشف من خلالها المواهب الصافية ويعمل على صقلها. وواصل رسالته بعد استقالته من المعهد عام 1985، حيث ظل يدرب الموهوبين مجانًا، ويمنحهم الفرصة لإبراز أنفسهم فى أعماله المسرحية والتليفزيونية. محمد صبحي لم يرَ الفن مجرد مهنة، بل رسالة سامية. علّم تلاميذه أن التمثيل مسئولية قبل أن يكون موهبة، وأن الإبداع يتطلب انضباطًا ومثابرة. منح تلاميذه أدوارًا مؤثرة لتقوية قدراتهم، وغرس فيهم روح القيادة والتأثير، ليصبح كلٌ منهم فنانًا واعيًا بدوره فى المجتمع.. ومن أبرز النجوم الذين تخرجوا على يديه: عبلة كامل، شريهان، هناء الشوربجى، سمير صبحي، وعبدالله مشرف، وغيرهم عشرات النجوم الذين لمعوا فى السينما والمسرح والتليفزيون.