السيد الرئيس باراك حسين أوباما... رفرفت روحى فى قلعتى الحصينة حين حطت قدماك بالقرب من ترابها الغالى، وامتلأ قبرى بعَبَق الأيام المجيدة لأمتى، التى حفرت وقتها اسمًا وموقعًا ومكانة فى تاريخ الإنسانية، جعلتك تأتى إلى هنا، لترى بعض فنوننا الجميلة فى مسجد السلطان حسن، وتطالع ما شيّدنا على أبواب القاهرة لنصدَّ هجمات أجداد الأمريكيين البيض، الذين جاءوا إلى بلادنا غازين طامعين، فرددناهم على أعقابهم خاسرين، وهى الحكمة التى لم يقرأها سلفك جورج بوش، ولم يتعلم شيئًا مما تركه غريمى الشجاع الحكيم ريتشارد قلب الأسد. السيد الرئيس... لقد تابعت هنا من عالم البرزخ خطابك المفعم بالبلاغة وسحر البيان، والذى لا يخلو من تحايل ودهاء، وراق لى حديثك عن التفاهم والحوار والسلام، الذى لو فهمه أجداد مواطنيك لحُقنت دماء غزيرة سالت على أرض فلسطين، التى لا تزال تنزف، لأنكم بعد أن كنتم طامعين فيها بالأصالة، طمعتم فيها بالوكالة، وأدهشنى أنك تأسيت وتأسفت للسلوك البربرى الذى اتبعه ابن حضارتكم الطاغية الألمانى أودلف هتلر، ولم يهتز لك جفن وأنت تتحدث عن أبناء الشرق من أطفال ونساء المسلمين والمسيحيين الأبرياء الذين يزهق برابرة إسرائيل أرواحهم. السيد الرئيس...عرفت أنك قارئ جيد للتاريخ، وتمتلك ثقافة عابرة لألوان المعرفة، ولذا سأطلب منك أن تراجع معلوماتك، وفى كتب الفرنجة أنفسهم، لتقارن بين حال اليهود فى بلادنا وحالهم فى بلادكم. لقد كانوا يعيشون بيننا إخوة، يمتلكون المال والجاه، وحماهم أحفادنا فى بلاد المغرب العربى من جيوش النازى التى كانت تطاردهم، وكنا سعداء بإضافاتهم الخلاقة إلى حضارتنا، وكونهم جزءا أصيلا من روح الشرق، مهد الحضارات، ومهبط الديانات، ومنطلق رسالات موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام. ولكل هذا أتعجب كيف يتنصل مجرموكم من جريمتهم، ويتحمل أبرياؤنا عواقبها. فأفران الغاز كانت هناك فى أوروبا ولم تكن هنا فى القاهرة أو دمشق أو بغداد. والقرآن الذى استشهدت به، وكذلك الإنجيل والتوراة، تعلم البشرية أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى»، والتاريخ يقول إن اليهود لم تكن لهم دولة هنا، حتى يبحثوا عنها، ويقيموها على حساب شعب موجود فى أرضه منذ آلاف السنين. وحتى لو كان هذا صحيحًا- وهو محض افتراض لا أساس له- هل تقبلون أنتم الأمريكيين أن يعود الإنجليز إلى بلادكم، وتصبح القارة الأخرى التى تمد ذراعيها على يمينكم مجرد حاضرة للإسبان والبرتغاليين، أو يأتى يوم ويطالب فيه الهنود الحمر بإسقاطك واسترداد مملكتهم الجميلة. ولا يخفى على مستشاريك ومعلمى السياسة فى بلادك أنه لو طالب كل شعب أو أصحاب دين بما كان فى الزمان الأول، لانقلب العالم رأسًا على عقب، وتبعثر، ووقع فى فوضى وحروب لا تنتهى. السيد الرئيس ... إننا فى الشرق- مسلمين ومسيحيين- لسنا ضد اليهود كأصحاب ديانة سماوية، فالقرآن يجعل الإيمان بموسى مثل الإيمان بمحمد ويقول: «لا نفرق بين أحد من رسله» والمسيحيون الشرقيون يؤمنون ب«العهد القديم»، لكننا جميعا ضد الصهيونية كنزعة عنصرية، حوّلت الدين اليهودى إلى أيديولوجيا بائسة بغيضة، وروجت الأباطيل عن «أرض الميعاد»، كما أننا ضد دولة تقوم على أساس دينى، ولا تقر لها حدودا حتى الآن. السيد الرئيس ...لقد سمعتك تقول: «مساندتى لإسرائيل لن تنكسر»، وهكذا كان يقول أباطرة أوروبا فى أيامى حين يتحدثون عن إمارات «بيت المقدس» و«أنطاكية» و«الرها» التى أقاموها على أرضنا، لكنها ذابت مع الزمن، لأن أرضنا العريقة تلفظ الغريب مهما توحَّش واستقوى ولاقى المدد. ولم يكن هذا الذوبان بإبادة ولا أفران غاز، مثلما فعل الأوروبيون، ولا ب«الجيتو» الذى عاش فيه اليهود على أرض القارة العجوز، إنما كان باكتساح حضارى رضخ له الجميع، بعد أن أذعنوا للحق والصواب. وأعتقد أنكم قد جربتم هذا على أرض الرافدين. فأبناء حضارتنا الأشداء لا تَهِنُ عزائمهم ولا تخور، مهما رانت عليهم قشور التهالك والضعف. السيد الرئيس أوباما ... لا تتعجب من لغتى العصرية، فنحن فى العالم الآخر نتابع ما يجرى على الأرض، ونعرف بإذن ربنا بعض ما تحمله المقادير، وأقولها لك صراحة: إنك لست رسول حرية ولا نبيا جديدا، وإنك ما كنت تمنحنا معسول الكلام لو لم يفلس سلفك فى تحقيق حلمه البغيض باحتلال بلادنا، ويضيق شعبك بالنفقات الباهظة التى يتطلبها احتلالكم للعراق وأفغانستان، لاسيما فى ظل الأزمة المالية العالمية، ولهذا فنحن هنا نعلم، أنا وريتشارد قلب الأسد وجورج واشنطن وحتى بن جوريون، أن ما يعيد السلام إلى الشرق هو المقاومة، ألم تدرس أنت فى منهج العلوم السياسية أن أفضل أنواع السلام هو الذى يقوم على «توازن القوى». فالمقاومة هى التى ستجبر الغزاة على الرحيل، وليس الاستجداء أو الاعتلال السياسى، ونعلم أنه كما سيهزم غلاة المتطرفين الذين يسيئون إلينا قبل أن يسيئوا إليكم، سيهزم معهم غلاة المجرمين والطامعين، ليبقى الشرق إلى قيام الساعة مرفوع الهامة، عصيّاً على الاستسلام والضياع تحت سنابك الخيل، أو جنازير الدبابات، أو ضربات الإرهابيين العميان، الذين لا يعرفون أن فى الغرب أشياء رائعة وإنسانية، لا يجب أن ينكرها أحفادى لمجرد تخوّفهم من التوحش الرأسمالى والتوجه الاستعمارى.