تحتفظ شوارع القاهرة وحواريها وأذقتها بجاذبية خاصة فى شهر رمضان المبارك والأعياد، فتختلط شعائر العبادة بروائح المسك والعنبر، وتمتزج العمائر الإسلامية برائحة عبق التاريخ وطقوس الاحتفالات والابتهالات وفانوس رمضان وصوت المسحراتى، ورائحة الحلوى الرمضانية. تشهد مجموعة مساجد آل البيت والصحابة حالة خاصة من الروحانيات الدينية، ومسجد الحسين بالأزهر هو أكبر الأماكن التى تشهد تجمعات فى رمضان، لترى فيه أجمل حلقات الذكر والإنشاد، سواء بمسجد الحسين أو المساجد الصغيرة المحيطة به، كمسجد أم الغلام، ومسجد السيدة زينب، ومسجد الإمام زين العابدين على بن الحسين، والسيدة نفيسة، والسيدة عائشة، ومسجد الإمام الشافعى، والسلطان أبو العلا وغيرها من الأماكن الإسلامية ذات العلاقة الوطيدة بشهر رمضان. رمضان فى الحسين له طعم خاص انطلاقاً من طريق الحسين وشارع المعز لدين الله الفاطمى وسكة الخان (خان الخليلى) فى القاهرة التاريخية (المدينة القديمة)، سوف أصطحبكم معى فى أجمل بقاع مصر الإسلامية فى منطقة مسجد الحسين، ونسير سوياً نتفقد شارع خان الخليلى، وإن كان عندكم الرغبة فى أن تتناولوا وجبة السحور، ستجدون كثير من المطاعم التى تقدم أشهى المأكولات للإفطار والسحور، كما نشاهد إحدى موائد الرحمن بالحسين. سمى مسجد الحسين بهذا الاسم، نسبة إلى الحسين بن على بن أبى طالب حفيد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولد فى السنة الرابعة من الهجرة فى المدينة، ونشأ فى بيت النبوة وبعد أن أوهمه أهل الكوفة أنهم بايعوه للخلافة بدلاً من يزيد بن معاوية سار إلى الكوفة، وعند كربلاء هاجمة جنود عبد الله بن زياد وقتلوه هو وأهله وقطعوا رأسه يوم عاشوراء فى السنة الحادية والستين من الهجرة. واختلفت الآراء حول مكانها وقيل إن رأس الحسين تم دفنها فى ضريح الحسين بالقاهرة بعد إحضارها من عسقلان سنة 1154 ميلادية. ويضم المسجد 3 أبواب مبنية بالرخام الأبيض تطل على خان الخليلى، وباباً آخر بجوار القبة، ويعرف بالباب الأخضر. ويقع قرب الجامع الأزهر الشريف، وسوق خان الخليلى الشهيرة. وفى هذا المكان تبدأ تفاصيل رمضان من الفجر، ويخترق صوت مذياع المسجد أذنيك لنقل شعائر الصلاة. تدخل المسجد وتشدك روعة البناء وتفاصيل الفنان المبدع الإسلامى، ويوقفك بعض الناس التى تجلس بالقرب من الضريح بالقرب من ضريح الحسين الذى دفنت فيه رأس الحسين، وتجلس منبهراً بالنقوش البارزة فى سقف المسجد والتعشيقات الإسلامية التى تكسو القبة من الداخل. لا يمكن لك وأنت بمنطقة الحسين ألا تمر على خان الخليلى لتلمح تفاصيل الزمن المرسومة على جدرانه، فعمره يرجع إلى 600 عام، ليؤثرك بريق المشغولات الفضية والذهبية والمقتنيات الأثرية. وتلتقط أنفاسك لتشم رائحة التاريخ مختلطة بروائح البخور، ودهن العود، ودخان المستكة، وتلمس قدماك الأرضية المبلطة بحجر البازلت الأسود اللامع. تأخذك الشوارع لتتسلل إلى الحوارى والحوانيت المليئة بالكنوز والتحف النادرة المصنوعة بمهارة.. إنها محلات خان الخليلى التى تشهد فناً بديعاً فى عرض منتجاتها، تجد نفسك تهيم بين المحلات المتلاصقة... والحوانيت التى تملأ الحارات، وتعرض نفس البضاعة بأسعار متفاوتة، لتشبه معرضا دائما ومستمرا لكافة أنواع والأصناف والألوان من ذهب وماس وفضة ونحاس، وأوراق البردى، ربما لا تشترى ولكنك تصر على الوقوف أمام إبداعات صنايعية خان الخليلى وجمال منتجاتهم. لمن تعب من التجول عليه أن يستريح ليلتقط أنفاسه، ويلمح بعينه تصاعد حركة سكان منطقة الحسين وأصحاب المحلات، فالكل يهرول بأدوات وأوانى الطهى و"الأناجر"، أنية طهى اللحوم، يرصون الطاولات وعليها الأطباق والسلاطات وتحيطها الكراسى فى شوق الانتظار للصائمين. يدوى آذان المغرب لتخيم لحظة من الصمت وتبدأ لتعود حالة الحركة فى أقل من نصف ساعة، تستطيع أن تجلس على مقهى الفيشاوى الذى تجاوز عمره ال200 عام حين أسسه فهمى على الفيشاوى عام 1798، وكان مكانا لالتقاء الرؤساء والزعماء، الذين كانت من بينهم أوجينى إمبراطورة فرنسا خلال زيارتها للخديوى إسماعيل للاحتفال بافتتاح قناة السويس. ومن الصور المعلقة على جدران المقهى ستمر أمام عينيك جلسات المثقفين والمفكرين، ومن أبرزهم صاحب أول نوبل عربى للآداب نجيب محفوظ. يأخذك هذا الجو والسحر الخاص ويدفعك لتكون أحد زوار المقهى، الذى يمكن أن تجلس فيه حتى صلاه الفجر دون ملل. وفى قاهرة المعز الوقت ينقضى سريعا، فإذا وجدت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساءً وأردت أن تستكمل ليلتك الرمضانية وتسمع الموسيقى وتشاهد فنون الروحانيات التى تناسب هذه الأجواء الرمضانية، فلا حاجة للسير بعيداً، فما عليك إلا أن تدخل بيت الهراوى أو بيت العود لتستمتع بمشاهدة عرض لفرقة التنورة لإحياء التراث الشعبى والدينى، أو تدخل بيت زينب خاتون وهنا تبدأ حالة جديدة من حالات العشق الروحى.