سيظل خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى قاعة جامعة القاهرة محل نقاش وتحليل طوال الفترة المقبلة، فهو خطاب مهم فى أهدافه، وتوقيته ومكانه. ألقى أوباما خطابه ساعيا إلى تغيير الصورة الذهنية للولايات المتحدة لدى المسلمين وبداخلهم العرب. وإذا تطرقنا إلى الخطاب من حيث إنه خطبة سياسية استهدفت إحداث هذا التغيير، فإننا يجب أن نكون قد لاحظنا مجموعة من الملاحظات المهمة المرتبطة بالخطبة وأداء أوباما الذى كان فى كل الأحوال مؤثرا فى جموع الحاضرين، وانعكس ذلك بالتالى على الرأى العام سواء فى مصر أو فى الدول العربية والإسلامية. الذين درسوا خطبة أوباما لابد أنهم لاحظوا مدى اتباعه أصول وقواعد الخطابة، وهى القواعد التى جعلته من قبل مؤثرا فى الرأى العام ومستمعيه القريبين فى الأساس، وبالتالى تحقيقه أهدافه من خلال خطبه. لقد اتبع أوباما هذه القواعد فى خطبته بجامعة القاهرة، فقد بدأ الخطبة بعبارة مؤثرة فى الحاضرين من أهل مصر، وقال: «السلام عليكم»، وهذه العبارة جعلته يمس مشاعر المصريين الذين يستخدمون هذه العبارة عشرات المرات فى يومهم، وبالتالى وجدوا أن أوباما قريب منهم، فهو يستخدم نفس عبارتهم اليومية، كما أن هذه العبارة تحية الإسلام، وهو ما يعنى أنه يؤكد الرسالة التى يود أن تصل إلى كل مسلم وهى أنه جاء يحمل معه رسالة سلام بين المسلمين والولايات المتحدةالأمريكية. مدخل أوباما لآذان السامعين بعبارة «السلام عليكم»، مهد لموضوعه وشوق السامعين إليه، بعدها انتقل إلى صلب الموضوع وطبق شروط العرض وهى التماسك والتلاحم بحيث لا تضعف خطبته بسبب التفكك أو تخلخل الفكرة، فجاء كلامه مرتبا غير مهوش ولا مضطرب، وصل إلى الأذن وكأنه نغمة متناسقة لا نشاز فيها، وجاءت كلماته بعيدة عن اللبس والاحتمال، وكان قاطعا فى عباراته، مقنعا يقبل العقل كلامه، وكان مغريا ينجذب القلب إليه، وكان صادقا بحيث لم يتسرب الريب إلى ما يقوله. أما فى ختام خطبته فقد كان حريصا على أن تكون نغمته قوية مؤثرة لا ضعيفة فاترة حتى تحدث الأثر الذى يرجوه. لقد عرف أوباما نفسية مستمعيه، وهذه قاعدة من قواعد الخطابة الأساسية، فضرب على الوتر الحساس الذى هزّهم ووصل إلى مواضع التأثير فى نفوسهم، فقد استشهد بآيات من القرآن فأثّر بذلك على المسلمين، كما استشهد بآيات من الإنجيل فأثّر بذلك على المسيحيين الموجودين، وعرج على تاريخ الأزهر وجامعة القاهرة وكذلك أثر الإسلام على الحضارة. كل ذلك حمل المستمعين على السير معه إلى الهدف الذى ينشده من غير تعثر، واستطاع أن يستميل مشاعرهم بعد أن عرف أفضل السبل إلى إقناعهم باختياره الكلمات الملائمة وإبراز المثير لعواطفهم وطمأنتهم وتسكين ثائرة نفوسهم تجاه بلاده. لقد أعجب الناس فى مصر بأوباما، الخطيب المفوه الذى لم يضطرب ولم يتلعثم، والذى ركز أهداف خطبته فى عبارات مصاغة بدقة ومحددة بما لا يُحدث أى التباس بشأنها، وكذلك بأدائه فى الإلقاء وحركات جسده المؤدية والمساعدة لعوامل التأثير، فهو، من حيث الهيئة، يتمتع بمواصفات الخطيب المثالية، فقامته طويلة، رشيق، صوته جهورى، وقور، نظراته خاطفة، مسيطر على أعصابه، رابط الجأش، ثابت النفس. كل هذه العوامل جعلته ينجح فى تحقيق الهدف من خطبته، وفى كل الأحوال، فإن الخطيب فرد أمام الجماعة، وإذا لم تتوافر فيه هذه الصفات، لحبس لسانه وارتج وأجبل وفقد السيطرة على جمهور السامعين وبالتالى تفشل خطبته ويفشل فى تحقيق أهدافه السياسية. إذا كان أوباما قد ألقى خطبته وغادرنا، فعلينا أن نعيد اهتمامنا بمسألة الخطابة وتربية الكوادر السياسية حتى نجد يوما خطيبا مفوها مثل أوباما.