إقبال على التصالح في مخالفات البناء بشمال سيناء.. أول مواطنة تقدم طلب: سعيدة بصدور القانون.. والأهالي: تيسيرات كبيرة في الإجراءات    البورصة المصرية تربح 12 مليار جنيه في ختام التعاملات    مبعوث واشنطن السابق للشرق الأوسط: نتنياهو في مأزق    محترف لم يلعب.. المصري البورسعيدي يُعلن سبب إيقاف القيد 3 مواسم (خاص)    إليسا تطرح أحدث أعمالها «أنا سكتين»: «لكل معجب انتظر»    القبض على شخص لاتهامه بسرقة إطار سيارة في مدينة نصر    رئيس جامعة المنوفية يرأس اجتماع مجلس إدارة مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس    الليلة.. ختام فعاليات مهرجان بردية لسينما الومضة بالمركز الثقافي الروسي    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    بيان عاجل.. الكهرباء: تعديل جدول تخفيف الأحمال من الغد.. اعرف المواعيد الجديدة    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    محافظ بني سويف يشهد افتتاح مؤتمر مستقبل التعليم الفني للتمريض    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة المركزية الأمريكية    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    الشامي: حسام حسن علمني الالتزام في الملعب.. وأخبرني أنني أذكره بنفسه وهو صغير    ليبيا توقع على اتفاقية تنظيم النقل بالعبور الترانزيت بين دول الجامعة العربية    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    البورصة المصرية تربح 11.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه على نعمِه الكثيرة؟..د.عصام الروبي يوضح    رئيس "دينية الشيوخ": تعليم وتعلم اللغات يمهد لمقاصد شرعية كريمة    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئيس الصيني يتعهد ب"عدم نيسان" قصف الناتو للسفارة الصينية في بلجراد    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    برلماني: الاستجابة للمقترح المصري طوق النجاة لوقف نزيف الدم    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    في يومه العالمي.. تعرف على أكثر الأعراض شيوعا للربو    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوال السعداوى تكتب: قصة لم تنشر .. سقوط رئيس دولة

جمع أوراقه الشخصية، أرصدة وصفقات غير معلنة، خطابات غرامية سرية، ميداليات وأوسمة محفور عليها اسمه وأباه وجده، نهض من وراء مكتبه البيضاوى، جسمه ثقيل على غير العادة، قلبه مقبوض، قلق وخوف مكبوت منذ الطفولة.
زوجته جالسة فى البهو تنتظره، واضعة الساق فوق الساق، لم تنزل ساقها حين رأته كما كانت تفعل، يشمخ بأنفه فى حركة رجولية تذكره بأبيه:
- هيا بنا يا عزيزتى
تمتد ذراعه نحوها، رعشة خفيفة فى ساقيه، تتراءى له أمه وهو طفل يتعلم المشى، ويدها التى تمتد إليه قبل أن يسقط، يحرك عينيه بعيداً عن زوجته، يتفادى نظرة أمه لأبيه حين سقط.
يمشى إلى جوارها حتى سيارتهما الخاصة، ليست السوداء المهيبة يرفرف عليها العلم، وليس هناك الحرس المهيب بالبدل الرسمية والأزرار الذهبية، ولا الأيادى المرفوعة بالتحية، ولا الموسيقى تعزف النشيد الوطنى.
عيناه شاردتان من خلال النافذة، لم يعد العالم هو العالم، الكوبرى لم يعد الكوبرى، والأضواء لا تنعكس من السماء إلى الأرض.
زوجته جالسة إلى جواره صامتة، الصمت ثقيل يشبه الصمت فى بيت أبيه وهو طفل، وفى عينيها نظرة أمه.
فى كل فشل كان يرى هذه النظرة فى عينيها، طبق الأصل من نظرة أمه، كانت تنحنى أمام أبيه بفنجان الشاى وهو جالس الساق فوق الساق يقرأ الجريدة، أو وهو يتابع الأخبار على الشاشة، أو مبارة الكرة، وفى الصباح لا مانع من ذهابها إلى مكتبها فى المجلس الوطنى أو الحزب الجمهورى أو الجمعية الخيرية، وحصولها على المال والشهرة، بشرط أن يظل هو الرئيس فى الحزب والبيت والسرير.
إذا احتدم الخلاف يسود رأيه لأنه الرجل كما خلقه الله!، إنها إذن مشيئة الخالق سبحانه فى السماوات العليا:
- اسمعى يا هيلارى لن أكون أبداً مثل أبيك، ولن تكونى أبداً مثل أمى، ولن تنظرى إلىّ فى يوم من الأيام تلك النظرة.
لم تطاوعه زوجته طويلاً، تركه يشاهد البيسبول مثل أبيه، يذهب إلى عشيقاته، يعقد صفقاته السرية، لم يكن من سبب للصراع إلا تشبثه بذكورته الموروثة منذ العبودية، عيناه يثبتهما فى عينيها لإثبات الرجولة، لكن الرأى الصائب كان يسود فى النهاية بصرف النظر عن الجنس.
يشتد الصمت داخل السيارة، تفتح الزوجة جريدة الصباح، ترى صورته أصغر مما كانت، بضعة سطور تحت الصورة تقول:
- مسكين بيل كلينتون رغم ضعفه أمام النساء، كان عنيفاً مع الأعداء واتخاذ قرارات الحرب، لكن إخلاصه للوطن يغفر له خياناته الزوجية حسب مبادئ حضارتنا الإنسانية.
كانت أمه تتنبأ له بالفشل والتعاسة مثل أبيه، وأقسم بعد موت أمه أن يكذب نبوءتها، وأن ينجح وينجح حتى يسود العالم، فى السرير يحوم شبح أمه يؤكد له الفشل، يصحو كل يوم بإرادة أصلب من الحديد.
يوم فوزه بالحكم قال لأمه فى النوم:
- خابت نبوءتك يا أمى.
وحين أعلن الحرب ودكت قنابله العراق قال لها:
- أصدرت يا أمى قراراً يعجز عن إصداره أعتى الرجال.
من وراء الزجاج سمع زوجته تقول وهى واضعة الساق فوق الساق:
- وماذا أخذت يا بيل من كل هذا النجاح السياسى إلا انتصارات جنسية سرية؟
زم فمه المزموم من قبل وقال:
- تتكلمين الآن مثل أمى وقد أصبحت شكلها بالتجاعيد.
لم تسكت الزوجة كما كانت تسكت وقالت بصوت مرتفع لم يسمعه من قبل:
- وأنت أصبحت شكل أبيك بالتجاعيد والسعى لدى الفتيات لاستعادة الذكورة.
دب الصمت ثقيلاً طويلاً.. ثم عادت الزوجة إلى الحديث:
- الاستبداد والعنصرية وقتل الأبرياء والخضوع لشهوة المال والجنس هى بعض التهم الموجهة إليك.
قاطعها بعنف:
- أنت ترددين ما يقوله أعدائى!
- لا يا بيل أنا زوجتك المخلصة غفرت لك سقطاتك السياسية والجنسية لأنى كنت أحبك لأنى كنت أحبك فعلاً.
- كنت تحبيننى كنت!! يعنى أنك لا تحبيننى الآن يا هيلارى؟! هذا بالضبط ما يحدث لكل الزوجات حين يمر الزوج بأزمة، منذ طفولتى عرفت أن عش الزوجية وهم كبير يطيره الهواء فى لحظة.
قهقهت الزوجة حتى اهتز لقهقهتها الكون:
- أنا التى حافظت علِى هذا الوهم من أجل طفلتى وليس من أجلك، لولاى لطار هذا العش لأى نزوة من نزواتك العابرة، ومع ذلك أقسم لك أننى أحبك الآن أكثر مما كنت أحبك وأنت فى الحكم.
- طبعاً لأنك تحبين هزيمتى ولا تحبيننى أنا!
لمحت الدمعة من تحت اللمعة فى عينيه فأمسكت يده وتطلعت إلى الأفق:
- لم يبق لنا فى العمر كثير يا بيل، فلماذا لا نعيش فى سعادة، انظر يا حبيبى إلى أشعة الشمس المنعكسة على حمام السباحة.. هيا بنا نأخذ غطساً.
حرك الرئيس الساقط رأسه ناحية الأفق، وكانت السيارة قد وصلت القصر والشمس أوشكت على المغيب، وهو واقف إلى جوار زوجته فى الشرفة، راح يتأمل ألوان السماء المبهرة لحظة الغروب، خرج من صدره زفير عميق طويل من تحت حزام البنطلون المشدود حول بطنه، عيناه تذوبان فى ألوان الطيف، منذ طفولته لم يشهد هذه الألوان الساحرة، صمت طويلاً يمتص اللحظة بجفونه نصف المغلقة وبفتحات أنفه وشفتيه نصف المفتوحة.
تنهد هامساً لنفسه:
- الدنيا جميلة كما كانت، لكن الناس تغيرت، إنها طبيعة العبيد!
تبسمت زوجته بسخرية:
- وإنها طبيعة الأسياد أيضاً، فالسيد والعبد وجهان لعملة واحدة!
رشفت الزوجة من كوب الويسكى:
- ولماذا نلوم الطبيعة يا بيل.. لماذا نعلق آثامنا على الله؟ إنها الذكورة أو الرجولة والطموح ولذة السلطة.
- أليس هو الله الذى خلقنى ذكراً؟
- أنت لم تولد ذكراً ولكنك أصبحت ذكراً بالتربية والتعليم فى البيت والمدرسة والحزب، أصبحت ذكراً وفقدت إنسانيتك، تمسك الإنجيل فى يدك وتعلن قرار الحرب، ضاعفت عدد الفقراء فى العالم، وقتلت الأبرياء دون أن يرتعش لك رمش أو يطرف لك جفن، تغمض عينيك فى الصلاة، ثم تفتحهما كالفنجانين إن مرت فتاة، تنتصب رموشك حين ترى واحدة منهن، تخطب بصوت جهورى عن عدالة المسيح وتتحدث عن السلام ويداك مضرجة بدماء القتلى.
وهو راقد إلى جوارها فى السرير يسمع صوتها من تحت الوسادة، لا تكف عن الكلام وإن سكتت، فى بطنها مخزون من الكلام المضغوط تحت المشد المطاط، يضع وسادتين فوق رأسه ويعطيها ظهره، يواجه الحائط بعينيه المفتوحتين ويهمس:
- كيف اختزنت يا حبيبتى كل هذه الكراهية لى كل هذه السنين؟
- كنت أخاف يا حبيبى من رئيس الدولة.
- وأنا كنت أخاف منك يا زوجتى العزيزة.
يجهش بلا صوت فوق صدرها، وتجهش بلا صوت فوق صدره، أنفاسهما تختلط وصوتهما يختلط:
- ربما.. ربما نتخلص معاً من الخوف.
(كتبت فى القاهرة - يوليو 2004)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.