البطاطس والعنب.. أسعار الخضار والفاكهة اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025 في أسواق الشرقية    تحرك الدفعة ال 18 من شاحنات المساعدات إلى معبر كرم أبو سالم    ماكرون يدعو لتشديد العقوبات على روسيا حال فشل المفاوضات بينها وبين أوكرانيا    شقيقه وسام أبو علي تنشر 3 صور وتعلق    الأسعار الرسمية لكتب المدارس 2025/2026 وإجراءات صرفها خطوة بخطوة    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 19-8-2025 تهبط لأدنى مستوى خلال 3 أسابيع عالميًا    ذاكرة الكتب .. العلاقات الروسية الأمريكية من الحرب الباردة إلى السلام البارد    بعد مبادرة تخفيضات 15 سلعة، التموين تعلن حجم صرف المقررات التموينية عن شهر أغسطس    «ترقبوا الطرق».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الثلاثاء    إحالة أوراق المتهم بالتعدي على ابنة شقيقه بالفيوم للمفتي    بدقة تصل إلى 80%.. الذكاء الاصطناعي يتفوق في كشف الخرافات المتعلقة بقدرات الدماغ    ترجمات .. «دوجار» وروايته «فرنسا العجوز» لوحة جدارية للحرب والفقر والكساد    وداعا لتقديرات الأطباء، الذكاء الاصطناعي يحدد موعد ولادة الجنين بدقة 95 %    وزير الزراعة: نستهدف 12 مليار دولار صادرات زراعية هذا العام.. وإضافة 3 ملايين فدان خلال 3 سنوات    الماريجوانا على رأس المضبوطات.. جمارك مطار القاهرة تحبط محاولات تهريب بضائع وأسلحة بيضاء ومخدرات    مخاطر الخلط بين أبحاث علوم الفضاء وفقه أحكام الفضاء    إصابة عامل إثر حريق داخل مطعم فى منطقة التجمع    5 شهداء جنوب شرقى مدينة دير البلح    نطور في المطور بمناهجنا    السوبر السعودي: خورخي خيسوس «عقدة» الاتحاد في الإقصائيات    الزمالك يطمئن جماهيره على الحالة الصحية ل«فيريرا»    تحت عنوان «حسن الخُلق».. أوقاف قنا تُعقد 131 قافلة دعوية لنشر الفكر المستنير    فرصة لطلاب المرحلة الثالثة.. تعرف الجامعات والمعاهد في معرض أخبار اليوم التعليمي    رسميًا بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025    ترامب: أوروبا ستقدم الضمانات الأمنية لأوكرانيا    لو فعلها ترامب!!    مستند.. التعليم تُقدم شرحًا تفصيليًا للمواد الدراسية بشهادة البكالوريا المصرية    "الجبهة الوطنية بالفيوم" ينظم حوارًا مجتمعيًا حول تعديلات قانون ذوي الإعاقة    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    ما صحة إدعاءات دولة إسرائيل «من النيل إلى الفرات» في التوراة؟ (أستاذ تاريخ يوضح)    إيمي طلعت زكريا: أحمد فهمي سدد ديون بابا للضرائب ونجم شهير صدمنا برده عندما لجأنا إليه (فيديو)    تفاصيل إصابة علي معلول مع الصفاقسي    عشبة رخيصة قد توفّر عليك مصاريف علاج 5 أمراض.. سلاح طبيعي ضد التهاب المفاصل والسرطان    قد يسبب تسارع ضربات القلب.. 6 فئات ممنوعة من تناول الشاي الأخضر    هز الضمير الإنساني.. وفاة الطفل الفلسطيني "عبد الله أبو زرقة" صاحب عبارة "أنا جعان"    محافظ سوهاج يُقرر خفض تنسيق القبول بالثانوي العام إلى 233 درجة    موعد مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني والقناة الناقلة    إنزال الكابل البحري «كورال بريدج» في العقبة بعد نجاح إنزاله في طابا    مفاجأة حول عرض لانس الفرنسي لضم ديانج من الأهلي    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    جمال الدين: نستهدف توطين صناعة السيارات في غرب بورسعيد    أحدث صيحات موضة الأظافر لعام 2025    رئيس وزراء السودان يوجه نداء إلى الأمم المتحدة بشأن مدينة الفاشر ويطالبها بالتدخل فورا    شام الذهبي في جلسة تصوير رومانسية مع زوجها: مفيش كلام يتقال    حدث بالفن | مطرب مهرجانات يزيل "التاتو" وإصابة فنانة وتعليق نجل تيمور تيمور على وفاة والده    "رشاقة وفورمة الساحل".. 25 صورة لنجوم ونجمات الفن بعد خسارة الوزن    موعد مباراة بيراميدز والمصري في الدوري الممتاز والقناة الناقلة    98.5 مليار جنيه حصيلة أرباح البنوك التجارية والصناعية بنهاية العام المالي    محافظ الدقهلية يفتتح حمام سباحة التعليم بالجلاء بتكلفة 4.5 مليون جنيه.. صور    محاولة تهريب عملات ومخدرات.. مباحث مطار القاهرة تحقق ضربات أمنية ناجحة    إطلاق حملة لرفع وعي السائقين بخطورة تعاطي المخدرات    «لو العصير وقع علي فستان فرحك».. حيل ذكية لإنقاذ الموقف بسرعة دون الشعور بحرج    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    رئيس «جهار» يبحث اعتماد المنشآت الصحية بالإسكندرية استعدادآ ل«التأمين الشامل»    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوال السعداوى تكتب: قصة لم تنشر .. سقوط رئيس دولة

جمع أوراقه الشخصية، أرصدة وصفقات غير معلنة، خطابات غرامية سرية، ميداليات وأوسمة محفور عليها اسمه وأباه وجده، نهض من وراء مكتبه البيضاوى، جسمه ثقيل على غير العادة، قلبه مقبوض، قلق وخوف مكبوت منذ الطفولة.
زوجته جالسة فى البهو تنتظره، واضعة الساق فوق الساق، لم تنزل ساقها حين رأته كما كانت تفعل، يشمخ بأنفه فى حركة رجولية تذكره بأبيه:
- هيا بنا يا عزيزتى
تمتد ذراعه نحوها، رعشة خفيفة فى ساقيه، تتراءى له أمه وهو طفل يتعلم المشى، ويدها التى تمتد إليه قبل أن يسقط، يحرك عينيه بعيداً عن زوجته، يتفادى نظرة أمه لأبيه حين سقط.
يمشى إلى جوارها حتى سيارتهما الخاصة، ليست السوداء المهيبة يرفرف عليها العلم، وليس هناك الحرس المهيب بالبدل الرسمية والأزرار الذهبية، ولا الأيادى المرفوعة بالتحية، ولا الموسيقى تعزف النشيد الوطنى.
عيناه شاردتان من خلال النافذة، لم يعد العالم هو العالم، الكوبرى لم يعد الكوبرى، والأضواء لا تنعكس من السماء إلى الأرض.
زوجته جالسة إلى جواره صامتة، الصمت ثقيل يشبه الصمت فى بيت أبيه وهو طفل، وفى عينيها نظرة أمه.
فى كل فشل كان يرى هذه النظرة فى عينيها، طبق الأصل من نظرة أمه، كانت تنحنى أمام أبيه بفنجان الشاى وهو جالس الساق فوق الساق يقرأ الجريدة، أو وهو يتابع الأخبار على الشاشة، أو مبارة الكرة، وفى الصباح لا مانع من ذهابها إلى مكتبها فى المجلس الوطنى أو الحزب الجمهورى أو الجمعية الخيرية، وحصولها على المال والشهرة، بشرط أن يظل هو الرئيس فى الحزب والبيت والسرير.
إذا احتدم الخلاف يسود رأيه لأنه الرجل كما خلقه الله!، إنها إذن مشيئة الخالق سبحانه فى السماوات العليا:
- اسمعى يا هيلارى لن أكون أبداً مثل أبيك، ولن تكونى أبداً مثل أمى، ولن تنظرى إلىّ فى يوم من الأيام تلك النظرة.
لم تطاوعه زوجته طويلاً، تركه يشاهد البيسبول مثل أبيه، يذهب إلى عشيقاته، يعقد صفقاته السرية، لم يكن من سبب للصراع إلا تشبثه بذكورته الموروثة منذ العبودية، عيناه يثبتهما فى عينيها لإثبات الرجولة، لكن الرأى الصائب كان يسود فى النهاية بصرف النظر عن الجنس.
يشتد الصمت داخل السيارة، تفتح الزوجة جريدة الصباح، ترى صورته أصغر مما كانت، بضعة سطور تحت الصورة تقول:
- مسكين بيل كلينتون رغم ضعفه أمام النساء، كان عنيفاً مع الأعداء واتخاذ قرارات الحرب، لكن إخلاصه للوطن يغفر له خياناته الزوجية حسب مبادئ حضارتنا الإنسانية.
كانت أمه تتنبأ له بالفشل والتعاسة مثل أبيه، وأقسم بعد موت أمه أن يكذب نبوءتها، وأن ينجح وينجح حتى يسود العالم، فى السرير يحوم شبح أمه يؤكد له الفشل، يصحو كل يوم بإرادة أصلب من الحديد.
يوم فوزه بالحكم قال لأمه فى النوم:
- خابت نبوءتك يا أمى.
وحين أعلن الحرب ودكت قنابله العراق قال لها:
- أصدرت يا أمى قراراً يعجز عن إصداره أعتى الرجال.
من وراء الزجاج سمع زوجته تقول وهى واضعة الساق فوق الساق:
- وماذا أخذت يا بيل من كل هذا النجاح السياسى إلا انتصارات جنسية سرية؟
زم فمه المزموم من قبل وقال:
- تتكلمين الآن مثل أمى وقد أصبحت شكلها بالتجاعيد.
لم تسكت الزوجة كما كانت تسكت وقالت بصوت مرتفع لم يسمعه من قبل:
- وأنت أصبحت شكل أبيك بالتجاعيد والسعى لدى الفتيات لاستعادة الذكورة.
دب الصمت ثقيلاً طويلاً.. ثم عادت الزوجة إلى الحديث:
- الاستبداد والعنصرية وقتل الأبرياء والخضوع لشهوة المال والجنس هى بعض التهم الموجهة إليك.
قاطعها بعنف:
- أنت ترددين ما يقوله أعدائى!
- لا يا بيل أنا زوجتك المخلصة غفرت لك سقطاتك السياسية والجنسية لأنى كنت أحبك لأنى كنت أحبك فعلاً.
- كنت تحبيننى كنت!! يعنى أنك لا تحبيننى الآن يا هيلارى؟! هذا بالضبط ما يحدث لكل الزوجات حين يمر الزوج بأزمة، منذ طفولتى عرفت أن عش الزوجية وهم كبير يطيره الهواء فى لحظة.
قهقهت الزوجة حتى اهتز لقهقهتها الكون:
- أنا التى حافظت علِى هذا الوهم من أجل طفلتى وليس من أجلك، لولاى لطار هذا العش لأى نزوة من نزواتك العابرة، ومع ذلك أقسم لك أننى أحبك الآن أكثر مما كنت أحبك وأنت فى الحكم.
- طبعاً لأنك تحبين هزيمتى ولا تحبيننى أنا!
لمحت الدمعة من تحت اللمعة فى عينيه فأمسكت يده وتطلعت إلى الأفق:
- لم يبق لنا فى العمر كثير يا بيل، فلماذا لا نعيش فى سعادة، انظر يا حبيبى إلى أشعة الشمس المنعكسة على حمام السباحة.. هيا بنا نأخذ غطساً.
حرك الرئيس الساقط رأسه ناحية الأفق، وكانت السيارة قد وصلت القصر والشمس أوشكت على المغيب، وهو واقف إلى جوار زوجته فى الشرفة، راح يتأمل ألوان السماء المبهرة لحظة الغروب، خرج من صدره زفير عميق طويل من تحت حزام البنطلون المشدود حول بطنه، عيناه تذوبان فى ألوان الطيف، منذ طفولته لم يشهد هذه الألوان الساحرة، صمت طويلاً يمتص اللحظة بجفونه نصف المغلقة وبفتحات أنفه وشفتيه نصف المفتوحة.
تنهد هامساً لنفسه:
- الدنيا جميلة كما كانت، لكن الناس تغيرت، إنها طبيعة العبيد!
تبسمت زوجته بسخرية:
- وإنها طبيعة الأسياد أيضاً، فالسيد والعبد وجهان لعملة واحدة!
رشفت الزوجة من كوب الويسكى:
- ولماذا نلوم الطبيعة يا بيل.. لماذا نعلق آثامنا على الله؟ إنها الذكورة أو الرجولة والطموح ولذة السلطة.
- أليس هو الله الذى خلقنى ذكراً؟
- أنت لم تولد ذكراً ولكنك أصبحت ذكراً بالتربية والتعليم فى البيت والمدرسة والحزب، أصبحت ذكراً وفقدت إنسانيتك، تمسك الإنجيل فى يدك وتعلن قرار الحرب، ضاعفت عدد الفقراء فى العالم، وقتلت الأبرياء دون أن يرتعش لك رمش أو يطرف لك جفن، تغمض عينيك فى الصلاة، ثم تفتحهما كالفنجانين إن مرت فتاة، تنتصب رموشك حين ترى واحدة منهن، تخطب بصوت جهورى عن عدالة المسيح وتتحدث عن السلام ويداك مضرجة بدماء القتلى.
وهو راقد إلى جوارها فى السرير يسمع صوتها من تحت الوسادة، لا تكف عن الكلام وإن سكتت، فى بطنها مخزون من الكلام المضغوط تحت المشد المطاط، يضع وسادتين فوق رأسه ويعطيها ظهره، يواجه الحائط بعينيه المفتوحتين ويهمس:
- كيف اختزنت يا حبيبتى كل هذه الكراهية لى كل هذه السنين؟
- كنت أخاف يا حبيبى من رئيس الدولة.
- وأنا كنت أخاف منك يا زوجتى العزيزة.
يجهش بلا صوت فوق صدرها، وتجهش بلا صوت فوق صدره، أنفاسهما تختلط وصوتهما يختلط:
- ربما.. ربما نتخلص معاً من الخوف.
(كتبت فى القاهرة - يوليو 2004)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.