شاهدت بعينى نواباً بسطاء، يبسطون أكفهم بالدعاء للدكتور عبدالحميد أباظة، مساعد وزير الصحة، المكلف بالاتصال السياسى مع نواب الشعب والشورى، والمفوض من الوزير بتوقيع قرارات العلاج على نفقة الدولة. بعض هذه الأدعية يبدو مفرطاً فى السذاجة إلا أنه يلمس كبد الحقيقة، خاصة حين يقف نائب ينتمى للحزب الوطنى، ويبدو أنه يجيد قراءة اسمه بالكاد ليقول لأباظة: «أنا قلت للوزير إنه لولا القرارات اللى بيمضيها الدكتور أباظة كنا سقطنا كلنا فى الانتخابات»، وزاد النائب مفصلاً حديثه بقوله: «الحكومة وقّفت كل حاجة.. التعيينات والخدمات، ومعدش فاضل غير العلاج»، حتى إن أحدهم وقع عشرات القرارات ثم حملها تحت إبطه، وغادر فسقطت ورقتان فنادى عليه أباظة متندراً: «الحق يا سيادة النائب فيه صوتين وقعوا منك». بسبب هذا المشهد تحديداً أقدر كثيراً حالة الغضب التى تنتاب كثيراً من النواب حالياً بسبب قرار الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة، بوضع سقف لقرارات العلاج التى يزكيها كل نائب فى الشهر بإجمالى خمسين ألف جنيه شهرياً، بعد أن اكتشفت الوزارة أن بعض النواب يسىء استخدام هذه القرارات، وبعضهم حصل على قرارات ب44 مليون جنيه فى شهر واحد. جزء من هذه الأزمة أن النظام الانتخابى الفردى، فى مجتمعات لا تمتلك ثقافة قراءة البرامج الانتخابية، يحول نائب الشعب إلى مجرد عضو فى مجلس محلى، دوره نقل عمود كهرباء، وتحويل ممرضة من العمل فترة مسائية إلى فترة صباحية، وضمان متهم فى قسم شرطة لتنفيذ قرار بإخلاء سبيله، وجزء آخر أن النظام العلاجى التكافلى فى المجتمع تحول من حق إلى استثناء، ومن واجب على الدولة إلى منحة منها، تقدمها للبعض دون الكل، وتجعل هناك وسيطاً بينها وبين المريض اسمه نائب الدائرة. من مصلحة هذا النوع من النواب أن يستمر هذا الوضع، وأن يبقى علاج المواطن البسيط مرهوناً بتزكية منهم، بما يعنى تسجيل «خدمة مباشرة» فى مرمى المواطن تضمن صوته، لذلك هم غاضبون جداً من قرار الجبلى، ويهددون بالويل والثبور، وبعضهم دعا المرضى فى دوائر النواب الممنوعين إلى تنظيم وقفات احتجاجية ضد قرار الجبلى، وهم فى أغلبهم نواب من الأغلبية، يناضلون، اليوم، مستخدمين آليات المعارضة فى الاحتجاج للحفاظ على مكاسبهم، وعلى علاقة شاذة بينهم ووزارة الصحة تضمن احتياج المواطن، وتجبره على طرق باب النائب كلما طرق المرض منطقة فى جسده. لم نشاهد هؤلاء النواب يحاولون النضال بتلك الحماسة من أجل إقرار نظام صحى أكثر عدالة وكفاءة، ويضمن خدمة صحية آدمية للجميع، لمن يحملون تزكيات النواب وكروتهم الشخصية، ومن لا يحملون، لم يناضلوا لتحرير أبناء دائرتهم من التبعية والاحتياج، حتى لا يخسروا المعارك الانتخابية القادمة. هم يفضلون البقاء فى خانة «نواب الخدمات الشخصية»، ويفضلون الوقوف أمام أبواب وكلاء الوزارات ومديرى الإدارات لقضاء حاجات مواطنين، والأصل أن يستخدموا مكانتهم ووضعهم التشريعى والرقابى فى الوصول لجهاز إدارى يخدم الجميع بكفاءة وعدالة ودون وساطة، لكن الحق يقال إن هذا النوع من النواب مستفيد من هذا الخلل الإدارى، ويتربح من هذا الوضع العام الذى يمنح البعض بالتزكيات فقط لا غير. الأصل فى العلاج أن يكون للجميع.. حقاً لا منحة، فإذا أراد النواب خيراً فليستعيدوا لنا هذا الحق وفقط. [email protected]