يبدو أن «مقعد الرئاسة» فى مصر صار «كلمة السر» فى المشروع الإسرائيلى الجديد لتسوية القضية الفلسطينية بصورة لا تكلف تل أبيب ما فى وسعها فعلا، فقد استقر المفاوضان الإسرائيلى والفلسطينى بعد سنوات طويلة من الجلوس المتقطع إلى طاولة المفاوضات على أن حل الدولتين لشعبين هو الحل الأمثل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى. وتوصل الطرفان خلال مؤتمر كامب ديفيد الثانى برعاية الرئيس «بيل كلينتون» إلى انسحاب إسرائيل من حوالى 90% من أراضى الضفة الغربية، والانسحاب الكامل من قطاع غزة. وبات واضحا أن «إسرائيل 2010» تعتقد أنها قادرة على شراء «السلام والأمن»، وتسديد الثمن من «جيب» القاهرة وعمان وبعض الدول الغربية، فى صورة تراب مصرى «مقدس» يستحيل إلى وطن بديل للفلسطينيين بعيدا عن أراضيهم ووطنهم، وحقوقهم القانونية فى فلسطين، وحزمة إغراءات اقتصادية ومعنوية للقاهرة وعمان، والفلسطينيين أيضا. ويتصور اللواء احتياط «جيورا أيلاند»، مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق، أن «الوريث» القادم لحكم مصر أيا كان اسمه أو رسمه قادر على تجاهل دماء الشهداء المصريين التى اختلطت بتراب سيناء، للحصول على جائزة «نوبل للسلام» التى فقدت كثيرا من مصداقيتها بعدما تسلمها شمعون بيريز، سفاح قانا، وإسحق رابين، صاحب أوامر تكسير عظام أطفال الحجارة. والمؤكد أن هذا المشروع الإسرائيلى المعنون ب«البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين» صار يمثل الحل المريح بالنسبة لقادة إسرائيل وصناع قرارها، وجرت، وتجرى جهود محمومة لإقناع الإدارة الأمريكية بجدواه، وقدرته على إنهاء الصراع، لكن أخطر ما فى هذا المشروع الذى تنشر «المصرى اليوم» نصه أنه يكشف عن النوايا الإسرائيلية تجاه سيناء التى فشلت إسرائيل فى إحكام قبضتها العسكرية عليها مرتين، عقب احتلالها الأول أثناء العدوان الثلاثى عام 1956، واحتلالها الثانى عام 1967. وتحاول إسرائيل، اليوم، أن تحصل بمشروعات سلام زائفة، على ما فشلت فى الحصول عليه بالحروب التوسعية فى صحراء سيناء. والمدهش أن أصواتاً صاخبة هنا وهناك، تهاجم الإجراء الاحترازى الذى ترتبه مصر، بقبضة فولاذية ربما، على الحدود الفلسطينية. ولا تلتفت هذه الأصوات للمخططات الإسرائيلية المعلنة لإحكام الحصار على غزة، ودفع سكانها إلى سيناء لتتحول، بفعل الأمر الواقع، إلى «وطن بديل للفلسطينيين»، بما يتيح لآخر دول الاحتلال العسكرى فى العالم المعاصر أن تهرب من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الخاضع لحكمها العسكرى، وأن تهرب بغنيمة ضخمة من أراضى الضفة ثم تدفع مصر الثمن، وتسلم «صحراء بلا شعب، لشعب مغتصب الأرض». إن الكشف عن النوايا التوسعية الإسرائيلية ليس الدرس الوحيد المستفاد من هذه الدراسة، وربما يكون الدرس الأكثر أهمية هو تعمق تل أبيب فى بحث جميع المشكلات الداخلية المصرية، بدءا من غموض مستقبل الإصلاح الديمقراطى، مرورا بأزمة المياه الناشئة فى وادى النيل، وليس نهاية بتراجع الدور المصرى، ومحاولة استغلال هذه المشكلات لتحقيق أحلامها التوسعية فى سيناء بضغوط السياسة هذه المرة، بدلا من ضغوط البندقية. ولا شك أن مواجهة الأطماع الإسرائيلية هذه المرة لن تكون بقوة السلاح، ولكن بقوة السياسة، أو بعبارة أخرى، «عندما يأتى (وريث ديمقراطى) يحترم التراب الوطنى، ويحافظ على مفهوم السيادة المصرية».