فى ولاية داكوتا الجنوبية بأمريكا، يوجد نُصُبٌ تذكارىّ وطنىّ مَهيب، يجتذب نحوًا من مليونَىْ سائح كلَّ عام. قام الأمريكان، فى الفترة بين 1927-1941، بنحْت وجوه أربعة من رؤساء أمريكا الأُوَل على واجهة جبل راشمور الجرانيتىّ Mount Rushmore، فى منطقة التلال السود. الرؤساء، بالترتيب من اليسار إلى اليمن: جورج واشنطن (الرئيس رقم1، حكم عام 1789)، توماس جِفرسون (رقم 3)، تيودور روزفلت (رقم 26)، ثم إبرام لنكولن (رقم 16). اختير الرؤساءُ الأربعةُ أولئك (من بين الواحد وثلاثين رئيسًا، حتى وقت تشييد النصب) لدورهم البارز فى ترسيخ مبادئ الجمهورية، خلال أول مئة وخمسين عامًا من عُمر الدولة المعجزة أمريكا: الطفلة النحيلة بمقياس التاريخ والحضارات (عمرُها فقط قرنان وعقدان!)، الغول الجبار فى مقياس التطور والوثب العجول على سُلَّم العِلْم! حدث ذلك فى أمريكا، أما فى مصر، فلم نفوِّت فرصةَ التقليد، لأننا قومٌ نأخذ بأسباب التقدّم عن طريق مواكبة الدول المتقدمة! فعلنا الشىء ذاته فى مدينة الشيخ زايد، ثمة نُصُب تذكارىّ منحوتٌ عليه وجوهٌ مصرية أربعةٌ كذلك.. الفارقُ أنه مصبوبٌ وليس نحتًا فى جبل، وثمة فارقٌ آخر، فى جبل راشمور، لن تحارَ أبدًا فى إدراك الرابط بين الوجوه الأربعة المنحوتة، منذ اللحظة الأولى؛ أما فى الشيخ زايد فسوف تحار، الوجوه الأربعة هى: محمد أنور السادات، نجيب محفوظ، أحمد زويل، محمد حسنى مبارك، تُرى ما الرابطُ بينهم؟ لو كان الرابطَ جنسيتُهم المصريةُ، فكان لابد أن يضمَّ النصبُ التذكارىّ ثمانين مليون وجه! ولو كان الرابطُ أنهم زعماءُ مصر، (مثل فكرة جبل راشمور)، فكان لابد من إقصاء نجيب محفوظ وأحمد زويل، وإضافة جمال عبدالناصر، ومحمد نجيب، وربما، لو أنصفنا، الملك فاروق وفؤاد وصولاً إلى العظيم محمد على باشا الكبير، أما لو كان الرابطُ (كما يقول القارئ بالتأكيد الآن)، هو الحصول على جائزة نوبل، فكان لابد من وجود محمد البرادعى (ربما يفسِّرُ غيابَه حصولُه على نوبل بعد إنشاء النصب)، وهنا، فى تلك الحال، فليس من سبب لوجود الرئيس مبارك فى النصب التذكارىّ! وأرجو ألا يقولن أحدٌ إن المدينة، بنصبها التذكارى، شُيّدت فى عهده! (وهنا أذكِّركم بعدم وجود أىٍّ من الرؤساء: كلفين كولدج، هربرت هوفر، فرانكلين روزفلت، هارى ترومان، الذين حكموا أمريكا فى الفترة من 1923- 1945، مدّة بناء النصب الوطنىّ الأمريكى). ذلك لونٌ من المداهنة الفجّة، بالتأكيد لم تكن تروق للرئيس مبارك نفسه، لو كان استُشير فى الأمر! سيقول قائلٌ: إن ثقافتنا العربية، وربما بروتوكولها السياسىّ، ينادى بوجود صور الرئيس الراهن، فى كل عصر، على صدر أى مؤسسة حكومية، أو منشأة سياحية، مادامت شُيِّدَت فى عهده! وسأقول: إن لم يكن من ذلك بدٌّ، فشيّدوا للرئيس، إن شئتم، تمثالاً منفردًا، فى أى مكان تريدون، فقط بمنأى عن نُصُب تذكارىّ له رسالةٌ محددة؛ هى أن يقول للعالم: «إن مصر، وحدَها، فازت بجائزة نوبل مراتٍ أربعًا»، فقط حتى تصفوَ فكرةُ النُّصُب، وتصلَ رسالتُه! [email protected]