ما أصعب أن تتقدم بنصيحة لصديق لم يطلبها منك.. وتزداد الصعوبة إن جاءت نصيحتك فى وقت يظنه صديقك لحظات تألقه وانتصاره واستحقاقه لكل ما كان ينتظره ويريده من مكانة واعتبار.. والأصعب من ذلك كله أن تأتى نصيحتك لصديقك وقد أصبح رئيسا يشير إليه الجميع ويحاصرونه بالضجيج والصخب فتصبح نصيحتك وسط هذا المناخ النغمة النشاز التى لا يريدها أحد.. ولكننى لا أبالى بذلك كله وأتقدم بنصيحتى لهانى أبوريدة الذى تسلم منذ يوم واحد فقط مهمته كرئيس لاتحاد الكرة.. وفى الواقع هى ليست نصيحة واحدة.. إنما عشر نصائح أكتبها وأتركها لأبوريدة شاعرا بأننى التزمت معه بقواعد الصداقة وواجبها وأمانتها أيضا.. ونصيحتى الأولى له هى أن يسأل نفسه سراً أين هم رجال سمير زاهر الآن.. أين الذين كانوا يسيرون وراء الرئيس السابق يشيدون بحكمته وعظمته وقدرته.. لم يبق منهم أحد بجوار زاهر.. كلهم شطبوا فجأة من ذاكرتهم كل ما قدمه لهم زاهر وما أعطاه لهم وتجاوزاته التى كانت من أجلهم ومصالحهم الشخصية.. وبالقطع سيتشكل بسرعة فريق المستفيدين من أبوريدة كرئيس جديد.. وهم الذين سيشرعون على الفور فى مهمتهم المقدسة لإفساد أبوريدة.. فليس هناك رئيس يفسد من تلقاء نفسه.. والرؤساء ليسوا كالتفاحات يصيبها العطن إن بقيت يوما خارج الثلاجات.. إنما هم دائما الرجال حول الرئيس.. الذين يزينون طول الوقت للرئيس أنه الأقوى والأذكى والأكثر حكمة ووعيا وإدراكا.. ثم يبنون حوله سورا عاليا يحجب الرؤية والفهم والإحساس.. ليبدأوا هم مهامهم التى لا تحتمل التأجيل فى حصد أكبر مكاسب ممكنة.. وكلها تتم للأسف باسم الرئيس.. وهؤلاء الرجال غالبا أول من سيقفز من المركب حين توشك على الغرق بالرئيس.. أنصح أبوريدة أيضا بألا يفتح أذنيه فقط لمن سيقول له دوما إنه على صواب.. فهؤلاء دائما كثيرون تفيض بهم صالونات الرؤساء ومحافلهم.. يؤمنون بأن أى رئيس أبدا لا يخطئ أو يمكن أن يأتيه الباطل من خلفه أو أمامه.. وسرعان ما يصدقهم الرئيس نفسه ويسير وراءهم شاعرا بأن كل من يختلف معه هو فاسد أو مغرض أو حاقد أو عميل أو مجنون.. ولو سلم أبوريدة نفسه لهؤلاء الأفاكين فسيصبح نسخة جديدة من الملك لير فى مسرحية شكسبير الشهيرة.. الملك الذى أصبح إلهاً لأنه وجد الجميع يركعون أمامه.. أنصح أبوريدة أيضا بألا يتعامل مع المقعد الجديد وكأنه بات يملكه للأبد.. فهو حتى وقت قريب كان مقعدا لزاهر.. وقد يكون قريبا جدا مقعدا لرجل ثالث ليس فى حسبان أحد.. وبالتالى فلا تاريخ الكرة المصرية سيبدأ بأبوريدة ولن تكف الكرة المصرية عن الدوران إن اختفى أبوريدة.. وأقول لأبوريدة، أيضا إن أى محاولة له لإرضاء رجاله المقربين على حساب الحقيقة والناس ليس تصرفا بطوليا أو يمكن الاعتزاز به باعتباره من شيم الرجال المخلصين لأصدقائهم.. فإهدار الحقوق وتضييعها إرضاء لصديق أو تابع هو قطعا جريمة مهما كانت دوافعها ومبرراتها.. وأنصح أبوريدة أيضا بأن ينسى مؤقتا مجده الشخصى بعدما أصبح الرئيس.. فالتاريخ يؤكد أن كل الذين جروا وراء أمجادهم الذاتية نسيهم التاريخ ولم يحتفظ إلا بالذين انحاوزا للناس وكانوا طول الوقت للناس ووسط الناس. [email protected]