«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاوى العندليب كما يرويها طبيبه هشام عيسى :عبدالحليم رفض فيلمًا ليوسف شاهين
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 04 - 2010

«حل عيد الربيع يوم الحادى والثلاثين من مارس عام 1977 يومها هبت عاصفة خماسينية ملأت جو القاهرة بتراب يخنق الأنفاس مما أضفى على ذلك اليوم طابعا كئيبا. وحتى وقت متأخر من النهار كنت ما أزال نائما فاليوم عطلة، وأنا مرهق أتطلع إلى راحة حرمت منها لوقت طويل، صحوت على رنين التليفون كان أحد الأصدقاء وجاءنى صوته مخنوقا: آسف إن كنت أيقظتك فالأمر مهم. وللحظة خطر بالى أن أستعد لمعاينة حالة مرضية طارئة وبعد تردد استمر قائلا: حليم.. تعيش أنت.
ساد صمت وكنت أحاول أن أستوعب ما يقال. كان حليم فى رحلة علاج إلى لندن هى أول رحلة لا أرافقه خلالها منذ سنوات.
هذا جزء من مذكرات الدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص للفنان عبدالحليم حافظ، التى تصدر عن دار الشروق تحت عنوان «حليم وأنا»، وهى مذكرات مكتوبة بمداد الدم.. بدا فيها د.هشام أنه يجرح ويعصب، يسحق ولكن يديه تشفيان. هذا الشفاء الذى يقدمه الدكتور عيسى عن حياة حليم عاب عليه الكاتب الكبير منير عامر فى تقديمه للمذكرات قائلا: «ولم يكشف لنا عن واقع الصغائر التى كان يرتكبها هذا العظيم، إما لأن هشام آثر أن يكرم المريض الصديق، وإما لأنه لم يرغب فى أن يقول لنا كم من الخطايا التى أقدم عليها عبدالحليم بحسن نية أو للحفاظ على المكانة فى الحروب الفنية الشرسة، فهو لم يتذكر مثلا قصة صعود هانى شاكر، وكيف أرق هذا الشعور مطربنا الكبير».
بداية الذكريات
بدأ هشام عيسى مذكراته متسائلا: نبتدى منين الحكاية؟!. وطرح عيسى هذا السؤال؛ لأنه قرأ معظم ما كتب عن حليم وشاهد بعض ما صور من أفلام أو حلقات، واستمع إلى مسلسلات إذاعية، فقرر أن كثيرا مما ورد فيها خالف أو جاوز الحقيقة رغم سلامة النية أحيانا. بعد ذلك التأكيد بالطبع ينتظر القارئ أن يعرف حقيقة حليم، لكنها ستكون من وجهة نظر الدكتور هشام عيسى.
دخل د.عيسى فى موضوعه الأهم مباشرة فقال: كما هى العادة راجت شائعات تقول إن حليم كان مريضا بسرطان المعدة، ولم يكن ذلك صحيحا. ونقل لنا د. هشام صدمته من خبر رحيل حليم فى أول رحلة علاج لم يشارك فيها. وقال إن مقدمات ذلك اليوم الحزين بدأت قبل سبع سنوات، ففى أواخر شهر سبتمبر سنة 1970 كان حليم يبدأ إجازته الصيفية كالمعتاد فى الفيللا الخاصة به فى العجمى، وكان من المقرر أن يستمر هناك حتى نهاية أكتوبر حيث كان العجمى يخلو تماما من رواده فى ذلك الوقت. تركت والكلام هنا للدكتور عيسى حليم يوم 27 سبتمبر لأمور كنت أريد قضاءها فى القاهرة على أن أعود مساء اليوم التالى، بعد أن انتهيت من عملى وقبل أن أبدأ العودة إلى العجمى قطعت إذاعة القاهرة برامجها لتعلن خبر رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، وقامت القيامة فى القاهرة وأعلنت حالة الطوارئ فلم أتمكن من المغادرة إلى الإسكندرية؛ كنت فى ذلك الوقت ما أزال أعمل كطبيب فى القوات المسلحة وقبل ذلك كنت عضوا فى الفريق الطبى المسئول عن سلامة رئيس الجمهورية أثناء تحركاته، فكان طبيعيا مع حالة الطوارئ أن ألزم القاهرة ولا أستطيع السفر.
استمع حليم إلى النبأ فأطاحت الصدمة بصوابه وانطلق يضرب المرآة بيديه ثم برأسه لم يكن الأمر مقتصرا على مجرد الحزن على الزعيم الذى أسبغ عليه الصداقة والرعاية بل كان هناك الإحساس بالخوف المروع من خطر يحدق بالوطن، الذى يحتل العدو جزءا عزيزا منه.
وهنا أطل شبح النزيف المخيف. خرجت من فمه كمية من الدماء مصدرها دوالى المرىء تلك القنبلة، التى يحملها داخله وتهدده بالانفجار فى أى وقت، لم يكن فى الجوار أى وسيلة إسعاف فحمله مرافق كان معه إلى مستشفى المواساة بمدينة الإسكندرية وحين وصل هناك كان النزيف قد توقف ولكن الطبيب المناوب الذى استقبله تسرع بنقل زجاجة دم إليه لم يكن حليم فى حاجة إليها فمثل ذلك النزيف يمكن السيطرة عليه بوسائل أخرى، ولم يعلم الطبيب ولا أى واحد منا أن هذه الزجاجة ستقضى عليه.
ويكمل عيسى: بعد يومين تمكنت من السفر إلى الإسكندرية مع شقيقته المرحومة علية وتوجهنا على الفور إلى مستشفى المواساة كانت حالته مستقرة فاصطحبناه إلى القاهرة وبعد حوالى شهر ونصف الشهر فوجئت بظهور أعراض التهاب كبدى وبائى على حليم. فقد كانت زجاجة الدم الذى نقل إليه تحتوى على فيروس «ب». ليلتها جلست مع المرحوم الأستاذ الدكتور ياسين عبدالغفار والتشاؤم يخيم علينا أدركنا أن تحولا خطيرا قد حدث فى مجرى المرض تحولا ينذر بأن الأمر سيكون أشد خطورة وأن العلاج سوف يكون أصعب.
فكما هو معروف كان حليم قد أصيب بالبلهارسيا المعوية منذ طفولته، والتى سببت له تليفا كبديا من نوع معين، حيث إن تليف البلهارسيا، كما قال د.عيسى، يحدث خارج منظومة خلايا الكبد ورغم أنه يسبب ارتفاعا فى ضغط الدورة الدموية الكبدية وتضخما بالطحال ودوالى المرىء معرضة للنزيف فإن خلايا الكبد تبقى سليمة، وبالتالى تبقى وظائف الكبد بحالة جيدة.
وظل الأمر مقتصرا حتى ذلك الوقت على التصدى للنزيف ومحاولة الوقاية منه وإيقافه عندما يحدث. أما وقد أضيف إلى ذلك التهاب فيروسى فإن التليف يصبح مزدوجا ويغزو الفيروس خلايا الكبد ويدمرها ويصبح المريض معرضا لكل أعراض النقص الوظيفى للكبد. والتى تنتهى بالفشل الكبدى القاتل وأيضا تزداد شدة النزيف وتعاوده على فترات أقصر..
ومنذ ذلك اليوم أصبح د.عيسى يلازم حليم ليل نهار وفى كل مكان حاملا معه ما يشبه عربة إسعاف محمولة بها كل الأدوية اللازمة وزجاجات دم تم لها إجراء اختبارات التوافق مع دمه. ولعل هذا التلازم هو ما جعل الدكتور عيسى قريبا من حليم ومن بقية من يتعامل معهم حليم.
وقبل الخوض فى قراءة المذكرات، تجدر الإشارة إلى مذكرات هشام عيسى تبدو لأول وهلة أنها عن حياة حليم باعتباره طبيبه الخاص، ولكنه يفاجئنا بتقديم تصورات ومعلومات عن الفن المصرى خلال تلك الفترة ممزوجة بولع ذكر الميثولوجيات الإغريقية، التى يمكن أن تفسر حياة العندليب المثير للشجن والجدل.
العندليب والفاجومى
«فى ملجأ المحسن الكبير عبداللطيف بك حسنين وهبة تجاور صبيان قذفت بهم الأقدار إلى هذا المكان على سريرين رقم 94 و95 فى عنبر واحد جمعهما المكان واختلفت المشارب والطباع ورغم ذلك فسوف يقدر لهما أن يرحلا إلى القاهرة يوما ما وأن تذيع شهرتهما ثم تتجاوز آفاق مصر إلى الوطن العربى والعالم».. عبارة أطلقها عيسى، الذى أنتقل إلى نقاط أخرى فى حياة حليم، منها بداية حياته فى هذا الملجأ، والحديث عن هذين الصبيين، أحدهما سوف يلقب بالعندليب الأسمر، والآخر سوف يمنح لنفسه لقب الفاجومى.
ويحكى عيسى أنه بعد سنوات الملجأ الثمانى افترق نجم وحليم، ولم تتقاطع حياتهما بعد ذلك سوى مرة واحدة ولمدة قصيرة جدا حين ذهب نجم ليزور صاحبه فى بيته بالمنيل، ولم يجد حليم فى سنوات الملجأ أى ذكريات يحب استعادتها معه فكان لقاء فاترا انتهى بعد وقت قصير.
وعن نجم وحليم ويوسف شاهين ذكر عيسى أنه فى أوائل سنة 1972 كتب سيناريست إيطاليا يعيش فى مصر، ومتزوج من سيدة مصرية اسمه لوسيان لمبير سيناريو فيلم لحليم بعنوان «وتمضى الأيام» أعجب حليم بالسيناريو ووجد فيه فرصة ليقدم فيلما شديد الرومانسية تلعب فيه سعاد حسنى دور البطولة معه ليشبع رغبة طالما راودته، وأيضا ليقدم للجماهير ثنائيا كانوا يتوقون لرؤياه. كانت القصة تمصيرا وتحديثا لقصة «غادة الكاميليا». وأخذ حليم يبحث عن مخرج للفيلم فاقترح عليه الدكتور حسام عيسى أن يعطيها ل «يوسف شاهين»، وكان الدكتور حسام مكلفا وقتها بالإشراف على قطاع السينما من قبل شعراوى جمعة، وقدم إليه اقتراحا بأن يعين يوسف شاهين لمؤسسة السينما.
لم يتردد عبدالحليم فى إسناد الفيلم إلى يوسف شاهين، وحين حضر يوسف شاهين مساء ذلك اليوم إلى منزل حليم عقب مكالمة تليفونية كان حليم يرقد فى السرير إثر وعكة خفيفة. وعن هذا اللقاء الذى وصفه عيسى بأنه كان جميلا، قال: هذه هى المرة الأولى التى استمع فيها إلى هذا العبقرى، وأعتقد أنها أيضا كانت المرة الأولى التى يلتقى فيها ب«حليم» لقاء عمل، وقد بهرنا شاهين الذى استمع إلى السيناريو وأخذ يعلق عليه ثم يتكلم فى شتى المواضيع المتعلقة بالسينما والسياسة. وكعادته أخذ يوسف السيناريو قائلا إنه يعترض على بعض الأشياء سوف يقوم بتغييرها، كان من الضرورى أن يضع بصمته على أى سيناريو قبل أن يقوم بإخراجه. قبل حليم كل الشروط وانتظرت، كما انتظر الجميع ثمار هذا اللقاء لقاء عبقرية شاهين مع رومانسية حليم وشعبيته، طلب حليم من شاهين أن يذهب إلى العجمى فى الفيللا «الخاص بحليم» ليبدأ الكتابة، ولكن شاهين أجل الموضوع فقد كان مشغولا بإخراج فيلم «العصفور».
ومضت شهور قبل أن يرسل يوسف السيناريو المعدل إلى حليم ودفعنى الشوق والفضول إلى أن أبدأ قراءته قبل حليم ولما انتهيت توقعت أن حلم الجمع بينهما قد انتهى إلى الأبد وأخذت ابتسم وأنا أتوقع رد فعله.
أضاف السيناريو إلى القصة شخصين هما صديقا البطل ولهما عليه أكبر التأثير، أحدهما شاعر شعبى اسمه أحمد فؤاد نجم والآخر مغن أعمى اسمه الشيخ إمام.
لم يخب حليم ظنى، ما إن بدأ فى قراءة السيناريو حتى لمعت فى عينيه نيران الغضب وانطلق يمزق الصفحات قائلا: «المجنون جايب لى اثنين شيوعيين يعلمونى الوطنية».. انتهى الحلم ولم يخرج فيلم «وتمضى الأيام» إلى الوجود».
زملاء العندليب
وعن علاقة حليم بثورة يوليو أكد عيسى أنه إلى جانب الصيت والشهرة حاز حليم ثقة وصداقة القيادة السياسية، أحبه عبدالناصر، وقال إنه السفير الإعلامى الأول لثورة يوليو، وقد روج بعض من كتبوا عن حليم بعد وفاته شائعة تقول إنه كان يقوم بدور سياسى نشط وكان ينقل بعض الرسائل الدبلوماسية بين القيادة المصرية وبين بعض ملوك ورؤساء الدول العربية. وهو قول يجانب الحقيقة تماما فلم يكن حليم راغبا أو مؤهلا لمثل هذا العمل، كذلك لم تكن الدبلوماسية المصرية العريقة فى تقاليدها عاجزة أن تكلف خبراءها بذلك. اقترب حليم من السلطة ولكنه ابتعد عن دهاليز السياسة وصاحب ذوى النفوذ، فكان ذلك نعمة على أصدقائه فى محنتهم.
ويضرب عيسى أمثلة كثيرة على ذلك فى مذكراته التى نُشرت أجزاء منها من قبل بجريدة العربى، إذ قال إنه فى أحد أيام شهر أكتوبر سنة 1964 صدر قرار بفصل الإعلامى المعروف مفيد فوزى من صباح الخير وأبلغه رئيس مجلس الإدارة حينذاك السيد أحمد فؤاد بأن هذا القرار صادر من جهة أمنية وكان مفيد فوزى يرتبط بصداقة عميقة مع حليم، وخطر بباله أن يذهب إليه، دخل إليه وأيقظه من نومه وأبلغه بما حدث، لم يتوان حليم وارتدى ملابسه وصحب مفيد إلى حيث المخابرات العامة ليقابل مديرها صلاح نصر، هناك روجع القرار وتبين أنه يفتقر إلى مبرر جدى فرجع مفيد إلى عمله.
وموقف آخر يتذكره عيسى: فى يوم ما كنا نتوجه مع بليغ لحضور حفلة فى منزل الرئيس السادات، وكانت المناسبة عقد قران إحدى بناته وفى طريقنا همس بليغ لحليم هناك رجاء أريد عرضه على الرئيس، واقترح أن نتأخر حتى نهاية الحفل، ونكون آخر المودعين حتى أستطيع ذلك، كان الأستاذ مرسى سعد الدين شقيق بليغ قد أقصى من منصبه فى ألمانيا الشرقية، وأعتقد أنه كان يعمل ملحقا ثقافيا هناك، وذلك عقب سوء تفاهم أغضب السادات منه. وحين انصرف الجميع تقدمنا نحن الثلاثة للتهنئة والتحية وما إن لمحنا السادات حتى احتضن بليغ الآخر قائلا: أنت كنت «ملعلع» الليلة يا بليغ كل ألحانك رائعة.
وزاد السادات: بالمناسبة أريد منك أن تبدأ مشروع المسرح الغنائى؛ ما فيش حد غيرك حيقدر يحيى هذا الموضوع. واضطر بليغ الذى كان يخجل من كلمات الثناء المباشر أن يشكر الرئيس ويجاريه فى الموضوع فقال له يا ريس أنا ألاقى صعوبات كثيرة فى موضوع المسرح؛ وكنت أطلب كورالا لمشهد مسرحى تقدمه عفاف راضى طلبت عشرة فأرسلوا لى أربعة فقط، فرد السادات بأسلوبه المميز، عشرة بس سوف أرسل لك أربعين من الكورال يا بليغ، واستطرد الرئيس فى مشروعات المسرح فاستدار بليغ لينصرف بعد أن زاد خجله من فتح موضوع شقيقه.
وهنا تدخل حليم قائلا: يا ريس بليغ عاوز يكلمك فى موضوع مرسى إنت عارف إن مرسى مظلوم وهو صديقك ويستحيل أن يعمل ضدك، وهنا أدرك السادات السبب فى تلعثم بليغ وتردده، فالتفت إليه فى رقة واضحة. إنت مش محتاج توصينى على مرسى، ده أخويا وأنا باقرص ودانه فقط؛ لأنه اندمج مع العيال الشيوعيين فى برلين الشرقية ودول عيال خطر، وبسببهم كنت حاقطع علاقتى مع ألمانيا الشرقية وقلت بناقص. على العموم مرسى أخويا وأنا أعطيه درسا وسوف أعينه فى المكان اللائق. المهم دلوقت المسرح الغنائى. تذكر يا بليغ سوف أرسل لك أربعين كورالا. وانطلقنا فى طريق العودة والسعادة تغمر «حليم وبليغ»، وهما يتذكران كلام الرئيس ويرددانه بنفس لهجته، وبعد أيام عين مرسى سعد الدين رئيسا لهيئة الاستعلامات.
تحاول مذكرات عيسى أن تقارب بين مسيرة حليم وثورة يوليو، فكما انطلقت الثورة وغيرت المجتمع كذلك فعل حليم فى إحداث ثورة غنائية وبدأت مرحلة جديدة، حيث تواءمت المسيرتان!
لكن لم تكن الصورة وردية على طول الخط إذ يقول منير عامر فى مقدمته للمذكرات: كان عام 1966 هو العام الصعب فى حياة عبدالحليم ذلك أن شائعة ملأت الوسط الفنى عن منع زكريا محيى الدين رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت عبدالحليم حافظ من الغناء، نتيجة اتهامه بتهريب العملة.
كان الاتهام مضحكا، حسب رأى عامر والذى قال: وإن كان له ظل من حقيقة، فعبدالحليم كان يشترك فى ملكية مصنع للأسطوانات فى قبرص أو اليونان، وكان هناك العديد من أسر الطبقة التى هاجرت من مصر بعد 23 يوليو تطلب بعضا من عائد ممتلكاتها، فكان بعض أقاربهم يطلب من عبدالحليم أن يعطى المقيمين بالخارج بعضا من النقود، ويدفعون له مقابلها فى مصر، فاعتبرت أجهزة الأمن أن مثل هذا الفعل هو تهريب للنقود، وهو الأمر الذى حسمه جمال عبدالناصر بشكل واضح حين رفع سماعة التليفون ليطلب أولا من الدكتور محمد عبدالقادر حاتم إعادة صوت عبدالحليم للإذاعة المصرية.
حليم والمغرب
«قصة حليم فى المغرب تستحق أن نفرد لها جزءا كبيرا من هذه المذكرات»، هكذا يؤكد الدكتور هشام عيسى. وللحقيقة أن الكتاب به أحداث تهم من يريد أن يعرف تاريخ المغرب وما حدث له من انقلابات والشخصيات المؤثرة عليه مثل محمد أوفقير وزوجته وقادة الانقلابات، وكيف رفض حليم أن يذيع نبأ الانقلاب على الملك مبررا «أنا فنان لا أعمل بالسياسة وأكره أن انخرط فيها».
لقد عاش حليم حياة خالية فى معظمها من المفاجآت وفى الأعوام الأخيرة من حياته تعددت زياراته للمغرب كثيرا خلال المدة من 1970 حتى النهاية. سافرنا أى عيسى وحليم إلى المغرب أكثر من خمس عشرة مرة ولقد شكلت الأحداث التى لاقاها حليم هناك رواية من أغرب روايات الإثارة والحركة وتتفوق على كثير مما دبجه خيال المؤلفين لهذا النوع من الأفلام السينمائية. إنها قصة تحتوى على كل عناصر التشويق وتتشابك العلاقات الإنسانية بين أبطالها. فى القصة أحداث سياسية وانقلابات واغتيال، وفيها أيضا الحب بأنواعه فهناك الحب الملتهب والجنس والخيانة كل ذلك فى إطار المؤامرات والمكائد، التى كانت تجرى فى القصور أشبه بما كان يحدث فى فرساى إبان حكم أسرة البوربون لفرنسا. وذكر عيسى أن بداية قصة حب حليم للسندريللا قد حدثت مبكرا فى المغرب.
سعاد وحليم
وحول القصة الأكثر تشويقا فى حياة العندليب أى قصة حبه لسعاد حسنى، والسؤال الذى يطرح كثيرا هل تزوج حليم من سعاد؟!، أفرد الدكتور هشام عيسى فصله السابع لهذه القصة قائلا: «نما الحب بين حليم وسعاد فى فترة الستينيات».
فى بداية لقائهما كان حليم قد مثل الفيلم العاشر من 15 فيلما لعبها طوال حياته على حين كانت (سعاد) تمثل فيلمها الثالث من 85 فيلما هى مجموع أفلامها.
خلال عام 1961 قامت سعاد ببطولة سبعة أفلام كان أبرزها السفيرة عزيزة ثم قامت ببطولة 5 أفلام خلال سنة 1962. لم ينقطع لقاء حليم وسعاد خلال هاتين السنتين، وكان حليم يقوم بدور المحب والأب والراعى ل«سعاد» كما كان يقدم لها المشورة دائما.
ولكن ماذا عن الزواج ومتى بدأت فكرته؟ ذكر عيسى أن ذلك كان حين قامت إذاعة صوت العرب سنة 1961 بتنظيم رحلة إلى المغرب تقام خلالها عدة حفلات غنائية يخصص دخلها لضحايا الزلزال المدمر، الذى وقع فى مدينة أجادير المغربية يوم 29 فبراير سنة 1960 وكان رأس هذه البعثة السيد كمال إسماعيل نائب مدير إذاعة صوت العرب ومعه إعلامى آخر من نفس الإذاعة كان من أحب أصدقاء حليم وأقربهم إلى قلبه وهو وجدى الحكيم.. الذى كانت سعاد تكن له طوال عمرها شعورا بالمحبة والتقدير وقد لعب دورا فى قصة حبهما».
خلال الرحلة وصلت قصة الحب بين حليم وسعاد إلى ذروتها عاش العاشقان أسعد أيامهما ارتشفا رحيق الحب كاملا كانا لا يفترقان أبدا ولم يكتما شيئا، ولمس كل من بالرحلة مدى التطور فى حبهما فقد اتفقا على الزواج. كان حليم يحلم بالأسرة العادية زوج وزوجة وأبناء.. تلك الأسرة التى افتقد صورتها فى طفولته الحزينة، وكانت سعاد تحلم أيضا بدفء واستقرار المنزل، الذى لم تنعم به بين أب وأم مطلقين يتنازعان عليها بين المحاكم. وحين اقتربت الرحلة من نهايتها كان حليم وسعاد قد بحثا فى تفاصيل الزواج المقبل.
كان من المفروض أن سعاد سوف تنتقل بعد عقد القران فى القاهرة إلى منزل حليم فى الزمالك. ولم يكن مطلوبا حسب تأكيد عيسى عند زواج حليم إلا إعادة تأسيس غرفة نومه، وقد أعجب الثنائى خلال جولتهما بالمغرب بسرير من النحاس كان آية فى جمال الصنعة فاتفقا على شرائه، وقام حليم بدفع ثمنه وإبقائه عند البائع لحين شحنه إلى القاهرة. وطلب حليم من وجدى الحكيم أن يقوم بشحن السرير وبعض القطع الأخرى إلى القاهرة.
أتم وجدى مهمته بينما هو يقوم بإجراءات الشحن تلقى مكالمة من حليم يطلب منه عدم إتمام شراء السرير وإلغاء الصفقة تماما سأله وجدى: لماذا يا حليم؟ فرد بصوت مخنوق: لقد ألغى الزواج. كيف؟ لقد غيرت سعاد رأيها، رفضت الفكرة فجأة. وكان وقع الخبر على حليم كالصاعقة.
لم يكن حليم هو الذى رفض مشروع الزواج كما قيل ولقد كانت سعاد هى الحب الحقيقى فى حياته، وقد تكررت تجارب حليم بعد ذلك فى الحب وحتى فى محاولات للزواج كان يتراجع عنها دائما ولكن رفض سعاد ترك فى قلبه جرحا غائرا.
وطرح عيسى سؤالا: كانت سعاد تحب حليم أيضا بصدق فلماذا رفضته؟ لقد قالت سعاد مرة إنها لو تزوجت حليم لكان عليها أن تسكن فى جناح الزقازيق لتحل محل ابن خالته وزوجته، وسوف تتحول إلى ربة منزل لا شغل لها إلا أن ترعى حليم وتوفر للنجم الكبير ما يحتاج إليه من عناية فى منزله ليواصل تألقه، ولم يكن ذلك رغم حبها ل«حليم» هو نهاية المطاف فى تطلعاتها.
وأكد عيسى أن حليم كان على ثقة كاملة من أن رفض سعاد جاء نتيجة لنصيحة من بعض المحيطين بها بأن زواجها من حليم سيكون عمره قصيرا، وأن النجم الكبير سوف يهجرها يوما فقد تعود أن يطير من زهرة إلى زهرة.
ويختم عيسى قصته عن سعاد وحليم بحكاية الميثولوجيا الإغريقية، محاولا أن يضع إجابة شافية لما حدث لحب حليم وسعاد. تقول هذه الميثولوجيا إن أبولو رب أرباب الغناء والشعر والفنون الإله الوسيم وقع فى غرام ماريسا ذات الجمال الناضج المتفتح، الذى لا نظير له فى جبال الأولمب.
وحين علمت ماريسا بحبه أحست أنه يستحوذ عليها بتلك الموسيقى العذبة والغناء الجميل والقصص الممتع وحين خطبها أبولو بهرها جماله وغازل أحلامها، وأوشكت أن توافق لولا أن سمعت نيبتون يهمس فى أذنها: أتختارين أبولو الغامض الذى لا يهرم أبدا، بينما أنت تهرمين ويدركك الكبر فيهرب منك، ويمضى إلى سواك؟ تخاذلت ماريسا وتوجهت من فورها إلى إيداس فوضعت يدها فى يده لأنه مثلها سوف يشيخ أيضا.
وضحكت السماء وقهقه زيوس وفرح نيبتون وشمتت ديانا وبكى أبولو وحده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.