وزير التعليم العالي يرأس اجتماع المجلس الأعلى لشئون المعاهد الخاصة    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    تنميه تفوز بجائزة "التميز في إدارة علاقات العملاء" خلال حفل جوائز التميز المصرفي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    وزير الصحة يبحث سبل تعزيز التعاون مع نظيريه بلاتفيا وأوكرانيا    رئيس الوزراء يستقبل رئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية    بريطانيا: سنتخذ إجراءات إضافية ضد إسرائيل بشأن توسيع عمليتها بغزة ومنع إدخال المساعدات    سلوت عن إهدار صلاح: ظننته "خارقًا".. لكنه ذكرني بأنه بشر    عبد المنعم عمارة: عندما كنت وزيرًا للرياضة كانت جميع أندية الدوري جماهيرية    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    «سنطبق اللائحة».. رابطة الأندية تهدد بيراميدز بخصم 6 نقاط    بعد 9 سنوات.. تطوير ملاعب الناشئين في نادي الزمالك    الداخلية تكشف ملابسات فيديو استعراض سيارات بالشرقية وتضبط المتهمين    وزارة التعليم تكشف إجراءات التعاقد على وظائف المدارس المصرية اليابانية    ب«آلة حادة».. عامل ينهي حياة أمه في قنا    «التعريب وثقافة الهوية».. أحدث إصدارات الهيئة العامة للكتاب    أحمد زايد: مكتبة الإسكندرية تخدم شرائح كبيرة من المواطنين وتعد مقصدا سياحيا وثقافيا    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة لتحسين حياة 300 مليون يعانون من الأمراض النادرة عالميا    بالصور.. يسرا وهدى المفتي من كواليس تصوير فيلم الست لما    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    وزير الدفاع يشهد تنفيذ مشروع مراكز القيادة التعبوى للمنطقة الغربية العسكرية    بالصور- رئيس جامعة أسيوط يتفقد لجان امتحانات كلية الآداب    حملات مكبرة لغلق مغاسل السيارات المخالفة في الغردقة    سالم: نجهز ملف كامل حول أزمة القمة قبل الذهاب للمحكمة الرياضية.. ومتمسكون بعدالله السعيد    باو فيكتور: لم أفكر في مستقبلي مع برشلونة.. وسأتخذ القرار المناسب    جمال العدل: عقوبة الأهلي بعد انسحابه مهزلة.. والدوري المصري أصبح أضحوكة    توريد 544 ألف طن من الذهب الأصفر لشون وصوامع محافظة الشرقية    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    الأرصاد: طقس غداً الأربعاء حار نهاراً معتدل ليلاً    عامل يشرع في قتل صاحب ورشة بسبب الخلاف على أجرة إصلاح موتوسيكل بسوهاج    وزير التعليم العالي: طفرة كبيرة بالمنظومة التعليمية في عهد السيسي    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    ذكرى رحيل سمير صبرى وسمير غانم فى كاريكاتير اليوم السابع    بإطلالة أنيقة.. ياسمين صبري تخطف الأنظار في أحدث ظهور    مهرجان كان يمنح دينزل واشنطن السعفة الذهبية بشكل مفاجئ |صور    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    الأزهر للفتوى يوضح حجم الحجر الأسود وفضل استلامه ومسحه    أندوريل تكشف عن طائرتها القتالية المسيّرة المتطورة «فيوري»    طريقة عمل القراقيش بالملبن بخطوات بسيطة    «مكافحة العدوى» بمستشفيات سوهاج الجامعية الثاني في ترصد الأمراض الوبائية    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    مكتب الإعلام الحكومي بغزة: تصريحات يائير جولان إقرار واضح بجريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا    الجيش السوداني: نقترب من السيطرة الكاملة على الخرطوم    «السجيني» يطالب الحكومة بالاستماع إلى رؤية النواب حول ترسيم الحدود الإدارية للمحافظات    قبل امتحانات آخر السنة 2025.. ما هو الاختيار الأفضل لتحلية الحليب لطفلك؟ (أبيض ولا أسود)    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سد الألفية الإثيوبى: حميد نقبله أم خبيث نرفضه؟
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 07 - 2012


بقلم : الإمام الصادق المهدى
1- حوض النيل مرتبط عضوياً بالشرق الأوسط وهما يمثلان رقعة استراتيجية مهمة جداً فى العالم. عندما اتجه الرئيس المصرى جمال عبدالناصر لبناء السد العالى بتمويل سوفيتى أثناء الحرب الباردة، قدم الأمريكان فى ستينيات القرن الماضى مشروعات لإثيوبيا فى أعالى النيل لبناء عدد من السدود فى تحد لاتفاقيات سابقة أهمها:
1902م اتفاقية بين بريطانيا ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا تعهدت بموجبها بعدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أوالسوباط تؤثر على انسياب المياه شمالاً إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية الممثلة لمصر والسودان يومئذٍ.
1906 أبرمت بريطانيا ممثلة لمصر والسودان مع مستعمرة الكونغو اتفاقية ألزمت الأخيرة بعدم إقامة منشآت على نهرى السمليكى وتانجو تقلل من المياه التى تصب فى بحيرة ألبرت بدون موافقة حكومة السودان.
1929 أبرمت بريطانيا نيابة عن مستعمراتها: السودان، وكينيا، ويوغندا، وتنزانيا مع مصر اتفاقية نصت على حق مصر الطبيعى والتاريخى فى مياه النيل، وعدم القيام بأعمال بخصوص الرى أو التوليد الكهربائى على الفروع المغذية للنيل ما يؤثر سلبا على انسياب المياه شمالاً: سواء بتقليل الانسياب أو تعديل منسوب المياه أو طريقة وصولها إلا بالاتفاق مع مصر، وتقرر أن يكون لمصر حق مراقبة مجرى النيل من منابعه حتى مصبه.
1959 أبرمت اتفاقية بين مصر والسودان لاقتسام مياه النيل ومقدارها قياساً فى أسوان 84 مليار متر مكعب قسمت بعد 10 مليارات تبخر كالآتى: 55.5 مليار م³ لمصر و18.5 م³ للسودان.
كان موقف دول المنابع من هذه الاتفاقيات: أن الاتفاقيات القديمة موروثة من عهد الاستعمار وهى كدول جديدة ذات سيادة غير ملتزمة بها فى تناقض مع مبدأ توارث الاتفاقيات الدولية. أما اتفاقية 1959 فهى ثنائية لم تشرك فيها وهى غير ملزمة بها.
2- لم تهتم دول المنابع كثيراً بمياه النيل للرى لأنها فى مناطق منابع النيل تحظى بأمطار غزيرة تكفى للرى الزراعى، ولكن زيادة السكان فيها والاهتمام بالتنمية وتطور التكنولوجيا جعلها تهتم بالإنتاج الكهربائى للتنمية فيها وللتصدير.
وبالنسبة لإثيوبيا بعد تحقيق درجة من الاستقرار فيها لاسيما منذ بداية القرن الواحد والعشرين ركزت على بناء السدود فى بعض المناطق مثل وادى نهر الحواش للزراعة ولكن فى المناطق الغربية من البلاد وهى جبلية كان بناء السدود للإنتاج الكهربائى. أهم هذه السدود سد النهضة أو الألفية الذى أعلنت إثيوبيا العزم على تنفيذه فى إبريل 2011.
التقديرات المتاحة حالياً أن هذا السد سوف يكون ارتفاعه 240متراً، ويكّون بحيرة سعتها 151 كليو مترا مربعا، ويحجز مياهاً مقدارها 63 مليار متر مكعب، وسوف يولد طاقة كهربائية مقدارها 5250 ميجاواط وهى ثلاثة أضعاف ما يولد السد العالى من الكهرباء. ويكلف السد مبلغ 4.5 مليار دولار.
هنالك معارضة داخلية من بعض سكان منطقة السد، لأنه سوف يغطى مساحة من أرضهم ويجبر على ترحيلهم.
وهنالك معارضة مصرية وسودانية بأن قرار إقامة هذا السد كان مفاجئاً لهما ولم يشتركا فيه ما أدى لاتهامات بأن فى الأمر مؤامرة ضد البلدين.
لاشك أن القرار إثيوبى انفرادى، ونحن فى مصر والسودان يهمنا كثيراً التعاون مع دولة الهضبة الإثيوبية لكيلا تقيم مشاريع تضر بانسياب المياه شمالاً، وكذلك مع دول الهضبة الاستوائية لنفس الهدف، وكذلك للتعاون فى زيادة تدفق مياه النيل الأبيض بحوالى 20 مليار متر مكعب بيانها:
9 من قناة جونقلى الأولى والثانية.
7 من قناة بحر الغزال
4 من السوباط ومشار
20 الجملة
ولكن تصرفاتنا فى مصر والسودان كان لها دور مهم فى صناعة الفوضى فى حوض النيل. الفوضى التى من شأنها ترك الأمر «سداح مداح» للتصرفات الانفرادية:
أ. ظللنا نتمسك بحجة المعاهدات القديمة التى تجاوزها الموقف السياسى والاقتصادى والديمجرافى فى دول المنابع، وحتى محاولة الأمم المتحدة إصدار اتفاقية دولية ملزمة لأحواض الأنهار المتعدية للحدود فى عام 1997 لم تحسم الأمر، لأن الاتفاقية نفسها حمالة أوجه، ولأن أهم دول حوض النيل تحفظت عليها.
ب. صنعنا استقطابا فى حوض النيل لأننا أبرمنا اتفاقية ثنائية فى عام 1959 ورفضنا مشاركة دول المنابع متصرفين كأن النيل ملكية ثنائية خالصة لنا.
ج. صحيح أننا تجاوبنا مع مبادرة حوض النيل الدولية منذ 1999، وأهم أهداف هذه المبادرة إبرام اتفاقية شاملة لحوض النيل ومع النجاح فى الاتفاق على بنود الاتفاقية الجديدة تركز الاختلاف حول:
- تعديل الوضع القانونى القديم بما لا يؤثر بصورة جسيمة على الاستخدامات الحالية كما ترى دول المنابع، أم رفض أى تعديل كما ترى مصر والسودان؟
- أن يكون التصويت فى المفوضية بالأغلبية أم بالإجماع؟
- مدى الالتزام بالإخطار المسبق فى حالة الإقدام على أى مشروعات؟
نتيجة لهذا الاختلاف وقعت على الاتفاقية الجديدة ست دول يتوقع أن ترتفع إلى سبع بانضمام دولة جنوب السودان، بينما أعلنا فى مصر والسودان مقاطعتنا لهذه الاتفاقية ووقفنا بعيدين عن المفوضية الناتجة عنها.
إدارة ملف مبادرة حوض النيل من ناحية مصر (النظام القديم) والسودان كانت معيبة للغاية.
الرجل المؤهل حقيقة لإدارة هذه الأزمة من الناحية المصرية هو د. محمود أبوزيد فهو رئيس سابق لمجلس المياه العالمى، وهو القائد الطبيعى لفريق وزارة الرى وعنده خبرة فنية وعلمية ودبلوماسية ممتازة، ولكن لأسباب غير موضوعية قرر رئيس الوزراء المصرى آنذاك إعفاءه من الوزارة بصورة مهينة واستبداله بمهندس مؤهل أكاديمياً فحسب، فتولى الملف مندفعاً بمواقف نظرية فساهم فى تكوين استقطاب حاد فى حوض النيل حول الموقف من الاتفاقية الجديدة.. أما موقف السودان فيما يتعلق بملف الرى هذا فقد كان كثير العيوب:
- إهمال ملف المياه فى محادثات السلام فجاء بروتوكول قسمة الثروة خالياً تماماً منه مع أن الخبراء - مثلا - يوهانس أجاوين مدير منظمة العدل الأفريقية قال: موضوع استخدام مياه النيل من الأرجح أن يسبب الاحتكاك بين الشمال والجنوب مباشرة بعد إبرام اتفاقية السلام، لا توجد حجة مقنعة لإهمال المياه فى بروتوكول الثروة. ورد فى بروتوكول تقاسم السلطة على أن تكون الحكومة السودانية هى المسؤولة من هذا الملف بإشارة من حكومة الجنوب لكسب دول المنابع والمصب لصالحها، أى أن الجنوب غير مسؤول عن موقف حكومة السودان من الاتفاقيات السابقة.
- عدم الحرص على استخدام حصة السودان فى مياه النيل لذلك كنا فى العهد الديمقراطى معطين تعلية خزان الرصيرص أولوية، ثم خزان سيتيت، ثم خزان مروى، وشرعنا فعلا فى تعلية الرصيرص ولكن النظام الذى أطاح بالديمقراطية قلب الأولويات مع أن تعلية الرصيرص يكلف ثلث مروى ويزيد من كفاءة مروى وينتج ثلث الطاقة الكهرمائية مع الفوائد الزراعية الكبيرة. لا توجد حجة مقنعة لقلب الأولويات!
- وبعد توقيع الدول الخمس على الاتفاقية الجديدة فى مايو 2010م فى عنتيبى ثم لحقت بهم بوروندى فى فبراير 2011 تذبذب موقف السودان بصورة مخجلة.
طلبت مصر والسودان الدعوة لاجتماع وزراء رى دول الحوض فى أكتوبر 2011 ثم طلبا تأجيله، وطلبا تأجيلاً ثانياً واستجيب لهما ليعقد الاجتماع فى يناير 2012 ومع ذلك تغيبت الدولتان.
- واتسمت تصرفات الوفد السودانى بالذبذبة: خرج من اجتماع فى مايو 2009 احتجاجاً على مناقشة مشروع الاتفاقية، وأعلن السودان أنه انسحب من مبادرة حوض النيل، ثم غير موقفه وأعلن أنه جمد عضويته ولم ينسحب، ثم غير موقفه مرة ثالثة بأنه جمد موقفه من مشاريع المبادرة لا من المبادرة ذاتها!
طبعاً هذا الإهمال لقضية حيوية مثل مياه النيل والتقلب جعله ممكنا أن القيادة السياسية غير ملمة بالقضية والنظام الأوتقراطى لا مجال فيه للمساءلة.
إذن حكومتا مصر (العهد القديم) والسودان ساهمتا فى صناعة الفوضى فى حوض النيل.
3- دول المنابع لا تقدر بالدرجة الكافية أهمية النيل الخاصة لمصر أولاً ثم للسودان.
لكى يحل التعاون محل الصدام ينبغى أن تدرك دول المنابع ما للنيل من أهمية حياتية خاصة فى مصر ثم السودان، ولكن التعاون تفاعل، علينا نحن أيضا أن ندرك أن عوامل كثيرة استجدت فى دول حوض النيل الأخرى: كثافة سكانية، ضرورة تنموية، مجاعات متكررة، خيارات جديدة أتاحها التطور التكنولوجى خاصة فى مجال الإنتاج الكهرمائى ما أعطى الانتفاع بمياه النيل لديهم أهمية مستجدة. وعلينا أن ندرك شعورهم بأننا فى أسفل الوادى نتعامل معهم باستعلاء وحرص على مصالحنا دون مراعاة لمصالحهم. وعندما يتحدثون عنها يكيل لهم كثيرون منا الاتهامات بالعمالة لجهات أجنبية.
4- لدى مقابلتى لرئيس وزراء إثيوبيا فى عام 1997 قال لى: نحن حريصون جداً على الاتفاق معكم ومع مصر حول مياه النيل، ولكن مصر والسودان يتصرفان معنا بموجب اتفاقيات قديمة كأن النيل لا يهمنا وهذا الآن تغير كثيراً فنحن أكثر سكاناً، والإنتاج الكهرمائى بالنسبة لنا أكثر أهمية للتنمية فإن استمر هذا الحال الذى يفرض علينا قراراً ثنائياً ويئسنا من التجاوب سوف نتصرف بما يحقق مصلحة شعبنا. وبعد أسبوع من هذا اللقاء التقيت الرئيس المصرى السابق فى القاهرة وتطرق الحديث لمياه النيل فقال: النيل هو حياة مصر ومن يمد يده عليه سوف نقطعها.
المبدأ الأول الذى يجب أن نقره هو العمل على منع أى تصرفات انفرادية فى حوض النيل.
والمبدأ الثانى الذى ينبغى أن نقره هو استبعاد العنف فى حسم قضايا النيل على أساس أن التعاون هو الركيزة الوحيدة التى تقوم عليها استخدامات مياه الأحواض المشتركة.
والمبدأ الثالث هو العمل على إبرام الاتفاقية الجديدة لحوض النيل ما يعنى الانضمام لاتفاقية مبادرة حوض النيل فغيابنا من منبر يعنى غياب مصالحنا والسماح للآخرين باتخاذ قرارات فى غيبتنا فيبقى أمامنا خيار التقاضى الدولى أمام محكمة العدل الدولية، ولا تستطيع تناول الأمر إلا إذا احتكم لها الطرفان المختلفان، أو مجلس الأمن الدولى. إن إيجاد أساس قانونى جديد لحوض النيل هو الموضوع الأهم الذى يجب أن نركز عليه.
غياب الاتفاق الجديد لا يعنى استمرار الوضع القانونى القديم الموروث كما يتوهم بعض الناس، ولكنه يعنى إطلاق عنان الفوضى فى الحوض.
الفوضى فى حوض النيل هى عدونا الأكبر لأنها تفتح المجال للتصرفات الفردية وللاستقطاب الحاد.
5- رغم الفوضى الحالية ورغم أن إثيوبيا أقدمت على مشروع سد الألفية فإنها مازالت تتحدث بلغة التفاهم مع مصر والسودان فى تصريحات على لسان وزير خارجية إثيوبيا ورئيس الوزراء الإثيوبى الذى أعلن استعداد بلاده لمناقشة ومراجعة الآثار السلبية التى قد يسببها سد الألفية لمصر والسودان.
نعم سوف يؤثر قيام سد الألفية فى إثيوبيا على انسياب المياه شمالاً بما يحدث من بخر من بحيرة الخزان، وما يؤثر على أوقات انسياب المياه. نعم سوف يقلل الخزان من حجم بحيرة السد العالى. نعم سوف يحجز السد كمية من الطمى الذى يخصب أراضينا، وربما يقلل السد حجم الطاقة الكهرمائية المنتجة فى السد العالى.
نحن محتاجون لدراسة فنية شاملة للآثار السالبة التى يحدثها قيام سد الألفية فى المجالات المذكورة وفى البيئة الطبيعية. هنالك إيجابيات يرجى أيضا أن تدرس بدقة أهمها:
- الطمى الذى سوف يحجزه السد يقلل من ترسبه فى خزانات السودان والسد العالى ما يزيد من كفاءتها ويزيد من إمكاناتها فى توليد الطاقة بسبب قلة الإطماء وبالتالى زيادة الطاقة التخزينية.
- بالنسبة لنا فى السودان يمكن أن يحقق ما حققه السد العالى لمصر وهو تنظيم انسياب مياه النيل الأزرق لمنع هجمتها القصيرة العمر وضبط فيضانها وتنظيم توافرها على طول السنة، مما يقلل من مخاطر الفيضانات ومشاكل الهدّام السنوية.
- الوادى الذى يقع فيه السد عميق والمنطقة التى تخزن فيها مياهه طقسها أكثر اعتدالاً منه فى السودان وفى مصر ما يجعل التخزين المائى فيها أفضل من حيث قلة البخر.
- مهما شيد السودان من خزانات فإنه محتاج لمزيد من الطاقة وكذلك مصر، السد سيوفر طاقة للتصدير لدول الجوار بما فيها مصر بتكلفة - تصل لثلث إنتاجنا لها - هذا طبعا بافتراض ربط الشبكة الكهربائية بين بلداننا.
إن لدول حوض النيل مصالح فى مياه هذا النهر العظيم، يجب أن نعترف بأن السيادة على النهر مشتركة فمصر صاحبة المصلحة الأكبر فى مياه النيل لأسباب تاريخية وطبيعية، والسودان صاحب مصلحة كبيرة باعتبار ما لديه من أراضٍ صالحة للزراعة المروية، وإثيوبيا المنتجة الأكبر للمياه والكهرباء فالمطلوب نظرة تكاملية لمصلحة الأمن الغذائى والطاقة للدول المذكورة. ولا بد أن تدخل دول الهضبة الاستوائية فى معادلة التكامل هذه.
أما فيما يتعلق بسد الألفية فينبغى أن نسعى للمشاركة فى كل أوضاعه بما فى ذلك الدراسات الفنية لضمان كفاءتها والحيلولة دون أى سلبيات، وحبذا لو أن إثيوبيا أشركتنا فى المشروع بما يحقق المصالح المشتركة. ولكن حتى إذا لم يتوافر هذا فنحن تهمنا ضبط مواعيد انسياب المياه شمالاً ومعرفة الزمن المطلوب لملء بحيرة السد وغيرها من العوامل الإدارية.
6- المطلوب بإلحاح الآن هو:
أ. إبرام اتفاقية حوض النيل الجديدة بمشاركة كل الدول المتشاطئة على الحوض وهو ما تحققه الإتفاقية الإطارية إذا انضممنا إليها وركزنا داخلها على تحديد أنصبة كل الأطراف وكيفية تجنب الإضرار بالحقوق المكتسبة والاهتمام بالاتفاقيات والاستثمارات المطلوبة لزيادة انسياب مياه النيل.
ب- إيجاد صيغة تعاون مؤسسى فى مشروع الألفية لزيادة الإيجابيات واحتواء السلبيات.
7- قيام سد الألفية سوف يزيد من الحساسيات الأمنية فى حوض النيل، وهناك عوامل اقتصادية مشتركة، وعوامل ثقافية مشتركة، وهى عوامل تشير إلى ضرورة حد أدنى من اتفاقية أمنية استراتيجية بين دول حوض النيل وربما أمكن تطويرها فى اتجاه تكاملى أكبر. ولكن حالة التعامل الغافل القديم ما عادت ممكنة، بل إن استمرارها خطر على الأمن القومى مثلما هو خطر على التنمية وعلى الأمن الغذائى.
* رئيس وزراء السودان الأسبق وزعيم حزب الأمة القومى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.