فليطعن في ثورات الربيع العربي من يشاء ، وليتهم شباب مصر وتونس واليمن وليبيا بأنهم عملاء وخونة وإرهابيين ومخنثين وأصحاب أجندات خاصة من يود ، لكننا نوقن أن شعوبنا العربية أصبحت تمتلك دهشة سقراط بها تتساءل كيف ولماذا حدث ماحدث ؛ لتتعلم كيف تستعيد مجدها اللائق بها وبحضارتها وبقيمة أوطانها ومقدراته وبموروثها الثقافي والفكري والنضالي ، تدرك هذه الشعوب الآن أسباب ثوراتها ونتائجها ونجاحاتها وإخفاقاتها والتي تشابهت بين هذه البلدان بصورة لا نملك معها إلا أن نردد قوله تعالى " إن هذا لشيء عجاب " . في مصر تحت حكم مبارك ولمدة ثلاثة عقود حل الفساد الاقتصادي والظلم الاجتماعي وانتشرت بؤر الفقر والعشوائيات وأطفال الشوارع وسكان المقابر، وارتفعت البطالة والأمية وانهارت الأخلاق وهبط الفن للدرك الأسفل وتدنى التعليم وفشلت المنظومة الصحية وانهارت المرافق وتفشت الرشاوي والسمسرة والفهلوة وهٌربت الأموال وثروات المناجم والغاز وبيعت الأراضي والمصانع وكابدنا أكياس الدم الملوث واحترقت القطارات وغرقت العبارات وأكلنا البذور المسرطنة وحققنا أعلى النتائج العالمية في أمراض الكبد والقلب والسرطان والكلى والبلهارسيا والضغط والسكر وشلل الأطفال ، وزادت معدلات الانتحار وسيطر الحزب الحاكم على مؤسسات الدولة وعانينا من القبضة الأمنية الغاشمة ، وكنا ننتظر الطامة الكبرى بتوريث الحكم. في اليمن تمكن علي عبدالله صالح من حكم البلاد نحو 34 عاما سيطر فيها 10% من الأغنياء على ثروات البلاد ، وبات 50% من الشعب تحت خط الفقر ، وبصفقة مشبوهة تدهور ميناء عدن الذي كان ثالث أفضل ميناء في العالم وأصبح إيراده أقل من قيمة إيجار جناح فندقي ، وانهارت مرافق الدولة من مياه وكهرباء وبيع الغاز بصفقات مشبوهة دخلت جيوب الكبار ، وكان اليمنيون يستعدون مثلنا لنظام توريث الحكم. وقضى زين العابدين بن على 24 عاما يحكم تونس فتفاقم الفساد وزادت القبضة القمعية الشرطية ، وسيطر حزبه على السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، وتكررت الوعود بالإصلاحات وإذابة الفوارق بين الطبقات لكنها كلها ذهبت أدراج الرياح ، وتمت تصفية المعارضة واتهامها بالإرهاب والأصولية وارتفعت معدلات البطالة والأمية وزورت الانتخابات وغاب مفهوم الوحدة الوطنية والدور الرقابي للأجهزة المعنية ، وزادت الاعتقالات التعسفية وسجن السياسين دون محاكمات . في ليبيا كانت المصيبة أعظم حين أطلقوا عليها ثورة جياع وفقر وبطالة في دولة ذات ثروات نفطية هائلة تجعلها من أكثر الدول العربية عز ورفاهية ، وقُمع الشباب وغابت حرية الصحافة واختصرت الدولة في عائلة القذافي وحدها وبالتالي كان التمهيد لتوريث الحكم هو الغاية والهدف المتوقع . وهكذا يتشابه الفاسدون حين يحكمون شعوبهم بالعصا ويلتهمون هم الجزرة ، فاسدون جعلوا شعوبهم تكفر بالأوطان وتفضل الهجران ، وترى الحل في الفرار وتوقن أن قوارب الموت هي النجاة ، لكن الغريب أن يفلت مبارك وزين العابدين وصالح من العقاب وهذا ولا ريب أحد إخفاقات الثورات لأنها قامت بشكل عفوي دون تخطيط مما ينفي تماما أن شبابنا كان ممولا وصاحب أجندات خارجية خاصة ، لكنهم ونحن معهم ندرك ان شعوبنا لم تنل بعد الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية ولا حتى خبزا مغموسا بالحرية ، لكنها امتلكت القدرة على كسر حاجز الخوف ووثقت من قدرتها على التغيير وعرفت أن الفساد هي كلمة السر التي لم تعد سرا ، والقادرة على أن تحرك شعوبا لن تصبر طويلا على احتمال أنظمة استبدادية جديدة. من العدد المطبوع من العدد المطبوع