أتساءل : هل قَدر الإنسان العربي التشرد والطرد والهجرة والنفي والاغتراب واللجوء خارج بلاده ليعيش يعاني الحنين والشوق ، وإما التكميم والقمع والسجن والذبح وإراقة الدماء والكرامة والإنسانية داخل وطنه ؟ وفي كل الأحوال موسوما بالاحتقار الذي هو أشد مرارة من الكراهية وأسوأ من الفناء لأنه موت كل يوم بل كل لحظة ، لماذا استحق العرب مالم يستحقه قتلة الأنبياء الذين تاهوا 40 سنة ثم التأم شملهم على أرض نفس العربي التعيس ؟! لِم قست حياته فأصبحت كقسوة صحرائه فلا ماء ولا نبتة ولا ظليل ؟ لماذا أصبح بائسا يائسا صامتا كئيبا ؛ يعيش بين ارتعادة قلب ورجفة يد وانكسار عين وذل نفس بل وموتٍ لإرادة التحدي والإصرار مخالفا بذلك طبيعتة في عصر ازدهار حضارته العربية والإسلامية ؟ حتى في البلدان التي هاجر إليها واجتهد فيها مخلصا يتفاجأ بين عشية وضحاها بلافتات ودعوات تعنفه وتحقره قائلة له ولأمثاله " اذهبوا لأوطانكم .. عودوا من حيث أتيتم " . في يوم واحد كانت حصيلة عناوين الصحف الصباحية التي قرأتها : سقوط قذائف على الحدود بين تركيا وسوريا – حرب ضروس بين الجيش الليبي والميليشيات – اشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحين في طرابلس – إصابات في القدس وإسرائيل تشعل الضفة الغربية – عشرات القتلى والجرحى في صنعاء – قتال عنيف في حلب – الإرهاب يحصد عشرات الجنود المصريين في سيناء – مصادمات ومظاهرات في الشارع الجزائري – استعدادات لمواجهة الشغب في تونس – قتلى وجرحى في انفجار مفخخ في العاصمة الصومالية مقديشو – الإرهاب في طريقه للأردن ... وهكذا تغلي مراجلك يا وطني ، ولم يعد العربي يعيش زمانه إلا خوفا . أصبت بالاكتئاب ؛ فراودتني نفسي الاعنكاف بيأسي وألمي في بيتي ؛ فابتسامة الصباح أصبحت عصية المنال ، ولكن فجأة وقع بصري على ذلك الخبر " أمريكا ترسل لجنة تحقيق عاجلة لاستشهاد فتى فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية " فقط لأنه يحمل الجنسية الأمريكية أصبح دمه غاليا وليس لكونه فلسطينيا ، قطعا لا يحق لنا المقارنة بين الدم العربي ونظيره الأمريكي بل وأي دم آخر ؛ فقد هُنا على أنفسنا وسكنت الوحشة قلوبنا ، وفشل بيننا الود والتراحم والتفاهم والإنسانية في حين نجح البلاء والكره والفرقة بل والغباء والخيانة أن يربطوننا برباط قوي ليته لا يكون أبديا ، ولكن ماذا بعد ؟ هل نستسلم مع غموض الأفق وعتمة الفجر ؟ لن أخفي أنني أجاهد وأطمئن نفسي بأني مازلت ألمح ومضة خفية بين ثنايا الظلمات ، أنتظر أفقا يتوهج ببهاء الفجر يعلن أن الخلاص يأتي دائما مصاحبا لأقصى درجات الألم .. ويقيني أننا وصلنا لأقصى درجات الألم . المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية