الآن تلقي علينا الدرس يا وطني بعد أن حاول الواهمون تقزيمك وإهانتك والنيل من كرامتك ، والآن فقط نقدم لك الاعتذار عمن ادعى خرافة جمود الشخصية المصرية وأنها غير قابلة للتغيير وخانعة لا تثور وقابلة للاستعباد ، فقد أثبت المصري أنه يرعى داخله وحشا إذا مس أحد أرضه أو عرضه أو دينه ، وعلمنا ألا ننخدع بصبره ولا بوداعته ، فكهنة فرعون كانوا أول النهار سحرة فجرة وآخره شهداء بررة . نعتذر للأم المصرية الودودة الولودة المتحملة ثقل الزمن وجحوده ، القابعة خلف الشقاء ، الحانية بدمعها وقت الميلاد والممات ، المعانية من هجران زوج أو ابن أو اغترابه أو نفيه أو سجنه أو فقده حتى أضحت تعيش مشروعا دائما للترمل أو " الاسترجال " ونعتذر عمن يشوه صورة المرأة المصرية أرق نساء العالمين طبعا وأحسنهن شمائلا وأجملهن ذاتا حفيدة هاجر التي أعطت للعرب نسبهم ، ومارية التي حددت لهم خريطة أصهارهم حين نرى الراقصات والعاهرات يُقدمن على أنهن النموذج . نعتذر للمصري أول من سطر منذ فجر التاريخ والضمير الإنساني أعظم الحضارات وأروعها ،والذي اهتدى بفطرته السليمة لخالق الأكوان منبها أن وعيه لا ينفصل عن معتقده الديني وأن تنحية الدين جانبا يعني خللا في منظومته الوجدانية ، فقد كسر شوكة التتار ودحر الصليبة وحمى المسيحية ونشر الإسلام . نعتذر يا وطني لمثقفيك ومبدعيك ورموزك الوطنية عن " أرجوزات " عصرنا ، فأين هم من شوقي والحكيم وحمدان وعويس والبارودي والمنفلوطي ومختار وزويل والباز ويعقوب ومحفوظ وعبد القدوس والسباعي والمازني وتيمور ونجم وناجي والعقاد وإدريس وأبو فاشا وأصلان وبنت الشاطئ وأم كلثوم ودرويش وعرابي وزغلول ومصطفى كامل . نعتذر لترابك الذي تجلى عليه المولى فتقدست بقاعه وعاش ووُلد على أرضه الأنبياء والمرسلين والصحابة وتصدعت جباله من خشية الله وتفجرت صخوره عيون ماء وآوت إليه العذراء ، لتهدي مسيحيينا إنجيلا علمهم أن مصر خزائن العصر من أرادها بسوء قصمه الله ، فلم ينفصلوا عن الوطن في أشد محنهم على يد الإغريق حتى خلصهم الإسلام من عذاباتهم حاملا وصية خاتم المرسلين بهم ، فكان درسا لدعاة الفتنة والانقسام . نعتذر لشبابنا عمن وصفهم بالاستهتار واللامبالاة وألهاهم عامدا متعمدا بممارسة التفاهات والتحرش والهلوسة والجنون بل والهروب من ذاته ووطنه ، فإذ به يفاجئ العالم بعبقريته وذكائه وثورته متلهفا على تحقبق حلمه في أن يتبوأ وطنه مكانته التي يستحقها ، معلنا أنه أبدا لن يضيع ولن يترك وطنه للتجار والنخاسين ، ونعتذر لعقولنا عمن يتصدرون المشهد والشاشات ويحتلون الساحات ، يملؤنها صراخا وضجيجا وكل مايثير الغثيان من سفاهات رغم أنهم مدركون بأنهم لن يكونوا مثالا للاقتداء . نعتذر لنيلك النابع من الجنة عمن أهمله واختصمه وتركه فريسة مباحة رغم أنه بارك أرضنا وجعلها أما للبلاد وغوثا للعباد وفائضة بالخيرات ، ولأرضك الطيبة المعطاءة والتي حاول البعض أن يسقيها الدماء فأبت معلنة أن كل الدم المصري حرام وأنها لن تنبت الحقد يوما وإن شرد بعض الأبناء . يا وطني الحبيب ، يا أطيب الأرضين ترابا وأكرم نسبا وصهرا ، يا أطول قصيدة عشق عصية على الكتمان ، يا من عقم الزمان أن يلد مثلك ، يا عبقري الحضارة ومالك البراعة والمهارة ، يا من فاضت مودته ومحبته للغرباء ، يا حسن النوايا وطيب السجايا ، يا منبع القيم والمثل والأخلاق ، يا رفيع القدر والمقام ... هل تقبل الاعتذار ؟