سوشيل كومار، الموظف الهندي الفقير جدًا... جدًا، في اللحظة قبل الفوز بجائزة من سيربح المليونية "الهندية" -والتي تبلغ مليون دولار- كان يفكر كيف سيصل إلى مكان عمله، وهو المعدم الذي لا يملك دراجة هوائية، وكيف سيكون وجه الزوجة عندما يعود إلى البيت، وهي لم تجد ما تقدمه له ولأطفاله من طعام. وأفكار كأشياء صغيرة، تناثرت في ذهن هذا المسحوق، بحوافز الفقر، وأنياب التعب ومخالب السغب، أشياء صغيرة جدا كانت ترتاد رأس كومار، بل هي أصغر من علق الماء، لكنها كانت مؤذية ومؤرقة، تقضُّ مضجع هذا الرجل، ولا يفكر في شيء سواها، لم يخطر على باله أن يستبدل البنطال المرقع، ولا أن يشتري قميصًا يغير به لون الحياة، لأنه لا يجرؤ على مغالبة الحقيقة،حقيقة فقره، ويباب دهره، وأسباب انحسار الأشياء من بين يديه ومن خلفه وأمامه، هو يرى السيارات الفارهة في شوارع بومباي ودلهي، ويرى الشاهقات التي تعانق السحاب، ويرى الفتيات العصريات اللاتي ارتدين القصير الشفاف الملتصق والفضفاض، ويرى أشياء كثيرة لكنه لم يفكر فيها قط، لأنه يعلم أنها أبعد من نجوم السماء ، فلماذا إذًا يفكر؟ ولماذا يرهق هذا الرأس أكثر مما هو مرهق؟ وممزق؟ فالخير له أن يركن إلى السكون لأنه خير وسيلة للدفاع عن النفس وحفظها من التطلع الزائف. ولكن الحظ عندما يبتسم، فإنه فوق القوانين الطبيعية وفوق الفوارق الطبقية، وفوق الأعراف وما خطته أيدي البشر وسنته من قوانين، أتعبت من أتعبت ورفعت من رفعت... سوشيل كومار لو حاول في مرة أن يسلم على النجم السينمائي الشهير أميتشاب باتشان، لصدَّ عنه ونهره وزجره، وتأفف منه، لكنه مع الحظ ابتسم الممثل الهندي الكبير لهذا الفقير، عندما فاز بالجائزة الكبرى، في برنامجه من سيربح المليون، وتغيرت الأحوال، وتلونت أفكار كومار، بزخرفة بهيجة، فصار يفكر في إصلاح منزله، لأنه قديم لا يصلح لرجل أصبح مليونيرًا، ثم يفكر في الدراسة، حيث أصبحت الدراسة أمرًا مهمًا لرجل سالت بين يديه الدولارات والفلوس من غير علم لا تساوي شيئًا... هكذا انقلبت الحال، وقد يغير كومار اسمه، ومكان سكناه، والأمر الخطير الذي قد يستجد في حياته... المرأة. فقد يغير الرجل رأيه في استبدال الزوجة والبحث عن أنثى من اللاتي يراهن على شاشات تلفزيون الجيران الذي ما كان يملكه لأن تطلعات كومار بدأت مع بداية تفكيره في تغيير المنزل، ثم الذهاب إلى دلهي. وقد لا يكون كذلك، ويكون من عشاق التربة والأولى والترائب، ولن يدع نفسه تخوض في مصائب وخرائب، هو في غنى عنها، وهو ما بين هذا وذاك، ما بين الثابت والمتحول، في رحلة البحث عن الأمل الجديد. ------------------------------------- عن صحيفة " الاتحاد" الاماراتية