يخطئ من يدعو لتعقب الدكتور توفيق عكاشة، صاحب قناة الفراعين، قضائيًا بتهمة معاداة الثورة أو الإساءة لشهدائها، و يخطئ أكثر من يطالب بمقاطعة الرجل أو مطاردته بالسخرية والتشهير ، ليس فقط لأن الديمقراطية تأبى ذلك، وإنما أيضًا لحاجة مصر الماسة لبقاء هذا النموذج .. الخاص، الثري، المبدع. أما جوانب هذه الحاجة، فتتنوع باختلاف الرغبات، فمن كان يبحث عن ضحكة صافية من القلب، سيجدها لدى الدكتور، ومن كان يريد التعرف على آخر إفيهات الفلاحين فعليه بالدكتور، ومن كان يأبى التعبير عن مواقفه بألفاظ خارجة أو خادشة، فليلق همومه عند صاحب "الفراعين"، وسيترجمها هو إلي كلمات وأهات وتشنجات ونصائح ووصايا، وربما إشارات صريحة، على الهواء مباشرة. يغضبك ترشح البرادعي للرئاسة؛ شاهد الدكتور عكاشة وستعرف أن موقفك السياسي صحيح تماما، فقد أثبت الرجل - وما زال - أن مدير وكالة الطاقة الذرية السابق، لا يعرف عدد أعواد الجرجير في كل ربطة، وأنه - أيضا - لا يملك أي معلومة عن تزغيط البط ولا برك البقر والجاموس في الأسواق الممتدة بربوع الريف المصري .. أكثر من ذلك، سيريحك الدكتور عكاشة بمعلومات خطيرة عن علاقة البرادعي بأمريكا، وكيف أنه كان سببًا في غزو العراق، ثم كيف جاملته لجنة نوبل عندما اختارته للفوز بجائزتها الشهيرة .. ستسمع ذلك، وتشد نفساً عميقًا من سيجارتك، وتقول لمن يجلسون بجوارك: ألم أقل لكم!. أما إذا كنت من أنصار البرادعي، فأنت أيضًا مستفيد بوجود الدكتور عكاشة، ذلك أنك ستتابع أخطاءه الساذجة وتصرفاته الغريبة ودعايته الفجة لنفسه، لتعرف أن مرشحك للرئاسة رجل وقور يعرف مقامه فلا ينساق وراء الصغائر .. ستقول بالتأكيد: أليس توفيق عكاشة هو نفسه ربيب إعلام صفوت الشريف ونائب الحزب الوطني في مجلس الشعب المزور؟!. سيدفعك فضولك لعقد مقارنة بين الرجلين، ثم تمدد قدميك واثقًا، بأن الشجرة المثمرة فقط هي التي يرميها الصغار بالطوب .. ستقول يقينًا: اللهم احفظ الصغار، فلولاهم ما عرفنا قيمة الكبار!. كذلك يمثل الدكتور عكاشة كنزًا للوهابيين ( السلفيين ) والإخوان والصوفيين، فهو يتحدث عن الجميع ك"جهله" بصحيح الدين، ثم يستطرد شارحًا الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، فيقع - بحكم اعتماده على علمه الخاص - في أخطاء سافرة، تكشف كم نحن في حاجة لمن يحمي هذا الدين ممن يقتحمون أسواره بغير علم أو خجل. في الوقت ذاته، يمكن لخصوم تلك الجماعات أن يستفيدوا بكلام الدكتور؛ فهو وحده يملك المعلومات الكاملة عن مؤامرات الإخوان المدعومة من تركيا، وكذلك عن تعاون السلفيين مع السعودية، فضلاً عن المغامرات السرية لشيوخ الفضائيات في دنيا المال والنساء الواسعة. حتى لمنافسيه، يمثل الدكتور توفيق عكاشة حالة ملهمة، فهو يعلمهم، حتى وهو يجري مداخلة على قناته الخاصة، "طريقة إلقاء السؤال على الضيوف"، وهو أيضًا الذي يوجه فريق إخراجه على الهواء، و يأخذ رأي المشاهدين في العقوبة الواجبة لمن أخطأ خلف الكاميرا. هو أيضًا، الإعلامي الوحيد القادر على الحديث المنفرد لأكثر من 3 ساعات متصلة، كما أنه الرجل الذي لا يخفي سرًا عن مشاهديه، بما في ذلك "سر وسامته" و"شجرة عائلته"، ناهيك طبعًا عن أنه أول إعلامي يظهر بالجلابية، ليحلل وضع مصر وطريق خلاصها، مكررًا ما كان الرئيس الراحل أنور السادات يفعله في بعض الأحيان، لترسيخ مفهوم "أخلاق القرية". ويقينًا أن الدكتور توفيق، قد أفاد بهذه الطلة جماهير واسعة، منها الترزي الذي خاط له الجلابية الأنيقة، وكذلك أصدقاؤه الذين أحاطوا به طوال البرنامج الحواري الممتع، والأهم أن جماهير المشاهدين لم تخرج خالية الوفاض، فقد كان الحمار الواقف في خلفية المشهد "ينهق" بين حين وآخر، ليدفع الجميع للاستعاذة من الشيطان الرجيم، ومن ثمّ الفوز بثوابها، فضلاً عن مكسبهم الرئيسي المتمثل في .. مشاهدة الحمار.