حين عرج بسيارته على الوصلة المظلمة فى الطريق ، أدرك أن اليوم منتصف الشهر ، فالقمر الكامل يلقى بنوره الفضى على الطريق بأكمله ، لا تحده أضواء ولا محلات ، القمر والطريق والسيارات التى إعتمد أغلبها على ضوئه للمسير. نبض قلبه نبضة خفيفة معتادة، تصيبه أحياناً حين يكتمل القمر. أغلق أضواء سيارته وأشعل سيجارة وأخذ يدندن بصوت خافت وهو يقطع الطريق الذى يحفظه تماماً بتعرجاته ومطباته وكل ما فيه مثلما يحفظ ظهر امرأته. لم يكن هناك داع للعجلة الآن، فزوجته فى كافة الأحوال ستنتظره والعشاء ينتظره والحمام بعد عناء يوم عمل طويل ينتظره ، لكن القمر لا ينتظر احداً ولو أراد أن يتنعم بضوئه فليس ثمة فرصة سوى هذا الطريق، بعده تبدأ إنشاءات الكوبرى الجديد وتغمرك الأضواء المحذرة بأنها منطقة عمل ثم محطة البنزين ثم المطاعم ثم البيت. على ضوء القمر تبينت له السيارة التى تسبقه ، لفت انتباهه انها تسير ببطء ملحوظ ، ثم رأى رأساً تخرج فجأة من الكرسى المجاور للسائق وتهبط على فخذى السائق. لم يكن الأمر يحتاج الكثير من الذكاء ليدرك أن الرأس الذى هبط وارتفع كان لإمرأة ، وأن نزولها الرومانسى على فخذ الحبيب أعقبه أنه رفع يده اليمنى وحوطها بها بينما اليسرى على مقود السيارة. جرفه ضوء القمر الفضى لمشهد مماثل حين لمس يدها أول مرة وشعر أن قلبه يخرج من بين ضلوع صدره ويحتضنها عوضاً عنه، وقتها تمنى لو تغطيهما السحب ويختفيا عن الأنظار لكن الأصابع تركت بعضها مضطرة حين اقتربت سيارتهما من الأضواء وانزوت هى فى كرسيها ثانية. دون أن يدرى نظر الى أصابعه ثم بدأ يدندن ثانية وهو يرقب السيارة الصغيرة أمامه. كان يعرف أنها لابد ستقوم من نومتها على فخذه فالميدان المضيء قريب ، وباعة المناديل وأمناء الشرطة يملأونه ، وقد كان ، بعد عدة أمتار قام الرأس ثانية من مهبطه ، اعتدل، وغاص فى كرسيه مقهوراً ، وهو يرقب كل الوصل والبعد وقلبه ينبض بوجع. وبعد أن أعطى ظهره للقمر ، وغمرته الأضواء المحذرة فى قلب انشاءات الكوبرى الجديد ، وبعد أن مر بمحطة البنزين والمطاعم وشارف على الوصول للبيت ، تملكته رغبة واحدة أن يجد زوجته الليلة فى مزاج رائق لتدلك له ظهره ، وربما يحالفه الحظ أكثر فيكون مزاجها أكثر حرارة فتنهى على ما بقى فيه من قوة لينام وينسى القمر وما سببه فى قلبه من حنين موجع. بعد عدة ساعات ، كان يمكن مشاهدة ضوء سيجارته فى الشرفة وهو لا يزال يرقب القمر.