جدول امتحانات الأزهر الشريف.. وتنويه مهم بشأن المقررات الدراسية    تفاصيل المرحلة الثانية من القافلة السادسة لدعم غزة.. تشمل 2400 طن مساعدات    مصدر: وزير الخارجية المصري يتوجه إلى تركيا قبل زيارة مرتقبة للسيسي    عاجل...العقوبات المنتظرة على الزمالك بسبب لقاء القمة    الأهلي يستعيد خدمات مروان عطية في رحلة الكونغو    كولر يفاجئ لاعبيه بعد الهزيمة من الزمالك    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    "الصحة": ميزانية التأمين الشامل تتحقق تغطية ل 70% من المواطنين (فيديو)    بمعدل نمو 48%.. بنك فيصل يربح 6 مليارات جنيه في 3 شهور    مسئولو الإسكان يتابعون سير العمل بالمنطقة الصناعية في العاشر من رمضان    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    14 مشروعا كمرحلة أولى لتطوير موقع التجلى الأعظم بسانت كاترين    وكيل الأزهر للعاملين ب "البحوث الإسلامية": الظروف المحيطة تحتاج مزيدا من الأداء    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    إعلام عبري: إسرائيل قد تغتال قادة إيرانيين للرد على الهجوم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    قراصنة دوليون يخترقون بيانات حساسة في إسرائيل    ننشر شروط وقواعد القبول في المدارس المصرية اليابانية    ضغوط الفائدة.. المركزي يرفض بيع أذون الخزانة المستهدفة لأول مرة منذ التعويم    لتخفيض سعر الرغيف الحر.. تفاصيل اجتماع شعبة المخابز مع وزير التموين    دوري المحترفين.. «5 مواجهات» في الجولة السادسة بمجموعة الهبوط    ثلاثة مصريين في نهائي بلاك بول المفتوحة للاسكواش    بنى سويف تنفذ اختبارات الانتقاء بدوري مراكز الشباب في نسخته العاشرة    «التصديري للصناعات الهندسية»: 18 شركة بالقطاع تشارك بمعرض كانتون في الصين    "التعليم" تجري تقييمات للطلاب في المواد غير المضافة للمجموع.. والمدارس تحدد المواعيد    ضحايا وسيول بسبب تقلبات الطقس .. ماذا يحدث فى دول الخليج ؟ الأرصاد تجيب    انتقام ناري وراء تفحم شقة بالوراق    ضبط 171 قضية مخدرات و27 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    «الداخلية» تكشف تفاصيل ظهور شخصين يستقلان دراجة وبحوزتهما أسلحة نارية في الجيزة    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    لمشاهدة فيلم شقو.. جمهور السينما ينفق 41 مليون جنيه (تفاصيل)    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    مستشار المفتي: مصر قدَّمت مع ميلاد جمهوريتها الجديدة نموذجًا محكما في التواصل العالمي    بمهرجان كان.. فيلم شرق 12 يشارك في مسابقة أسبوع المخرجين    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    «افرح يا قلبي».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب ل علوية صبح    رئيس الوزراء يُتابع الخطط المستقبلية لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.. توفير 319 ألف فرصة عمل.. تسهيل وتقديم الخدمات ل 173 ألف مشروع.. وضخ 3.1 مليار جنيه لتمويل 111 ألف مشروع    اعتماد مستشفى حميات شبين الكوم من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    كول بالمر يصبح أول لاعب في تشيلسي يقوم بتسجيل سوبر هاتريك في مباراة واحدة منذ فرانك لامبارد في 2010    معلومات الوزراء: الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    هل أداء السنن يغني عن صلاة الفوائت؟ أمين الإفتاء يوضح    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    أوكرانيا: الجيش الروسي يقصف 15 منطقة سكنية في خيرسون    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المختارات


1- من ديوان الناس في بلادي..
عودة ذي الوجه الكئيب
هل عاد ذوالوجه الكئيب؟
ذوالنظرة البكماء والأنفِ المقوّس والندوب
هل عاد ذوالظفر الخضيب
ذوالمشيةِ التياهةِ الخيلاء تنقُرُ في الدروب
لحناً من الإذلالِ والكذِبِ المرقّشِ والنعيب
ومدينتي معقودةُ الزّنارِ
عمياءَ ترقص في الظلام
ويصفر الدجالُ والقواد والقرّاد والحاوي الطروب
في عرس ذي الوجه الكئيب

من أين جاء؟
ويقول سادتُنا الأماجد حين يزوون الجبين
شأنَ الثِّقاةِ العارفين
من السماء
من أين جاء؟
ويظلّ أهلُ الفضل فينا حائرين
ويتمتمون علي مسابحهم وهم يتلاغطون
هذا ابتلاء الله! هذا من تدابير القضاء

من أين جاء؟
ويقول أصحابي وهم كالزّعزع النكباءِ قوة
العزمُ يلمع في عيونهم وتجري في عروقهمُ الفتوّة
من الجحيم
وكيف جاء؟
هذا أبوالهول المخيف
نصب السرادق عند باب مدينتي للقادمين
والعائدين
والهاربين إلي الفضاء
والواجلين إلي البناء
لا، لم يدَعْ أحداً
إلاّ وألقي دونه هذا السؤال
من خالق الدنيا؟
الملتحون تهلّلوا، وأجاب رائدُهم بصوتٍ مستفيض:
الله خالقُها.. وهذا لا يصحّ به سؤال
وعوي أبوالهول المخيف، وقلَب الوجهَ الكئيب إلي اليسار
ورمي بجمع الملتحين إلي الدمار
والأمْرَدُونَ تأمّلوا، وأجاب رائدُهم بصوتٍ مستفيض:
لا نستطيع، بل نحن نعرف، إنه قِدَمُ الطبيعة
وعوي أبوالهول المخيفُ، وقلب الوجهَ الكئيبَ إلي اليسار
ورمي بجمعِ الأمردين إلي الدمار

وتقدّم الدجالُ والقوادُ والقرّادُ والحاوي الطروب
وتضعضعوا، قالوا معاذك، أنت خالقها، أجل
أنت الزمان
أنت المكان
أنت الذي كان
أنت الذي سيكون في آتي الأوان
وعوي أبوالهول المخيفُ وقلب الوجهَ الكئيبَ إلي اليمين
وأشار، ثمّ تواثبوا فوق الأرائكِ جالسين

سيظلّ ذوالوجهِ الكئيبِ وأنفُه ونيوبُه
وخطاه تنقر في حوائطنا الخراب
إلا إذا
إلاّ إذا مات
سيموت ذو الوجه الكئيب
سيموت مختنقاً بما يلقيه من عفنٍ علي وجهِ السماء
في ذلك اليوم الحبيب
ومدينتي معقودة الزنار مبصرة سترقص في الضياء
في موت ذي الوجه الكئيب
السلام
ويظل يسعل, والحياة تموت في عينيه
إنسان يموت
وعلي مُحيَّاه القسيمِ وداعةُ الحزن الصموت
والبسمة البيضاء تهمر فوق خديه مَحبَّة
لك, لي, لمن داسوه في درب الزحام
ألقي السلام
وصفا محياه, وأغفت بين جفنيه غمامة
بيضاء شاحبةٌ يُطلُّ بعمقها نجما سواد
وتمطت الرئتان في صدر زجاجيٍّ خرِب
وامتدت الأنفاسُ مجهدةً تراوغُ أن تبوح
بالإنكسار
إني انهزمت ولم أُصب من وسعها إلا الجدار
والنور والسعداء من حولي, وقافلة البيوت
لكنه ألقي السلام
كنا علي ظهر الطريق عصابة من أصدقاء
متعذبين
بالكتب والأفكار والدخان والزمنِ
طال الكلام, مضي المساء لجاجةً, طال الكلام
وابتلَّ وجهُ الليلِ بالأنداء
ومشت إلي النفس الملالة, والنعاس إلي العيون
وامتدت الأقدام تلتمس الطريق إلي البيوت
وهناك في ظل الجدار يظل إنسان يموت
ويظل يسعل, والحياة تجف في عينيه
إنسان يموت
والكتب والأفكار ما زالت تسدُّ جبالُها
وجهَ الطريق
وجهَ الطريق إلي السلام
الناس في بلادي
الناس في بلادي جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة الشجر
وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب
خطاهمو تريد أن تسوخ في التراب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشأون
لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتي نقود
ومؤمنون بالقدر
وعند باب قريتي يجلس عمي "مصطفي"
وهو يحب المصطفي
وهويقضّي ساعة بين الأصيل والمساء
وحوله الرجال واجمون
يحكي لهم حكاية.. تجربة الحياة
حكاية تثير في النفوس لوعة العدم
وتجعل الرجال ينشجون
ويطرقون
يحدقون في السكون
في لجة الرعب العميق، والفراغ، والسكون
" ما غاية الإنسان من أتعابه، ما غاية الحياة؟
يا أيها الإله!!
الشمس مجتلاك ، والهلاك مفرق الجبين
وهذه الجبال الراسيات عرشك المكين
وأنت نافذ القضاء أيها الإله
بني فلان ، واعتلي ، وشيد القلاع
وأربعون غرفة قد ملئت بالذهب اللماع
وفي مساء واهن الأصداء جاءه عزريل
يحمل بين إصبعيه دفترا صعيرا
ومد عزريل عصاه
بسر حرفي "كن" ، بسر لفظ "كان"
وفي الجحيم دُحرجت روح فلان
(أيها الإله ...
كم أنت قاس ٍِ موحش أيها الإله).
بالأمس زرت قريتي ، قد مات عمي مصطفي
ووسدوه في التراب
لم يبتن القلاع (كان كوخه من اللبن)
وسار خلف نعشه القديم
من يملكون مثله جلباب كتان قديم
لم يذكروا الإله أو عزريل أو حروف (كان)
فالعام عام جوع
وعند باب القبر قام صاحبي خليل
حفيد عمي مصطفي
وحين مد للسماء زنده المفتول
ماجت علي عينيه نظرة احتقار
فالعام عام جوع.
2- من ديوان "أقول لكم"..
موت فلاح
لم يك يوما مثلنا يستعجل الموتا
لأنه كل صباح كان يصنع الحياة في التراب
ولم يكن كدأبنا يلغط بالفلسفة الميتة
لأنه لم يجد الوقتا
فلم يمل للشمس رأسه الثقيل بالعذاب
والصخرة السمراء ظلت بين منكبيه ثابتة
كانت له عمامة عريضة تعلوه
وقامة مديدة كأنه وثن
ولحية ألملح والفلفل لوّناها
ووجهه مثل أديم الأرض مجدورُ
لكنه، والموت مقدورُ
قضي ظهيرة النهار، والتراب في يدهْ
والماء يجري بين أقدامهْ
وعندما جاء ملاك الموت يدعوهُ
لوّن بالدهشة عينا وفما
واستغفر اللهَ
ثمّ ارتمي
وجاء أهله وأسبلوا جفونهْ
وكفّنوا جثمانه وقبّلوا جبينهْ
وغيّبوه في التراب في منخفض الرمال
وحدّقوا إلي الحقول في سكينة
وأرسلوا تنهيدة قصيرة...قصيرة
ثمّ مضوا لرحلة تخوضها بقريتي الصغيرة
من أوّل الدهر الرجال
من أوّل الزمان
حتّي الموت في الظهيرة
الظل والصليب
هذا زمان السأم
نفخ الأراجيل سأم
دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل ..
سأم
لا عمق للألم
لأنه كالزيت فوق صفحة السأم
لا طعم للندم
لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة ..
ويهبط السأم
يغسلهم من رأسهم إلي القدم
طهارة بيضاء تنبت القبور في مغاور الندم
نفن فيها جثث الأفكار والأحزان ، من ترابها ..
يقوم هيكل الإنسان
إنسان هذا العصر والأوان
(أنا رجعت من بحار الفكر دون فكر
قابلني الفكر ، ولكني رجعت دون فكر
أنا رجعت من بحار الموت دون موت
حين أتاني الموت، لم يجد لديّ ما يميته،
وعدت دون موت
أنا الذي أحيا بلا أبعاد
أنا الذي أحيا بلا آماد
أنا الذي أحيا بلا ظل .. ولا صليب
الظل لص يسرق السعادة
ومن يعش بظله يمشي إلي الصليب، في نهاية الطريق
يصلبه حزنه، تسمل عيناه بلا بريق
يا شجر الصفصاف : إن ألف غصن من غصونك الكثيفة
تنبت في الصحراء لوسكبت دمعتين
تصلبني يا شجر الصفصاف لوفكرت
تصلبني يا شجر الصفصاف لوذكرت
تصلبني يا شجر الصفصاف لوحملت ظلي فوق كتفي، وانطلقت
وانكسرت
أوانتصرت
إنسان هذا العصر سيد الحياة
لأنه يعيشها سأم
يزني بها سأم
يموتها سأم
2
قلتم لي :
لا تدسس أنفك فيما يعني جارك
لكني أسألكم أن تعطوني أنفي
وجهي في مرآتي مجدوع الأنف
3
ملاحنا ينتف شعر الذقن في جنون
يدعواله النقمة المجنون أن يلين قلبه، ولا يلين
(ينشده أبناءه وأهله الأدنين، والوسادة التي لوي عليها فخذ زوجه، أولدها محمداً وأحمداً وسيدا
وخضرة البكر التي لم يفترع حجابها انس ولا شيطان)
(يدعو اله النعمة الأمين أن يرعاه حتي يقضي الصلاة،
حتي يؤتي الزكاة، حتي ينحر القربان، حتي يبتني بحر ماله كنيسة ومسجداً وخان)
للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان
ملاحنا يلوي أصابع خطاطيف علي المجداف والسكان
ملاحنا هوي إلي قاع السفين ، واستكان
وجاش بالبكا بلا دمع .. بلا لسان
ملاحنا مات قبيل الموت، حين ودع الأصحاب
.. والأحباب والزمان والمكان
عادت إلي قمقمها حياته، وانكمشت أعضاؤه، ومال
ومد جسمه علي خط الزوال
يا شيخنا الملاح ..
.. قلبك الجريء كان ثابتاً فما له استطير
أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحوالمشرق البعيد
ثم قال :
- هذي جبال الملح والقصدير
فكل مركب تجيئها تدور
تحطمها الصخور
وانكبتا .. ندنو من المحظور، لن يفلتنا المحظور
- هذي إذن جبال الملح والقصدير
وافرحا .. نعيش في مشارف المحظور
نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير والتوقع المرير
وبعد آلاف الليالي من زماننا الضرير
مضت ثقيلات الخطي علي عصا التدبر البصير
ملاحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نلامس الجبل
وطار قلبه من الوجل
كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم
حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحوالقاع
ولم يعش لينتصر
ولم يعش لينهزم
ملاح هذا العصر سيد البحار
لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم
لأنه يموت قبل أن يصارع التيار
4
هذا زمن الحق الضائع
لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتي قتله
ورؤوس الناس علي جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات علي جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك!
3 من ديوان »أقول لكم«
أُجافيكم لأعرفكم
أنا شاعر....
ولكن لي بِظهرِ السوقِ أصحابٌ أخلاءُ
وأسمرُ بينهم بالليلِ أسقيهم ويسقونني
تطول بنا أحاديثُ الندامي حين يلقونني
علي أني سأرجعُ في ظلامِ الليل حين يُفضّ سامرُكم
وحين يغور نجمُ الشرقِ في بيتِ السما الأزرقْ
إلي بيتي
لأرقدَ في سماواتي
وحيداً...في سماواتي
وأحلُمَ بالرجوعِ إليكمُ طلقاً وممتلئاً
بأنغامي... وأبياتي
أُجافيكم... لأعرفكم
فلن تختارَ غيرَ الموت
وهل من ماتَ لم يترك له رسماً علي الجدرانْ !!
3- من ديوان " أحلام الفارس القديم "
حين فقدنا الرضا
بما يريد القضا
لم تنزل الامطار
لم تورق الاشجار
لم تلمع الاثمار
حين فقدنا الرضا
حين فقدنا الضحكا
تفجرت عيوننا ....... بكا
حين فقدنا هدأة الجنب
علي فراش الرضا الرحب
نام علي الوسائد
شيطان بغيض فاسد
معناقي ، شريك مضجعي ، كأنما ...... قرونه علي يدي
حين فقدنا جوهر اليقين
تشوهت أجنة الحبالي في البطون
الشعر ينموفي مغاور العيون
والذقن معقود علي الجبين
جيل من الشياطين
جيل من الشياطين
2
احرص ألا تسمع
احرص ألا تنظر
احرص ألا تلمس
احرص ألا تتكلم
قف !
وتعلق في حبل الصمت المبرم
ينبوع القول عميق
لكن الكف صغيرة
من بين الوسطي والسبابة والابهام
يتسرب في الرمل ........... كلام
3
ولانك لا تدري معني الالفاظ
فأنت تناجزني بالالفاظ
اللفظ حجر
اللفظ منية
فإذا ركبت كلاماً فوق كلام
من بينهما استولدت كلام
لرأيت الدنيا مولوداً بشعاً
وتمنيت الموت
أرجوك .......
الصمت .....
الصمت !
4
تظل حقيقة في القلب توجعه وتضنيه
ولوجفت بحار القول لم يبحر بها خاطر
ولم ينشر شراع الظن فوق مياهها ملاح
وذلك أن ما نلقاه لا نبغيه
وما نبغيه لا نلقاه
وهل يرضيك أن ادعوك يا ضيفي لمائدتي
فلا تلقي سوي جيفة
تعالي الله ، أنت وهبتنا هذا العذاب وهذه الآلام
لانك حينما ابصرتنا لم نحل في عينيك
تعالي الله ، هذا الكون موبوء ، ولا برء
ولوينصفنا الرحمن عجل نحونا بالموت
تعالي الله ، هذا الكون لا يصلحه شئ
فأين الموت ، أين الموت ، أين الموت
5
شيخي بسام الدين يقول :
" يا بشر ....... اصبر
دنيانا اجمل مما تذكر
لا تبصر إلا الانقاض السوداء "
ونزلنا نحوالسوق انا والشيخ
كان الانسان الافعي يجهد ان يلتف علي الانسان الكركي
فمشي من بينهما الانسان الثعلب
عجباً .......... ،
زور الانسان الكركي في فم الانسان الثعلب
نزل السوق الانسان الكلب
كي يفقأ عين الانسان الثعلب
ويدوس دماغ الانسان الافعي
واهتز السوق بخطوات الانسان الفهد
قد جاء ليبقر بطن الانسان الكلب
ويمص نخاع الانسان الثعلب
يا شيخي بسام الدين
قل لي أين الانسان .. الانسان ؟
شيخي بسام الدين يقول :
" اصبر .... سيجئ ..
سيهل علي الدنيا يوماً ركبه
يا شيخي الطيب !
هل تدري في اي الايام نعيش ؟
هذا اليوم الموبوء هواليوم الثامن
من ايام الاسبوع الخامس
من الشهر الثالث عشر
الانسان .. الانسان عبر
من اعوام
ومضي لم يعرفه بشر
حفر الحصباء ونام
وتغطي بالآلام
أغنية من فينا
كانت تنام في سريري ، والصباح
منكب كأنه وشاح
من رأسها لردفها
وقطرة من مطر الخريف
ترقد في ظلال جفنها
والنفس المستعجل الحفيف
يشهق في حلمتها
وقفت قربها، أحبها، أرقبها، أشمها
النبض نبض وثني
والروح روح صوفي، سليب البدن
أقول ، يا نفسي، رآك الله عطشي حين بل غربتك
جائعة فقوتك
تائهة فمد خيط نجمة يضيء لك
يا جسمها الأبيض قل : أأنت صوت؟
فقد تحاورنا كثيراً في المساء
يا جسمها الأبيض قل: أأنت خضرة منوّرة؟
يا كم تجولت سعيدا في حدائقك
يا جسمها الأبيض قل : أأنت خمرة؟
فقد نهلت من حواف مرمرك
سقايتي من المدام والحباب والزبد
يا جسمها الأبيض مثل خاطر الملائكة
تبارك الله الذي قد أبدعك
وأحمد الله الذي ذات مساء
علي جفوني وضعك
لما رأينا الشمس في مفارق الطرق
مدت ذراعيها الجميلتين
مدت ذراعيها المخيفتين
ونقرت أصابع المدينة المدببة
علي زجاج عشنا، كأنها تدفعنا
تذهب ، أين ؟
تشابكت أكفّنا ، واعتنقت
أصابع اليدين
تعانقت شفاهنا، وافترقت
في قبلة بليلة منهومة
تفرقت خطواتنا، وانكفأت
علي السلالم القديمة
ثم نزلنا للطريق واجمين
لما دخلنا في مواكب البشر
المسرعين الخطو نحو الخبز والمئونة
المسرعين الخطو نحو الموت
في جبهة الطريق ، انفلتت ذراعها
في نصفه، تباعدت، فرّقنا مستعجل يشد طفلته
في آخر الطريق تقت - ما استطعت - لورأيت
ما لون عينيها
وحين شارفنا ذري الميدان غمغمت بدون صوت
كأنها تسألني .. من أنت ؟
أغنية للشتاء
ينبئني شتاء هذا العام
أنني أموت وحدي
ذاتَ شتاء مثله, ذات شتاء
يُنبئني هذا المساء أنني أموت وحدي
ذات مساء مثله, ذات مساء
وأن أعوامي التي مضت كانت هباء
وأنني أقيم في العراء
ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي
مرتجف بردا
وأن قلبي ميت منذ الخريف
قد ذوي حين ذوت
أولي أوراق الشجر
ثم هوي حين هوت
أول قطرة من المطر
وأن كل ليلة باردة تزيده بُعدا
في باطن الحجر
وأن دفء الصيف إن أتي ليوقظه
فلن يمد من خلال الثلج أذرعه
حاملة وردا
ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض
وأن أنفاسيَ شوك
وأن كل خطوة في وسطها مغامرة
وقد أموت قبل أن تلحق رِجلٌ رِجلا
في زحمة المدينة المنهمرة
أموت لا يعرفني أحد
أموت لا يبكي أحد
وقد يُقال بين صحبي في مجامع المسامرة
مجلسه كان هنا, وقد عبر
فيمن عبر
يرحمُهُ الله
ينبئني شتاء هذا العام
أن ما ظننته شفايَ كان سُمِّي
وأن هذا الشِعر حين هزَّني أسقطني
ولستُ أدري منذ كم من السنين قد جُرحت
لكنني من يومها ينزف رأسي
الشعر زلَّتي التي من أجلها هدمتُ ما بنيت
من أجلها خرجت
من أجلها صُلبت
وحينما عُلِّقتُ كان البرد والظلمة والرعدُ
ترجُّني خوفا
وحينما ناديته لم يستجب
عرفتُ أنني ضيَّعتُ ما أضعت
ينبئني شتاء هذا العام أننا لكي نعيش في الشتاء
لابد أن نخزُنَ من حرارة الصيف وذكرياتهِ
دفئا
لكنني بعثرتُ في مطالع الخريف
كل غلالي
كل حنطتي, وحَبِّي
كان جزائي أن يقول لي الشتاء انني
ذات شتاء مثله
أموت وحدي
ذات شتاء مثله أموتُ وحدي .
أغنية إلي الله
لينتثرْ فتاتُ لحمنا علي جناح عيشنا الغريبْ
ولنتغرّبْ في قفار العمر والسهوبْ
ولننكسرْ في كل يومٍ مرتينْ
فمرةً حين نقابل الضياءْ
ومرةً حين تذوب الشمس في الغروبْ
فقد أردنا أن نري أوسعَ من أحداقنا
وأن نطول باليد القصيرة المجذوذة الأصابع
سماءَ أمنيّاتنا
الله يا وحدتي المغلقة الأبوابْ
الله لومنحتني الصفاءْ
الله لوجلست في ظلالك الوارفة اللفَّاءْ
أجدل حبل الخوف والسأمْ
طول نهاري
أشنق فيه العالم الذي تركته ورا جداري
ثم أنام غارقًا، فلا يغوص لي
حُلُمْ
حين تصير الرغبات أمنياتْ
لأنها بعيدة المطال في السما
ثم تصير الأمنيات وَهْما
لأنها تقنّعت بالغيم والضبابْ
وهاجرت مع السحابْ
واستوطنت أعاليَ الهضابْ
ثم يصير الوهم أحلاما
لأنه مات، فلا يطرق سور النفس إلا حين يظلم المساءْ
كأنه أشباح ميتين من أحبابنا
ثم يصير الحلم يأسًا قاتمًا وعارضًا ثقيلا
أهدابنا
أثقل من أن تري
وإن رأت فما يري العميانْ؟
أقدامنا
أثقل من أن تنقل الخطي
وإن خطت تشابكت، ثم سقطنا هزأةً كبهلوانْ
نصرخ، يا ربنا العظيم، يا إلهنا
أليس يكفي أننا موتي بلا أكفانْ
حتي تذلّ زهونا وكبرياءنا؟
حزني ثقيلٌ فادحٌ هذا المساءْ
كأنه عذاب مصفّدين في السعيرْ
حزني غريب الأبوينْ
لأنه تَكوَّن ابنَ لحظةٍ مفاجئة
ما مخضته بطنْ
أراه فجأةً إذا يمتدّ وسط ضحكتي
مكتملَ الخلقة، موفور البدنْ
كأنه استيقظ من تحت الركامْ
بعد سُباتٍ في الدهورْ
لقد بلوت الحزنَ حين يزحم الهواء كالدخانْ
فيوقظ الحنينَ، هل نري صحابنا المسافرينْ
أحبابنا المهاجرينْ
وهل يعود يومنا الذي مضي من رحلة الزمانْ؟
ثم بلوت الحزن حين يلتوي كأفعوانْ
فيعصر الفؤاد ثم يخنقه
وبعد لحظةٍ من الإسار يعتقه
ثم بلوت الحزن حينما يفيض جدولاً من اللهيبْ
نملأ منه كأسنا، ونحن نمضي في حدائق التذكّراتْ
ثم يمر ليلنا الكئيبْ
ويشرق النهار باعثًا من المماتْ
جذورَ فرحنا الجديبْ
لكنّ هذا الحزن مسخٌ غامضٌ، مستوحشٌ، غريبْ
فقل له يا ربِّ، أن يفارقَ الديارْ
لأنني أريد أن أعيش في النهارْ
يا ربنا العظيم، يا معذبي
يا ناسجَ الأحلام في العيونْ
يا زارعَ اليقين والظنونْ
يا مرسلَ الآلام والأفراح والشجونْ
اخترتَ لي،
لشدّ ما أوجعتتي
ألم أخلص بعد،
أم تري نسيتني؟
الويل لي، نسيتني
نسيتني
نسيتني
4- من ديوان " تأملات في زمن جريح"
مذكرات رجل مجهول
-1-
أصحوأحيانا لا أدري لي إسما
أووطنا ، أوأهلاً
أتمهل في باب الحجرة حتي يدركني وجداني
فيثيب إليً بداهة عرفاني
متمهلة في رأسي ، تهوي في أطرافي ثِقلاً
تلقي مرساها في قلبي
...
هذا يوم مكرور من أيامي
يوم مكرور من أيام العالم
تلقيني فيه أبواب في أبواب
ويغللني عرقي ثوبا نسجته الشمس الملتهبة
وأعود إلي بيتي مقهوراً
لا أدري لي إسما
أووطنا
أوأهلاً
-2-
هذا يوم تافه
مزقناه إربا إربا
ورميناه للساعات
هذا يوم كاذب
قابلنا فيه بضعة أخبارٍ أشتاتٍ لقطاء
فأعنّاها بالمأوي والأقوات
وولدنا فيه كذبا شخصياً
نميناه حتي أضحي
أخباراً تعدوفي الطرقات
هذا يوم خوّان
سألونا قبل الصبح عن الحق الضائع
فنكرناه وجحدناه
وتمسينا في الحانات
ودفعنا أجرة رشوتنا ، ثمن فطانتنا الصفراء
بين ضجيج الكاسات
هذا يوم بعناه للموت اليومي
بحياة زائفة صلده
وفرحنا أنّا ساومناه
وخدعناه ، ومكسناه
ما أحسن أنا علقنا هذا اليوم الغارب
...
في منحدر الشمس
فهوت ببقاياه
-3-
الأرض بغيّ طامث
دمها يجمد في فخذيها السوداوين
لايُطهرها حمل أوغُسل
من ضاجعها ملعون
الأبنية المرصوصة في وجه المارين سجون
سجانوها الحيطان وقرب الإنسان من الإنسان
سجناً أبدياً ... يا مسجون
والأيام أشراك
من تحت مُلاءتها أخفتها عنا مائدة الإفطار
في الشارع غطتها أوراق الأشجار
علبُ التبغ الملقاة ، وأوراق الصحف الممزوقة
والبسمةُ في عين الجار
فاسقط يا مطعون
-4-
الحمد لنعمته من أعطانا هذا الليل
صمتُ الأشياء وسادتنا
والظلمة فوق مناكبنا
ستر وغطاء
الحمد لنعمته من أعطانا الوحدة
لنعود إليها حين يموت اليوم الغارب
ونلم الأشلاء
الحمد لنعمته من أعطانا ألا نختار
رسم الأقدار
فلواخترنا لاخترنا أخطاء أكبر
وحياة أقسي وأمر
وقتلنا أنفسنا ندماً
ثمن الحرية ...ما دمنا أحرارا
-5-
يا هذا المفتون البسام الداعي للبسمات
نبئني ، ماذا أفعل
فأنا أتوسل بك
هل أغمس عيني في قمر الليل
أم أقتات الأعشاب المرة والورقا
أم أفتح بابي للأشباح
وأدعوها ، وأُطاعِمها
وأقدمها للألواح الممدودة حول خواني
وأقوم خطيباً فيهم
...
أحبابي ..! إخواني !
أم أبكي حين يجن الليل ،
وأغفودمعي في فودي
أم أضحك في مرآتي وحدي
إن كنت حكيما نبئني كيف أجّن
لأحسّ بنبض الكون المجنون
لا أطلب عندئذ فيه العقل
-6-
هاقد سلمت لكم ..قد سلمت
ضاعت بسماتي
لم تنفعني فلسفتي
سلمت
كسُرت راياتي
عجزت عن عوني معرفتي
سلمت
وشجاعا كنت لكي أنضو
عن نفسي ثوب الزهر المزعوم
وشجاعا كنت لكي أتهاوي عريانا
أثني ساقي ، أستصرخكم
...
هل تدعوني وحدي؟
وكفاكم إني سلمت
أم تضعوني في لحدي ؟
... ... ...
كونكم مشئوم
كونكم مشئوم

مرثية رجل تافه
مضت حياته...كما مضت
ذليلة موطَّأة
كأنها تراب مقبرة
وكان موته الغريب باهتا مباغتا
منتظَرا, مباغتا
الميتة المكررة
كان بلا أهل, بلا صِحاب
فلم يشارك صاحبا -حين الصبا- لهوَ الصبا
ليحفظ الوداد في الشباب
كان وحيدا نازفا كعابر السحاب
وشائعا كما الذباب
وكنتُ أعرفه
أراه كلما رسا بيَ الصباح في بحيرة العذاب
أجمع في الجراب
بضع لقيمات تناثرت علي شطوطها التراب
ألقي بها الصبيان للدجاج والكلاب
وكنت إن تركتُ لقمة أنفتُ أن ألمُّها
يلقطها, يمسحها في كمِّهِ
يبوسها
يأكلها
في عالم كالعالم الذي نعيش فيه
تعشي عيون التافهين عن وساخة الطعام والشراب
وتسألونني: أكان صاحبي؟
وكيف صحبةٌ تقوم بين راحلَيْن؟
إذن لماذا حينما نعي الناعي إليَّ نعيَهُ
بكيتهُ
وزارني حزني الغريب ليلتين
ثم رثيتهُ ..!
مرثية رجل عظيم
كان يريد أن يري النظام في الفوضي
وأن يري الجمال في النظام
وكان نادرَ الكلام
كأنه يبصر بين كل لفظتين
أكذوبة ميّتة يخاف أن يبعثها كلامُهُ
ناشرة الفودين, مرخاة الزمام
وكان في المسا يطيل صحبةَ النجوم
ليبصر الخيط الذي يلمُّها
مختبئا خلف الغيوم
ثم ينادي اللهَ قبل أن ينام
الله, هب لي المقلة التي تري
خلف تشَتُّتِ الشكول والصور
تغيُّر الألوان والظلال
خلف اشتباه الوهم والمجاز والخيال
وخلف ما تسدله الشمس علي الدنيا
وما ينسجه القمر
حقائقَ الأشياء والأحوال
وتسألونني: أكان صاحبي؟
هل صحبة تقوم بين سيدٍ عظيم
وخادمٍ محتال؟
مرثية صديق كان يضحك كثيرا
كان صديقي
حين يجيء الليل
حتي لا يتعطَّن كالخبز المبتل
يتحول خمرا
تتلامس ضحكته الأسيانة في ضحكته الفرحانة
طينا لمَّاعاً أسود
أوبلورا
ويخشخش في صوت الضحكات المرسَل
صوت كتكسُّر قشر الجوز المثقل
كنا نتلاقي
أوبالأحري نتوحد, كل مساء
في قاع الحانة
كالأكواخ المتقاربة المنهارة
والريح من الشباك المترب للشباك المترب
تتسكّع بين فراغات الأشياء
يتنحَّي كلٌّ منا عن موضعه للجار الأقرب
لا عن أدب وحياء
بل خوفا أن تختل الدورة
إذ نتصادم أونتلاقي
كلمات, أوأذرعة, أوآلاما, أوأهواء
حذرا أن نهتز ونتفتَّح
يتقارب كلٌّ منا في داخله كالأجَمِ الفارغ
فإذا مال تنحنح
كان صديقي في ساعات الليل الأولي
يتجول في بلدتهِ
كانت بلدتُه ساعات الليل الأولي
ويجمِّع من مهجته المنثورة
أومن بهجته المكسورة
ما ذاب نهارا في أسفلت الطرقات
يترشَّفُه قطرات...قطرات
حتي يمتليء كما تمتليء القارورة
يتعمَّمُ بالختم الطينيِّ اللمَّاع علي عينيه الطيبتين
ينقش فوق نداوته المحبورة
صورةَ كون فياض بالضحكات
يتدحرج نحوالحانة
يتعثَّر في أيدينا مختارا
يهوي مسفوحا
يتأرَّج عطرا, ريحا, روحا
يجعلنا أحيانا نضحك كالخمر الصفراء
إذ ندرك أان الأشياء المبذولة, مبذولة
والأشياء العادية, عادية
والأشياء الملساء, مجرد أشياء ملساء
يجعلنا أحيانا نضحك, إذ يضحك كالخمر السوداء
إذ يبصر في ورق الشجر المتهاوي
موتَ البذرة
أويتحسَّسُ بلسان الحكمة, واللامعني
حين يمصُّ ثنايا امرأة في قُبلتها الأولي
جدرانَ الجمجمة النخِرة
كنا, وصديقي, في آخر ساعات الليل
نتحول عاصفة مخمورة
تتخدد فوق ملامحنا
تجعلنا نهتزُّ ونتفتَّح
تجعلنا نتكسَّر
حتي نبدو كتلا متشابهة, متكررة, متآلفةً
من إنسان فرد متكثِّر
مات صديقي أمس
إذ جاء إلي الحانة, لم يُبصر منا أحدا
أقعي في مقعدهِ مختوما بالبهجة
حتي انتصف الليل
لم يُبصر منا أحدا
سالت من ساقيهِ البهجة
وارتفعت حكمته حتي مسَّت قلبَه
فتسمَّم بالحكمة
غاب الندماء, فلم يقدر أن يتحول خمرا
وتفتَّت مثل رغيف الخبز .
5- من ديوان " شجر الليل" ..
البحث عن وردة الصقيع
أبحث عنك في ملاءة المساء
أراك كالنجوم عارية
نائمة مبعثرة
مشوقة للوصل والمسامرة
والاقتراح الخمر والغناء
وحينما تهتز أجفاني
وتفلتين من شِباك رؤيتي المنحسرة
تذوين بين الأرض والسماء
ويسقط الإعياء
منهمرا كالمطرة
علي هشيم نفسي الذابلة المنكسرة
كأنه الإغماء
أبحث عنك في مقاهي آخر المساء, والمطاعم
أراكِ تجلسين جلسة النداء الباسم
ضاحكة مستبشرة
وعندما تهتز أجفاني
وتفلتين من خيوط الوهم والدعاء
تذوين بين النور والزجاج
ويقفر المقعد والمائدة الهباء
ويصبح المكان خاويا ومعتما
كأنه صحراء
أبحث عنكِ في العطور القلقة
كأنها تُطل من نوافذ الثياب
أبحث عنكِ في الخطي المفارقة
يقودها إلي لا شيء, لا مكان
وهم الانتظار والحضور والغياب
أبحث عنكِ في معاطف الشتاء إذ تُلف
وتصبح الأجسام في الظلام
تورية ملفوفة
أو نصبا من الرصاص والرخام
وفي الذراعين اللتين تكشفان عن منابت الزغَب
حين يهل الصيف
ترتجلان الحركات الملغزة
وتعبثان في همود الموت والسموم والزحام
حتي يدور العام
أبحث عنكِ في مفارق الطرق
واقفة, ذاهلةً, في لحظة التجلي
منصوبةً كخيمة من الحرير
يهزها نسيم صيفٍ دافيء
أو ريح صبحٍ غائمٍ مبلل مطير
فترتخي حبالها
حتي تميل في انكشافها
علي سواد ظلِّيَ الأسير
ويبتدي لينتهي حوارنا القصير
أبحث عنكِ في مرايا علب المساء والمصاعد
أبحثُ عنكِ في زحام الهمهمات
معقودة ملتفة في أسقف المساجد
أبحثُ عنكِ في المتاجر
أبحث عنك في محطات القطار والمعابر
في الكتب الصفراء والبيضاء والمحابر
وفي حدائق الأطفال, والمقابر
أنظرُ في عيون الناس جامدَ الأحداق
كأنني أسألُ كلَّ عابر
آوي إلي بيتيَ في الليل الأخير
أنتظر انبثاقك_البغتة_كالحقيقة
أيتها السفينة الوهمية المسار
يا وردة الصقيع
أيتها العاصفة المُحكمة الإسار
خلف فصول الزمن الدرار
حتي إذا طال انتظاريَ المرير
شربت كأس الخمر والدوار
كأنني أقبِّل الدموع في خدود الكأس
قطرةً, فقطرةً
كأنني ألتذُّ باليأس والانكسار
وأورق اليقينُ
أن مستحيلا قاطعا كالسيف
لقاؤُنا
إلا للمحةٍ من طرف .
توافقات
يعتريني المزاج الرمادي، حين تصيرُ السماءُ، رماديّةً، حين تذبلُ
شمسُ الأصيل، وتهوي علي خنجرِ
الشجرِ، النقط الشفقية تنزفُ
منها، تموت بلا ضجّةٍ، ويواري
أضالعها العاريات الترابُ الرميمْ
يعتريني المزاج الترابي، حين تصيرُ
السماء ترابيّةً، حين يصبح مرجُ
السماءِ جديبًا، كصحراءَ تنحلّ فيها
النجومُ رمالاً، وينحلُّ حتي يذوبَ
ببطن الهيولي القديم الترابُ
السقيمْ
يطلع الصبحُ، يطلع فيَّ صباحٌ،
فلا باهرَ الضوء، أومشرقَ
القسماتِ، ولكنه فارغٌ، الكلامُ
محارٌ رخيصٌ، وقلبيَ يفرغُ
من حزنه الغسقيّ لكي يشربَ
الضجرَ الماسخ الطعم، موجٌ
من اللحظات البطيئة يحملني
مثلما يحمل النسر والدود أو
يحمل الزهرَ والفطر والعشبَ
والريحَ، أويحمل العشق والقتلَ
أويحمل الذكريات الغبيّة، يلقي
بها في ظلام شطوط المساءِ
السديمْ
هنا أنا سائرٌ في الفصول، عليلٌ
صحيحٌ، كئيبٌ، وأخشي الكآبة
حينًا، وتمضي الحياة تعيد مداراتها،
والشموس النجوم تعيد استداراتها، وروحي تعيد ولاداتها واحتضاراتها
والشموسُ النجومْ
والشموسُ النجوم الأهلّة، يا زمنًا فاترًا، يا حياةً تجرّب كيف تقلد
صورتها في الزمانِ البعيد القديمْ
ها أنا أستدير بوجهي إليك، أيا زمنًا ليس يوجدُ بعدُ، أيا زمنًا قادمًا من وراءِ
الغيومْ
ها أنا أستدير بوجهي إليك، فأبكي لأنَّ انتظاريَ طال، لأن انتظاري يطول،
لأنك قد لا تجيء، لأن النجوم تكذب ظني، لأن كتابَ الطوالع يزعم أنك تأتي إذا اقترنَ
النسر والأفعوان، لأن الشواهد لم تتكشّف، لأن الليالي الحبالي يلدنَ ضحيً مجهضًَا،
ولأن الإشارات حين تجيءُ
تجيء الينا الإشارات من مرصدِ
الغيب يكشفُ عن سرها
العلماء الثقات، تقول:
انتظار عقيم!
انتظار عقيم!
انتظار عقيم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.