مارأيت رجلا خيب آمال محبيه وحقق كل ما يتمناه أعداؤه على نحو ما فعل الرئيس عبد الفتاح السيسي ، كان بإمكانه أن يصبح بطلا شعبيا ، تتغنى به الأجيال .. وضيع الفرصة ، وكان يمكن أن يصبح زعيما سياسيا يعيد لمصر الوهج الذي اختفى برحيل عبد الناصر .. وضيع الفرصة ، وكان يمكن أن يصبح رئيسا ديمقراطيا بحق ، يحقق أحلام المصريين في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وسيادة القانون .. وضيع الفرصة. اختار الرجل بدلا من هذا المجد كله أن يكون رئيسا في دولة عباس كامل ، في سياق ليس بعيدا تماما عن السياق الذي كان فيه محمد مرسي عيسي العياط رئيسا لدولة حاكمها الفعلي هو مكتب إرشاد جماعة الإخوان !! السيسي الذي عرفه الناس وزيرا للدفاع ومرشحا للانتخابات الرئاسية ليس السيسي الرئيس ، وأظن أنه لو قدر لهما أن يتواجها لقال الأول للثاني : كفى ، أنت لا تصلح لتكون أمينا على أحلام المصريين !! حين تم اختيار أحمد الزند وزيرا للعدل ومن بعده شريف إسماعيل رئيسا للوزراء ، أيقنت تماما أننا في دولة عباس كامل ، فرئيس الوزراء الجديد هو نفسه من وصفه عباس كامل في أحد التسريبات ب"الصايع الضايع" وقالها بإعجاب شديد ، وكان طبيعيا أن يأتي المعجب (بفتح الجيم) بمعجبه . هو أيضا المنفذ لفكرة "الأذرع الإعلامية" وبناء عليه لم يكن غريبا أن يصبح عبد الرحيم علي أول نائب يعلن فوزه في انتخابات البرلمان ، بينما أجبر نجوم من نوعية باسم يوسف ويسري فودة على الاختفاء ليس فقط من الحياة العامة ، بل من الشاشات. السيسي الذي أظهر للناس أنه متدين بالفطرة ، صاحب قلب كبير ، جياش العواطف ، مخلص حتى النخاع ، لا يتسق مع مانراه على أرض الواقع من صنع دولة خوف ، يخشى كل أحد فيها أن ينطق لكي لا يصبح مقطوع اللسان أو رهين جدران الزنازين ، لايتسق أبدا مع واقع تكون فيه رولا خرسا وأحمد موسى وعشرات غيرهم ممن يعرف الناس ماضيهم وحاضرهم الملوث هم الناطق باسم السلطة والمقرب منها . الرجل الذي قال يوما إن هذا الشعب يحتاج إلى من يحنو عليه ، و"انتم ماتعرفوش إنكم نور عينينا واللا إيه" لم يكن منتظرا منه أن يقيم أركان دولة لاعدل فيها ، تنسى الآلاف من الأبرياء في السجون ، وتعيد الشرطة إلى زمن انتهاك القانون والاستهزاء به ، وإلهاب ظهور الناس بسياط الغلاء ، واختيار أسوأ العناصر لتبوؤ أعلى المناصب ، وإلغاء الحياة السياسية تقريبا ، عبر الايحاء بأن المطبلين والمزمرين وحدهم هم من سيجدون مكانا تحت الشمس ، يصبحون نواب برلمان ومسؤولين كبار وأصحاب كلمة مسموعة .. أما الكفاءات الحقيقية ومن يستخدمون عقولهم النزيهة المتجردة لانتقاد ماهو سيء ومسيء للدولة والنظام ، فهؤلاء طابور خامس ومغضوب عليهم ومحل اتهام إلى أن يثبت العكس.. مع أن من يضحي بمصالحه الشخصية في سبيل مصلحة مصر هم الأكثر انتماء ووطنية وحبا لهذه البلاد ، وكثير أولئك الذين يحبون بصدق إلى درجة التفاني ، ويستطيعون قيادة هذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد ، لكن السلطة لاترى. ----------- من العدد الأسبوعي للمشهد .. اليوم مع الباعة المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية