عندما فتحت نافذتي في الصباح، رأيته يصطاد بالصنارة على شاطئ الترعة . كان غريبا ، بصحبته مقعد وثلاجة متنقلة وترمس للشاي . قال انه سكندري ! ولما اندهشت أوضح مبتسما: - مللت البحر ! الترعة بركة قمامة ، ربما قضيت يومي - صبيا مصلوبا – لأنال شراية! أحملها عالقة بالصنارة وأهلل . الشمس تصفعني ، فيسود وجهي ، وتحمر عيناي . تضع أمي فوق رأسي طاقية ، وتسقيني من الكوز الجالس فوق الزير ! قلت لزوجتي متعجبا : - انظري ، هذا الرجل من الإسكندرية ، جاء إلى ترعتنا . في المساء ، عندما أغلقت النافذة ، كان لا يزال هناك . نصف رغيف مضئ ، يطل من السماء في صمت ! الناس أيضا يعدون في صمت . لماذا لا يفكر نصف الرغيف والناس ، في الملل من البحر والحنين للترع ؟ ولماذا تجاهلت زوجتي ملاحظتي ؟ في الليل حلمت أنني أعيش في الإسكندرية ، وارتدى ملابس الصيادين : سروال أسود طويل ، وسترة من الصوف ، بصفى أزرار وحذاء قماش . ذهبت إلى شاطئ العجمي ، و ألقيت الصنارة . كنا في الليل ، لأن نصف الرغيف وقف فوق رأسي ناقصا . تصرف ببرود ،كأنني لست غريبا في مدينته !وكأن أحدا لم يقضم منه قضمة ! وكأن اهانة البحر لا تعنيه .
بجواري شاب ، قلت له بود : - هل تتصور نفسك تترك البحر ، وتذهب إلى قرية بها ترعة نفايات ، لتصطاد ؟ أشار إلى القمر بالصنارة : - بص كيف يهجر البحر ويحدق في العمارات ؟ انه يشبه نصف رغيف حقيقي مقضوم ! في الصباح مررت بجوار الصياد ، فسحب بصره توا من الطريق ، ووضعه في الماء على الغماز الساكن . اقتربت وحييته : - ها هو ذا البيت ، إذا احتجت أي شئ ، فلا تتردد . - شكرا . لم أحك له عن رحلة الصيد في بحر العجمي ، وكيف اننى لا أمل ولو قضيت عمري على رماله . لدى عودتي ، كان ثمة رجل جديد على بعد خطوات منه ! قلت ، مشيرا باصبعى : - ها هوذا البيت ، إذا احتجت أي شئ ، فلا تتردد . - شكرا . لما مددت يدي لأغلق النافذة ، استعدادا للنوم ، رأيت على ضوء الأعمدة صفا طويلا من الصيادين الغرباء . كل منهم يجلس على مقعد ، بصحبته ثلاجة متنقلة وترمس للشاي ! القرية خاوية ، ونصف الرغيف فقد قضمة أخرى ، وهرب وسط الحقول . انشغلت طويلا في طريقة الترحيب بهم صباحا ، وهل من المناسب أن أقول لكل منهم : - هاهو ذا البيت ، إذا احتجت أي شئ ، فلا تتردد !