شهدت الساحة السياسية الداخلية في العراق كسراً للجمود الذي مرت به منذ إجراء الانتخابات التشريعية في السابع من مارس الماضي بعد أن أعلن رسمياً مؤخرا ًعن تشكيل تحالف بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي والائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر. تحالف تنقصه الثقة وبهذا التحالف الجديد، يحصل الائتلافان علي 159 مقعدا ًفي البرلمان من أصل 325 مقعداً، أي أقل بأربعة مقاعد فقط من الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة وفقاً لمعادلة النصف زائد واحد أي 163مقعداً التي ينص عليها الدستور العراقي. ويتوقع المراقبون أن يشغل ممثلون من التحالف الكردستاني هذه المناصب ليكتمل بذلك النصاب للتحالف الجديد لتشكيل الحكومة خاصة بعد أن رحب التحالف الكردستاني بهذا التحالف الشيعي الجديد وأعلن عن تضامنه معه لتشكيل الحكومة الجديدة مؤكداً أن مساندة الحلفاء السابقين هو الحل الأمثل في المرحلة الراهنة. وأعلن القيادي في الائتلاف الوطني كريم اليعقوبي تشكيل هيئة قيادية مكونة من سبعة أعضاء من تحالف ائتلافي دولة القانون والوطني لاختيار رئيس الوزراء والبرنامج الحكومي وإدارة نشاطات تحالف الائتلافين .وأشار إلي أنه "سيتم تشكيل هيئة الحكماء من تحالف الائتلافين ومهمتها حل المشاكل والخلافات التي لاتستطيع القيادة العليا حلها وتكون قرارات الهيئة ملزمة للجميع". وفقاً لما ذكرت وكالة للأنباء فإن الائتلافين وقعا وثيقة تنص علي وجوب الرجوع إلي المرجعية في النجف بزعامة السيد علي السيستاني في حال نشوء أي مشكلة سياسية بين الطرفين، علي أن تكون توجيهاتها وتعليماتها ملزمة للطرفين مما يشير إلي انعدام الثقة بين الطرفين. يذكر أن زعيم المجلس الإسلامي الأعلي، المنضوي في الائتلاف الوطني، السيد عمار الحكيم أقر علي مضض التحالف الشيعي الجديد ورفض تسميته بالاندماج موضحاً أن التحالف يعني احتفاظ كل ائتلاف بخصائصه ورؤاه، وأضاف "الاندماج يعني أن يتحول الائتلافان الي ائتلاف واحد أو كتلة واحدة. ومع تعدد الرؤي والقرارات، من الصعب أن يتحول الائتلافان الي ائتلاف واحد. كنا نسعي أن نكون بهذا الشكل وبذل زعيم المجلس الأعلي الراحل السيد عبد العزيز الحكيم الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك ائتلاف واحد وواصلنا الجهد حتي آخر يوم من أيام التسجيل لدي المفوضية قبل الانتخابات لكن لم نفلح مع الأسف الشديد لاعتبارات معروفة". ويأخذ الائتلاف الوطني علي المالكي قيامه بتشكيل قائمته الخاصة لخوض انتخابات 7 مارس في مواجهة الأطياف الشيعية التي تحالفت معه في السابق واختارته في 2006 ليصبح رئيساً للوزراء. رهان كتلة العراقية وجاء التحالف الشيعي الجديد مخيباً لآمال كتلة العراقية بزعامة إياد علاوي والتي تصدرت نتائج الانتخابات التشريعية بحصولها علي 91 مقعداً وتلاها ائتلاف المالكي الذي حصل علي 89 مقعداً ثم الائتلاف الوطني العراقي في المركز الثالث بحصوله علي 70 مقعداً ثم التحالف الكردستاني في المركز الرابع بحصوله علي 43 مقعداً. ومع حصول الائتلافيين الشيعيين علي 159 مقعداً ضاعت فرصة كتلة العراقية في تشكيل الحكومة الجديدة. ووصفت كتلة العراقية التحالف الجديد بأنه يستند إلي دوافع طائفية، وراهنت علي انقسامه بمجرد أن تبدأ مداولات تسمية رئيس الحكومة الجديدة. وقالت كتلة العراقية في بيان لها "نتطلع ألا لا يكون هذا التحالف بمثابة تراجع أو نكول عن النهج الوطني الذي تبنته مختلف الائتلافات عندما طرحت برامجها الانتخابية وبشرت العراقيين برؤية جديدة تجاوزت الخطوط الطائفية السياسية ولقيت استحسانهم وتأييدهم. زمن الاستقطابات الطائفية والعرقية والفئوية ولي بعد أن ثبت أنه يهدد وحدة الشعب العراقي ويعرضه لمخاطر جسيمة". ودعا الامين العام لجبهة الحوار الوطني والقيادي في قائمة العراقية صالح المطلك إلي"تشكيل "حكومة إنقاذ وطني" لإجراء انتخابات حقيقية في العراق، وأضاف أن "المخططات والأجندة الخارجية لا تستطيع أن تدفعنا إلي التفريط في حقنا في تشكيل حكومة منبثقة عن نتائج انتخابات 7 مارس الماضي". وكانت محاولات اجتثاث البعث قد أثارت خلافات سياسية في الفترة السابقة علي الانتخابات، وأصدرت هيئة المساءلة والعدالة قراراً بمنع 145 مرشحاً من خوض الانتخابات التشريعية، وطالبت الحركة الوطنية العراقية بزعامة إياد علاوي ببحث شمول عدد من قيادييها من بينهم صالح المطلك وظافر العاني بالاجتثاث من قبل الهيئة التمييزية المكلفة بالنظر في طعن المجتثين لقرار هيئة المساءلة والعدالة، وهو الأمر الذي دفعها إلي تعليق حملتها الانتخابية لمدة ثلاثة أيام لتحسم موقفها النهائي من المشاركة في الانتخابات والتي انتهت بالاعلان عن مقاطعتها ثم بتراجعها عن هذا القرار. ولا تزال كتلة العراقية تري في هذا القانون محاولة مستميتة من ائتلاف المالكي لتحجيم مكاسبه في الانتخابات. خلاف علي ترشيح المالكي ويعتبر تصريح السيد عمار الحكيم المتحفظ علي التحالف الجديد متوافقاً مع رهان كتلة العراقية علي انهيار التحالف بسبب استمرار الخلافات بينهما، وهو الأمر الذي بدأت بالفعل بوداره عندما أعلن ائتلاف دولة القانون تمسكه بترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة الجديدة وهو ما يرفضه الائتلاف الوطني العراقي وقابله بترشيح ثلاثة مرشحين آخرين لرئاسة الحكومة، وهم عادل عبد المهدي وباقر الزبيدي وإبراهيم الجعفري. ولا تتمثل المعارضة لشخص المالكي في المجلس الأعلي الإسلامي فقط وإنما تتمثل أيضاً في الكتلة الصدرية بزعامة مقتدي الصدر المنضوية أيضاً في ويأخذ الائتلاف الوطني علي المالكي.بسبب المواجهات المسلحة التي شنها المالكي علي ميليشياتها عام 2008. وذكرت مصادر في المجلس الاعلي لقناة العالم الإخبارية ان التحالف الجديد ليس إلا اتفاقاً أولياً سيعد لاغياً إن لم يتم التوافق علي مرشح لرئاسة الحكومة في خلال مدة لا تزيد عن أسبوعين. ويتوقع العديد من المحللين السياسيين أن التحالف الشيعي الجديد لن يقدم جديداً علي الساحة السياسية العراقية وإنما هو بمثابة إعادة سيناريو انتخابات عام 2006 التي أتت بالمالكي وبحكومته ذات الممارسات الطائفية، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لعودة موجة جديدة من العنف والعنف المضاد. وأعده البعض صفعة للجهود الساعية إلي تحقيق ديمقراطية وطنية في العراق تقوم علي الوفاق الوطني وعلي مشاركة جميع الأطراف السياسية بكل خلفياتها الطائفية والعرقية. خوف من فراغ دستوري هذا القلق من مغزي تحالف ائتلافي دولة القانون والوطني يجيء أيضاً علي خلفية الصراعات السياسية التي أحاطت بالعملية الانتخابية نفسها من تبادل الاتهامات بين مرشح كتلة العراقية تارة ومرشح ائتلاف دولة القانون تارة للمفوضية العليا للانتخابات بالتزوير، ومن قرار المحكمة التمييزية الخاص بإعادة عمليات العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات في بغداد بعد طعن المالكي في نتيجة انتخابات الدائرة، ومن مطالبة كتلة العراقية الجامعة العربية والأمم المتحدة وجهات دولية أخري بالتدخل لضمان نزاهة الانتخابات، ومن انعقاد مؤتمر حزب البعث العربي الاشتراكي الأول منذ غزو العراق في دمشق. هذه الصراعات السياسية ربما تكون الأقرب إلي تفسير تقارب الائتلافين مرة أخري علي الرغم من خطوط الاختلاف الواضحة بينهما. ومن زاوية أخري، يري البعض تقارب الائتلافين كنتيجة لتدخل إيراني لمواجهة علاوي الذي يتمتع بتأييد كبير في الأوساط السنية. سواء صحت هذه التأويلات أم لا، فإن المؤكد أن التقارب السياسي الجديد بين الائتلافين الشيعيين هو مخيب لللآمال علي جميع المستويات. فهو من ناحية مخيب للآمال كل من علاوي والمالكي في في تشكيل الحكومة الجديدة وكأن معادلة التخلص من أحدهما لم تكن لتكتمل دون التخلص من الآخر. وهو من ناحية أخري مخيب لآمال الشعب العراقي في الحصول علي حكومة جديدة بعيدة عن الحسابات الطائفية التي تفضي إلي مزيد من العنف. البعد الآخر لهذا التقارب هو أنه نذير بدخول العراق في مرحلة فراغ دستوري غير معروف الأمد علي غرار الفراغ الدستوري اللبناني في حالة إذا فشل الطرفان في التوافق علي مرشح لرئاسة الحكومة أو في حال تنفيذ إياد علاوي لتهديده بالانسحاب من البرلمان بعد أن أعلن عن تمسك كتلته باستحقاقها الدستوري والديمقراطي لتشكيل الحكومة الجديدة. وتأتي زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني للقاهرة في إطار محاولة الخروج من مأزق التوافق علي تشكيل الحكومة بدون خسائر فادحة. وذكرت بعض المصادر أن زيارة طالباني تهدف إلي توسيط القاهرة في إقناع علاوي بمشاركة كتلته في الحكومة مقابل توليه منصب نائب رئيس الجمهورية. سيناريوهان قادمان الأيام المقبلة ستحدد مسار العملية الانتخابية التي جرت في العراق، تلك العملية التي شهدت عرقلة قبل إجرائها وأثناء إجرائها ولا تزال تشهد عرقلة لتشكيل الحكومة حتي الآن. الانتخابات التي تم وصفها بأنها نزيهة وتمت في أجواء أفضل من ذي قبل قد لا يقدر لها أن تؤدي إلي أي تقدم ديمقراطي. فالسيناريو الأول سيكون في تمكن التحالف الجديد من تخطي خلافاته بمباركة إيرانية وذلك سيكون من شأنه العودة إلي المربع الأول لشكل الحكومة الطائفية وهو ما يمكن أن يترتب عليه عدة نتائج سيئة منها مقاطعة كتلة العراقية للبرلمان ومنها عودة لمسلسل العنف. ويرتبط بهذا السيناريو تساؤل عن حق كتلة العراقية الدستوري في تشكيل الحكومة وكيف ستتمكن المحكمة العليا من تخطيه. أما السيناريو الثاني فيتمثل في انهيار التحالف بين الائتلافين الشيعين ومنح الفرصة من جديد لمفاوضات كتلة العراقية مع حلفاء جدد لتشكيل الحكومة المقبلة. هذا السيناريو سيفتح باباً من الصراعات السياسية التي ستكون لها بالتأكيد أبعادها الإقليمية والطائفية لا سيما وأن ارتباط الكتلة بمؤيديها السنة وبالبعثيين سيظل نقطة تخوف رئيسية من نواياه المقبلة ومن قدرته علي إعادة النفوذ للسنة في العراق.