رغم مرور أكثر من شهر علي إجراء الانتخابات العراقية، لا يزال الوضع الداخلي في العراق مفتوحا أكثر من ذي قبل علي سيناريوهات متعددة من الفوضي وانعدام الأمن والحرب الطائفية. فعلي الصعيد الانتخابي، تمكنت قائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي من الفوز ب 91 مقعداً خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت بالبلاد في السابع من الشهر الماضي مقابل 89 مقعداً حصل عليها ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي مما ترك الكتل السياسية في حالة من المفاوضات المتأزمة لتشكيل الحكومة المقبلة. تكثيف التفجيرات يذكر أن تفجيرات بسيارات ملغومة استهدفت سفارات متفرقة من بينها سفارات إيران ومصر وسوريا وألمانيا وإسبانيا قد وقعت في الرابع من إبريل الجاري مما أسفر عن مقتل 41 شخصاً وإصابة أكثر من 200 شخص. وتلت هذه التفجيرات بيومين تفجيرات أخري استهدفت عدداً من العمارات السكنية في بغداد في جكوك والشعلة والشرطة الرابعة وحي العامل والصالحية والسيدية مما أسفر عن مصرع 42 شخصاً وسقوط أكثر من 143 جريحاً. كما أسفرت التفجيرات أيضاً عن أضرار جسيمة بالعمارات المستهدفة وانهيار أربعة مبان. وتحوي منطقة جكوك الفقيرة مخيماً للنازحين الشيعة من منطقة أبوغريب، أقامته المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة. وأعلن تنظيم القاعدة في العراق المعروف باسم "إمارة العراق الاسلامية" في رسالة صوتية نشرها مركز سايت الامريكي لمراقبة المواقع الالكترونية الاسلامية مسئوليته عن التفجيرات التي استهدفت السفارات ووصفها بأنها الموجة الخامسة في الحملة التي بدأها التنظيم في منتصف عام 2009 ضد أهداف حكومية عراقية. وحذرت "إمارة العراق الاسلامية" من انها تعتبر كل السفارات والمنظمات الدولية التي تتعامل مع الحكومة العراقية أهدافاً مشروعة. وفي الوقت نفسه، نفي التنظيم أي علاقة له بالتفجيرات التي وقعت في السادس من إبريل واستهدفت خمسة مبان سكنية في بغداد. وأشار وزير الداخلية العراقي اللواء جواد البولاني إلي إمكانية تورط بعض القوي السياسية داخل العراق في سلسلة العمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد، وأضاف "نحن لا نستبعد تورط قوي سياسية داخل البلاد في العمل الإرهابي، والقاعدة لديها أكثر من جهة داخلية وخارجية تقدم الدعم المادي والتخطيطي لها، لا يمكن أن تكون القاعدة بهذه القوة والقدرة لتنفيذ أعمال قوية بهذا الحجم، دون أن تحظي عصاباتها المرتزقة بدعم كبير من دول وأفراد". اتهامات للقاعدة وإيران وألقي اللواء قاسم الموسوي، المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد، المسئولية علي كل من تنظيم القاعدة والبعثيين في موجة الهجمات الأخيرة بينما أعلن رئيس الحكومة المنتهية ولايتها نوري المالكي أنه ستتم مضاعفة الإجراءات الأمنية في بغداد تحرزاً لوقوع هجمات أخري، ووصف منفذي الهجمات بالإرهابيين الذين "يريدون دفع البلاد نحو الفوضي والفتنة وكسر إرادة الشعب العراقي". وأشار الكاتب عبد الكريم عبد الله في موقع العراق للجميع إلي أن إيران ضالعة في التفجيرات الدموية ببغداد بعد أن اتهمت المقاومة الإيرانية النظام الإيراني انتقاماً من هزيمته في الانتخابات العراقية، ونقل عن بيان للمجلس الوطني للمقاومة الايرانية قوله "إن هذه التفجيرات تعد جانبًا من المخطط الإرهابي للملالي الحاكمين في إيران لتلافي هزيمتهم في الانتخابات التشريعية في العراق وتقويض الفوز الذي حققه البديل الوطني الديمقراطي وذلك بهدف الحفاظ علي هيمنتهم المشئومة والمشينة علي العراق والاستمرار بها.. ومن خلال هذه التفجيرات، ينوي حكام إيران عرقلة تشكيل حكومة وطنية غير طائفية تقوم بقطع أذرع الفاشية الدينية الحاكمة في إيران الممتدة إلي العراق". ضربة للنظام العراقي وعلي الرغم من تفاوت توجيه الاتهامات لتنظيم القاعدة وأعوانه من ناحية وللنظام الإيراني من ناحية أخري، فمن المؤكد أن التفجيرات استهدفت توجيه ضربة للنظام في العراق قبيل تشكيل الحكومة الجديدة. فالتفجيرات التي ضربت العمارات السكنية استهدفت أحياء ذات غالبية شيعية وهوما يثير بعداً طائفياً ليس فقط من توجيه رسالة لكل من قائمة علاوي وقائمة المالكي بل باستباق رد فعل انتقامي سيستهدف عما قريب أحياء سكنية. من ناحية أخري، هناك بعض المراقبين الذين يؤولون تزايد أعمال العنف قبل شهور قليلة من انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية بالكامل علي أنها تخطيط من قبل بعض التيارات داخل الإدارة الأمريكية وداخل حكومة المالكي المنتهية ولايتها لخلق ذريعة لاستمرار بقاء القوات الأمريكية لفترة أطول. غير أن المتحدث باسم البيت الابيض روبرت جيبس أكد في تصريحاته أن مثل هذه العمليات لن تؤثر في قرار الولاياتالمتحدة إنهاء جميع عملياتها القتالية بحلول نهاية أغسطس المقبل، وأضاف "العديد توقعوا أن يستغل المتمردون هذا الوقت لمقاومة التقدم الذي نراه في العراق سواء علي المستوي العسكري او السياسي". أما الصحف الغربية فرأت بعضها في تحليلاتها أن الانفجارات تقف وراءها جماعات تريد أن تنشط من خلال خلق جو من الفراغ السياسي وانعدام الأمن. اتهامات للمالكي وعلي الصعيد الداخلي، حملت هيئة علماء المسلمين بالعراق القوات الأمريكية وحكومة المالكي المسئولية الكاملة عن التفجيرات الدامية التي شهدتها بغداد. وقالت الهيئة في بيان لها إن جهات مشبوهة تقف وراء كل الجرائم الوحشية والانتهاكات الصارخة التي تهدف الي القضاء علي العراق وشعبه "وسط معارك ونزاعات بين اقطاب العملية السياسية بهدف الحصول علي مكاسب دنيئة ومناصب لا تغني ولا تسمن من جوع في الوقت الذي تحصد فيه آلة القتل أرواح العراقيين الأبرياء". وحمل زعيم الأكثرية في نتائج الانتخابات العراقية إياد علاوي الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي مسئولية التفجيرات التي ضربت بغداد بسبب فشلها طوال السنوات الأربع الماضية في تحقيق الأمن والاستقرار. واعتبر بعض قياديي قائمة العراقية أن تصريحات المالكي التي أفادت بازدياد معدلات العنف في بغداد إشارة واضحة للسعي إلي تعطيل تشكيل الحكومة، ووصفوا مثل هذه المناورات بالإرهاب السياسي. عيدية البعثيين وفي الوقت الذي تتجه فيه الكتل السياسية للتشاور بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، دعت قوي عراقية معارضة كثيرة من تيارات مختلفة بعثية وإسلامية ومستقلة إلي إنشاء قيادة موحدة تعرف باسم "القوي المقاومة للاحتلال" بهدف وضع منهج سياسي وعسكري واضح للمقاومة العراقية. وتتهم حكومة المالكي هذه القوي المعارضة بالتورط في عمليات العنف الأخيرة. وكتب طارق الحارس في موقع صوت العراق بعنوان "التفجيرات الأخيرة: عيدية حزب البعث للعراقيين" مذكراً القراء أنه في نفس التاريخ من العام الماضي حدثت تفجيرات دموية في بغداد ليؤكد أن هذه هي رسالة موجهة من حزب البعث احتفالاً بذكري تأسيسه في السابع من إبريل. ويضيف الكاتب "الحقيقة التي يبدو أن العراقيين قد نسوها هي أن هذه التفجيرات ليست لها علاقة مطلقا بنتائج الانتخابات، بل حصلت بمناسبة ميلاد حزب البعث كسابقاتها في الأعوام الماضية، أما التفجيرات التي حصلت قرب السفارات العربية والأجنبية فهي رسالة جديدة لدول العالم التي فتحت سفاراتها في بغداد. أصبح في حكم المؤكد أن حزب البعث وتنظيم القاعدة، وبالتعاون مع دول ومخابرات إقليمية، يقفان وراء هذه التفجيرات، لكننا نستغرب الاسترخاء الذي تعانيه القوات الأمنية في المناسبات الخاصة بحزب البعث، فكم جريمة حصلت وتكررت خلال السنوات الماضية في مثل هذه المناسبات؟" غير أن موقع العراق للجميع يدين تسرع الحكومة بتوجيه الاتهامات للبعثيين والصداميين والقاعدة، ويؤكد الطيار العراقي في مقال بعنوان "التدخل الإيراني في العراق "أن مثل هذا التسرع دون تدقيق فإنه "مساهمة فاعلة بما يطلق عليه مصطلح إرهاب الدولة الذي يشمل كل أنواع الهجمات والاغتيالات والقتل المبرمج لأبناء العراق همها الرئيسي السيطرة علي مقاليد الحكم بالقوة دون إيجاد نهاية لهذه الأعمال الإجرامية لأن نهايتها تعني نهاية الوجود الإيراني في العراق وبالتالي نهاية وجودها". تتعدد الآراء حول من يقف وراء عودة نزيف الدم للعراق وتكثر التساؤلات حول من يقف وراء التفجيرات الأخيرة، غير أن المشهد العراقي الداخلي يظل كقطع صغيرة في أحجية كبيرة للنسيج الطائفي للبلاد. ضلوع إيران هو أمر وارد بسبب الضربة التي تعرض لها حلفاؤها في الانتخابات الأخيرة. ضلوع تنظيم القاعدة وارد بسبب تهديداته المتوالية للنيل ممن أطلق عليهم "أعوان الصليب الرافضة" من حكومة المالكي أو أي حكومة شيعية أخري. ضلوع أطراف المقاومة من البعثيين والصداميين أيضاً وارد لمحاولة فرض وجودهم في معادلة المشاركة السياسية التي لفظتهم بسبب قانون اجتثاث البعثيين. تعدد الاحتمالات تلك لا يعني سوي أن عراق اليوم الذي أوشك علي الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية والذي هو علي أبواب تشكيل حكومة جديدة مهدد أكثر من ذي قبل بالانزلاق إلي حرب أهلية بسبب استمرار الخلافات السياسية وعجز حكومة المالكي عن تحقيق مصالحة وطنية واستقرار أمني.