إن السيرة الذاتية تطورت في العالم خاصة في العالم الغربي بأسباب دينية واجتماعية وثقافية تتعلق بالمجتمع الغربي وهناك أسباب أخري أيضا، يقول الدكتور محمد الباردي في هذا الخصوص: "وقد كانت السيرة الذاتية شكلا من أشكال التعبير تختص به الثقافة الغربية فالأسباب التي أباحت ظهور هذا الجنس الأدبي هي أسباب دينية واجتماعية تتصل بالمجتمع الغربي ذلك أن محاسبة النفس والإيمان بالأخوة بين البشر وبتساوي النفوس كلها في القيمة التي تدعوإليها المسيحية سهلت ظهور بعض السير الدينية الشهيرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين كما ساعدت علي نتاج ضرب من التلقي يقبل علي هذه الآثار. فنجاح اعترافات روسويتمثل في استجابتها إلي أفق مستجيب لمحاسبة النفس وتعريتها وفضحها طلبا للعفووالمغفرة لكنه كذلك أفق انتظار، صاغه مجتمع متطور انفتح علي الفردانية التي اتخذت صيغة جديدة منذ بدايات الرومانطيقية المشيدة بالفرد والممجدة للأنا وظهور اعترافات جان جاك روسو"كان حدثا مهماً في تاريخ هذا الجنس الأدبي". ولاريب في أن السيرة الذاتية تحتل مكانة مهمة في تاريخ آداب كثيرة وهذا الفن يعتبر واسع الانتشار والتطور في الأدب الغربي، فيكفي لنا أن نتذكر بعض السير للكتاب الفرنسيين والأمريكيين والروس والألمان والإنكليز والدول الأخري التي تعتبر علامات في الأدب العالمي وخاصة في الأدب الغربي نحوليف تولستوي له سيرته الذاتية بعنوان "الطفولة" التي صدرت سنة 1852م والأخري "المراهقة" صدرت سنة 1854م والثالثة تحت عنوان "الشباب" التي جاءت سنة 1856م كما مكسيم جوركي له أيضا ثلاث سير: الأولي عنوانها "الطفولة" التي صدرت سنة 1914م، والثانية صدرت بعنوان "مع الناس" سنة 1916م، والثالثة باسم "جامعاتي" صدرت في عام 1922م، وكتب جان جاك روسووأدباء آخرين سيرهم الذاتية. وكتب الأديب أحمد صفريوي المراكشي في فن السيرة كتاب "صندوق العجائب" ويشبه أسلوبه أسلوب الأدباء الجزائريين الذين كتبوا السيرة الذاتية وإن كانت له صفاته الخاصة به، ويصور الكاتب فيه القصور والأكواخ والجوع وما عدا ذلك وقد ترك هذا الكتاب أثرا ملحوظا علي الحياة العادية. وكذلك كتب علي بومهدي سيرته الذاتية باسم "قرية البروق" ولقد تركت هذه السيرة أثرها علي كيفية معالجة الأدب لموضوع الطفولة والشباب في المغرب بوجه عام وفي الجزائر بوجه خاص. يتحدث علي بومهدي عن حياة الكثير من أصدقاء البطل وعن أسر كثيرة تعيش في قرية بعيدة ويذكر من خلالها حياة الجزائر من الثلاثينات حتي الخمسينات واستفاد علي بومهدي من تجربة النثر الجزائري في فن السيرة فله مهارة في تصوير الجزائر من الداخل ورسم المصير الإنساني للأفراد والمجتمع بكامله، واستفاد علي بومهدي من التقاليد العالمية لنثر السيرة ولاسيما تجربة الأدب الروسي في هذا المجال واهتمامها بتصوير الشخصية المتطورة بتطور العالم الجميع وبتطور الازدياد والنموالذاتي ولذلك أصبح كتاب علي بومهدي "قرية البروق" ذروة الأدب المغربي في فن السيرة. وتنشط كتابة السيرة الذاتية في فترة التحولات الفكرية وعندما تكون علي عتبة أحداث ثورية فقد ظهر كتاب علي بومهدي في الحالة الثورية التي عمت البلاد فيصور علي بومهدي عملية تطور تكوين الشخصية وتتابع مراحل وعيها الذاتي وتشكل تصوراتها حول العالم المحيط. ذكرنا من قبل بعض الكتب التي ألفت في مجال السيرة من قبل الكتاب الروس والألمان والفرنسيين والأدباء الآخرين وذلك لكي نوضح تطوير السيرة الذاتية في العالم وأنه من الحقيقة أن السيرة الذاتية في العربي المغربي أصيلة مع وجود بعض التشابه في معالجتها فمازالت السيرة الذاتية إلي يومنا الحاضر هي الأكثر انتشارا في المغرب، وأن السيرة لاتصور حياة فردية فقط بل هي تكون أيضا صوت الوطن بكامله.