شهدت السنوات الماضية حركة كبيرة وموسعة لترميم عدد كبير من الآثار بشكل ملحوظ لا يمكن انكاره وصٌرفت المليارات من أجل ذلك علي مستوي محافظات الجمهورية ولكن أغلب هذه الآثار والمواقع يتم ترميمها ثم غلقها أمام الجمهور أوإهمالها دون الاستفادة منها في الوقت الذي اتجه فيه الفكر العالمي الي تأهيل وتوظيف المناطق التراثية والتاريخية وأصبح يعد من اولويات العمل الاثري طبقا للمواثيق الدولية المختلفة والتي نادت اغلبها بضرورة الحفاظ علي المباني الاثرية عن طريق توظيفها واعادة تأهيلها دون تغيير هويتها ومعالمها الاثرية . فكر عالمي وعن مدي تحقيق هذا الفكر وما نحتاج اليه لتطبيقها يقول د.محمود الشنديدي الخبير في إدارة التراث بأن تأهيل المواقع الاثرية فكر انتشر في دول العالم بشكل كبير منذ سنوات طويلة بل اصبح حاليا علما يدرس في المعاهد والجامعات وبدأ ينظر الي الآثار باعتبارها مصدراً من مصادر الدخل الهامة ، وبدأ التفكير في كيفية استغلال الآثار ولكن دون إلحاق الضرر بها فوجد أن هذه الفكرة لا تحتاج غير وضع سياسة عامة وآليات للعمل بمعني انه لابد من الخروج من اطار دراسة الآثار بكونها آثار فحسب بل لابد من دراستها لتشمل الجوانب المعمارية والهندسية والاقتصادية والادارية ووضع كل هذه الجوانب في فكر منظم واحد لا يتجزأ ، وهذا ما تدعواليه مواثيق ومعاهدات العالم كميثاق أثينا في الثلاثنات من القرن العشرين والذي تعرض لكيفية المحافظة علي المباني والاثار وكذلك ميثاق فينسيا لكيفية التعامل مع المدن والمباني الاثرية ثم ميثاق اليونسكو1972 والذي اهتم بالآثار وكيفية المحافظة عليها وجذب الاهتمام العالمي بأهمية الآثار واهمية الحفاظ عليها خصوصا في اوقات الازمات والحروب والكوارث الطبيعية كالزلزال والبراكين ووضعوا قائمة التراث العالمي ، ومع تطور العلم بدأ يظهر علم جديد وهوعلم ادارة التراث الثقافي فقد قرر الاتحاد الاوروبي أن ينشأ مركز للتراث الحضاري ونظم من خلاله دراسات وأبحاث علي مستوي الماجيستير والدكتواه في كيفية حماية التراث وادارته وامتد هذا الفكر للعديد من المعاهد العالمية مثل معهد جيتي كبري المعاهد العالمية الخاصة بإعادة تأهيل المواقع الاثرية ، وكذلك مركز الايكروم الذي ينظم دورات لكيفية إدارة المواقع الاثرية ، اذًا الفكرة ليست بالجديدة ولكنها بعيدة عن التطبيق فقط في مصر وذلك لانها تحتاج تضافر الجهود من اجل تنفيذها حيث الخروج من اطار الدراسة الخاصة للاثر بالعامة أي لابد وان تشمل دراسة الآثار ليس فقط تاريخه بل يشمل الجوانب المعمارية والهندسية والاقتصادية والادارية حتي نتمكن من وضع استراتيجية مناسبة للتعامل مع الآثار ، فالاثار المصرية صٌرف علي ترميمها وتأهيلها المليارات ولكن دون الاستفاده منها ، فلابد أن تشترك المؤسسات الحكومية والجمعيات الاهلية العاملة في مجال حماية التراث والقطاع الخاص لتفعيل هذا الفكر لانه لوطبق سيعود بالنفع علي المجتمع كله . رفع الوعي الاثري ويوضح د. الشنديدي أن عملية تأهيل الآثار لا ينقصها فقط الفكر العلمي المنظم ولكن من أهم شروطها وجود وعي جماهيري بأهمية الآثار فإذا احس كل مواطن ان هذه الآثار ملك له وبالمحافظة عليها سيحقق كل منا مكاسب لا محالة ستنجح الفكرة وهنا لابد من وجود إعلام واع بهذه القضية ويساعد عليها وهذا ما تتجه اليه ايضا دول العالم فمثلا قام مركز الايكروم منذ سنوات برصد جائزة لافضل مقال صحفي يتحدث ويلفت نظر الجماهير بأهمية الآثار ويتحدث عن كيفية المحافظة عليها والتعامل معها ، وكذلك الاتحاد الاوربي ينظم كل فترة مسابقة لافضل تحقيق اودراسة لكيفية التعامل مع الآثار والحفاظ عليها. ويضيف خبير التراث: ان فكرة تأهيل المناطق الاثرية ليست بالامر المعقد لكنها تحتاج تنظيم والاستفادة من العلوم المختلفة وتبدأ بتحديد الموقع المراد الاستفاده منه ، ثم تحديد له منطقة عازلة التي تكون بمثابة سور يحدد معالمها ويبعدها عن أي تعد أو خطر ثم وضع المنطقة تحت الدراسة من كل الاتجاهات علي أيدي باحثين من مختلف التخصصات ولابد ان يكونوا محليين لان أي بعثة تأتي لدراسة الآثار المصرية تفعل ذلك من خلال فكرها بما لا يتماشي في الكثير من الاحيان مع طبيعة الاثر والمكان الذي يوجد فيه وطبيعة اهل منطقته ،وهنا يختلف التعامل ايضا مع الآثار فيكون اسلوب التأهيل مختلف من اثر إلي آخر حسب تاريخه وموقعه ودرجة تحمله الخ وهناك العديد من التجارب العالمية الناجحة علي سبيل المثال مدينة تورينوبإيطاليا والتي منع مرور السيارات في وسطها ولا يسمح فيها الا بأنشطة معينة والعائد منها يصرف جزء منه علي ترميم اثارها بشكل دوري والعديد من المواقع بالولايات المتحدة التي منع فيها حتي البناء أو الهدم الا من خلال قرار بأمر الحكومة الفيدرالية . تأهيل قلعة قايتباي ومن النماذج المهمة في مصر حاليا مشروع تأهيل قلعة قايتباي بالاسكندرية.. فيقول محمد حسن عبد الفتاح مدير التوثيق الاثري بوزارة الآثار إنه تم البدء في تنفيذ خطة تقوم بها وزارة الدولة لشئون الآثار لعمل دراسة توثيقية شاملة لمنطقة اثار قلعة قايتباي بالاسكندرية وبالتعاون مع منطقة آثار الاسكندرية والساحل الشمالي وذلك لاعادة تاهيل وتوظيف الفراغات الموجودة بالقلعة بما يتناسب مع طبيعتها والتعريف بتاريخ المنطقة بصفة عامة والقلعة بصفة خاصة ،وسيتم ذلك من اجل زيادة الجذب السياحي للمنطقة مما سيكون لة ابلغ الاثر في زيادة الوعي الثقافي والاثري لدي الزائرين من كل الثقافات وذلك من خلال الشرح المصاحب لمقترحات التاهيل والتوظيف باللغات المختلفة ، فضلا علي زيادة وتنمية موارد المجلس الاعلي للاثار وسيكون مشروع التأهيل للمنطقة لة الاثر الكبير في اضفاء روح التشويق والاثارة وذلك للقضاء علي تساؤلات وشكاوي الزائرين المصريين والاجانب ويوضح محمد حسن بأنه سيتم توظيف القلعة من خلال استغلال فراغات المنطقة والتي تم تحديدها من خلال اعداد دراسة اثرية تاريخية موثقة بعد المعاينة والزيارة الميدنية لمنطقة آثار القلعة منذ انشائها وحتي العصر الحديث ، وتم عمل التوثيق الاثري والفوتوغرافي القديم والحديث واعداد الحالة الراهنة والرسومات المعمارية والهندسية للمنطقة وقد تم الاتفاق علي استغلال الفراغات الموجودة بصحن القلعة بنقل عدد ستة مدافع ساحلية بعد ترميمهم من منطقة كوم الناضورة الاثرية حيث تم وضع المدافع في مواجهة المدخل الرئيسي ثلاثة علي يمين الزائر من المدخل وثلاثة علي اليسار مما كان لة اكبر الاثر في اضفاء المنظر الجمالي لصحن القلعة بما يتناسب مع طبيعة المنطقة وتاريخها علي مر العصور وكذلك تم الانتهاء من عمل مسح ضوئي لسبعين شريحة زجاجية من اقدم الصور القديمة والنادرة لمنطقة القلعة وجزيرة فاروس خاصة قبل انهيار فنار الاسكندرية والمسجد المملوكي وكذلك توضح هذة الصور النادرة القلعة ايام الاحتلال الانجليزي وكذلك الترميمات السابقة منذ لجنة حفظ الآثار العربية تمهيدا لطبع هذه الصور بمقاسات واحجام مختلفة ووضعها في مسار الزيارة بالممرات والطوابق والبرج الشرقي وتوضح هذه الصور حالة القلعة منذ الانشاء والتطورات التي طرأت عليها في جميع العصور وحتي الحالة الراهنة وكذلك تم عمل فيلم تسجيلي وثائقي للمخرج هاني لاشين عن المنطقة مترجم باللغات الانجليزية والفرنسية وتم تخصيص البرج الشرقي للقلعة لعرض الفيلم الوثائقي بجميع اللغات عرض دائم وذلك علي نسق المناطق الاثرية مثل وادي الملوك والدير البحري ( حتشبسوت ) ومتحف الاقصر وسيتم عمل نماذج للجنود بزي عسكري كامل في العصرين المملوكي والعثماني ونماذج للاسلحة والمعدات والالات الحربية من سيوف ورماح واقواس وبنادق بالاضافة لنماذج لوسائل الترفيه والتسلية وبعض الالعاب الرياضية التي كان يمارسها الجنود بالقلعة وكذلك عرض صور لبعض الشخصيات التي كان لها دور في تاريخ الاسكندرية مثل مؤسس الاسكندرية والسلطان قايتباي ومحمد علي باشا ومحمد سعيد باشا ونابليون بونابرت ومحمد كريم واحمد عرابي هذا بالاضافة الي صورنماذج للفنار القديم ومجسم للفنار يوضح المراحل التاريخية التي مر بها الفنار منذ انشائه وحتي سقوطه وكذلك نماذج لاثاث المسجد الاثري والمقتنيات التي كانت موجودة به من مشكاوات وثريات وكرسي مصحف ودكة مبلغ وقد تم الانتهاء من كتاب يشرح تاريخ وتطور القلعة منذ انشائها وكذلك التطورات والترميمات منذ لجنة حفظ الآثار العربية عام 1904 وحتي الوضع الراهن تحت الطبع . تاريخ القلعة وعن تاريخ القلعة يقول محمد حسن: أنشئت القلعة عام 882 ه "1477 م" من الحجر الجيري الصلب، حيث بناها السلطان الملك الأشرف أبوالنصر قايتباي المحمودي عند الطرف الشرقي لجزيرة فاروس في أواخر دولة المماليك، القلعة عبارة عن بناء مستقل طوله 60 مترًا، وعرْضه 50 مترًا، وسُمْك أسواره 4.5 متر. أنشأت علي مساحة قدرها 17550 متراً مربعاً، وقد بنيت علي هذه المساحة أسوار القلعة الخارجية واستحكاماتها الحربية، وهي عبارة عن مجموعة من الأسوار أقيمت لزيادة تحصين القلعة، وهذه الأسوار عبارة عن سورين كبيرين من الأحجار الضخمة التي تحيط بالقلعة من الخارج والداخل أعدت لحماية القلعة.. استغرق إنشاء قلعة قايتباي نحو عامين، وتم افتتاحها عام 884 ه، حيث أنشأ السلطان قلعتين إحداها بالإسكندرية، والأخري بمدينة رشيد، لكن ترجع أهمية قلعة الإسكندرية لأنها تم بناؤها علي أنقاض منارة الإسكندرية القديمة ؛ والتي تهدمت إثر زلزال قوي عام 702 ه أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، الذي أمر بترميمها إلا أنها تهدمت بعد ذلك بعد عدة سنوات فدمرت جميع أجزائها سنة 777 ه / 1375 م ،والبرج الرئيسي من القلعة يتكون من ثلاثة طوابق رئيسية، فالطابق الأول يتكون من مسجد أثري لا يستخدم حاليا لإقامة الشعائر لكن أهم ما يميزه أنه علي الطراز المملوكي أي صحن وأربعة أواوين نسبة للمذاهب الفقهية الأربعة، أما الصحن فأهم ما يميزه التشكيلات الهندسية الرخامية الموجودة فيه والتي ميزت العمارة الإسلامية في ذاك الوقت، حيث كان أول استخدام للفنان المسلم لتشكيلات الزخارف الهندسية بدلا من الزخارف النباتية أوالتي كان يرسمها من وحي خياله، ملحق بالمسجد غرفتان أحدهما كانت تستخدم لإقامة الإمام، والأخري كانت لتخزين الأشياء المختصة بالمسجد من زيوت ومشكاوات أومصابيح ، أما الجزء الثاني بالدور الأول هوالطاحونة وهي الغرفة الدائرية الوحيدة في القلعة ، وأخيرا الصهريج عبارة عن خزان للمياه كي يسقي الجنود ماء عذبا ، ويتصل الخزان بترعة المحمودية "حاليا" عن طريق 6 ممرات للصهاريج، والتي اكتشفت أثناء الترميم وجود اثنين منها مفتوحين للجمهور. أما الطابق الثاني فهوعبارة عن أربع قاعات رئيسية، كان استخدامها الأساسي التقاء القادة الجند لتلقي الأوامر، يوجد بها مجموعة من الفتحات "شبابيك بأشكال مستطيلة تسمي "فتحات مزاغل" لرمي السهام، ويوجد فتحات أخري كشبابيك عادية للمراقبة ، ويشمل الدور الثالث 38 حجرة تنقسم يمينا وشمالا في أربعة ممرات كبيرة كانوا يستخدمون لإقامة الجند والمراقبة وتخزين السلاح والمؤن، وبها أيضا إيوان السلطان الذي تم تدميره أثناء الاحتلال الإنجليزي، وهوعبارة عن نافذتين مستطيلتين موجودتين في غرفة إحداهما مفتوحة علي سطح القلعة ليراقب منها السلطان التدريبات التي تتم فيها وقد تم ترميمها، أما الثانية فهي علي البحر لمراقبة السفن وغيرها ولم يتم ترميمها مرة أخري حتي الآن ،كما يضم هذا الطابق فرنا مستحدثا تم إنشاؤه أثناء تصوير فيلم الناصر صلاح الدين للمخرج يوسف شاهين. السطح يشمل المئذنة التي هدمها الاحتلال الإنجليزي في عام 1882 ولم يعاد إنشاؤها مرة أخري، وتمت الاستعاضة عنها بقبة تلك الموجودة حاليا، تزين القلعة قطع أثرية جرانيتية من منارة الإسكندرية الشهيرة، والتي تبدوكقطع منحوتة لفنان، أما عن المدخل الرئيسي للقلعة فلم يكن هوالمدخل الموجود حاليا، فالمدخل الحالي عبارة عن قبومستطيل تم فتحه في أحد جوانب السور بدلا من المدخل الأساسي الذي يشغله حاليا متحف المحنطات البحرية التابع لوزارة البحث العلمي، ولا تزال المطالبات بإعادته لأنه تعد علي الآثار.