والطرح السياسي للإسلام له مفهومه الخاص عن مفهوم الدولة الدينية.والذي احتل مشاهد متعددة في حياتنا السياسية والاجتماعية.تنوعت فيه أشكال المفاهيم الخاصة بمشروع الدين والدولة، منها من فشل أو ما زال قيد المحاولة ،مثل الجماعات الدينية السياسية في مصر وغيرها.ومنها من اكتمل بوضوح يستعدي التساؤل، كدولة الولي الفقيه في إيران. فالمذهب الشيعي بشكل عام لا يفصل بين الدين كمعتقد وبين الدولة كفعل سياسي حركي.فعلي مدار التاريخ تمكن التشيع من إقامة دولته أكثر من مرة علي اختلاف الأفكار المؤسسة في كل مرحلة بداية بالدولة البويهية في العراق في القرن الرابع الهجري.والفاطمية الإسماعيلية في مصر ،وكذلك الصفوية الإثنا عشرية في إيران في القرن التاسع الهجري. فالمشروع الرئيسي للتشيع هو الدولة الدينية مهما اختلفت الأفكار.والدولة الإيرانية الحديثة قامت علي نظرية ذات مرجعيات فقهية مذهبية قديمة إلي حد بعيد،وهي نظرية ولاية الفقيه.والتي تُعد امتداداً لدولة المهدي المنتظر في جانب أساسي منها.وهي نظرية تعتمد علي أن الفقيه هو المنوط بقيادة الأمة بوصفه الأكثر علماً ودراية،فهو ولي الأمة والمسئول عنها.وقد مرت بأبعاد مختلفة وجدل واسع منذ مرحلة غياب الإمام المهدي في التشيع وتحويله للمنتظر.وسنحاول هنا طرح نظرية الولاية ودور الفقيه بشكل مختصر. الولي الأخير و دولة المهدي المقصود بالأولياء بشكل مباشر في التشيع هم الأئمة، أوصياء الله علي خلقه، كما يراهم المذهب الشيعي، فهم استكمال لدوائر المقدس بعد وفاة النبي، فالأئمة هم مرآة الله في العالم، فلا يمكن معرفتة إلا من خلالهم، فهم السبيل الوحيد إليه، بنورهم خلق العالم، فهم أصل الوجود بأكلمه، فلولاهم ما كان الخلق.أي أن الأئمة يجسدون مثالين غاية في الوضوح، فهم القائمون علي العالم لهدايته الدينية، وفي نفس الفكرة، هم الحكام الحقيقيون علي المستوي التاريخي والسياسي كما تمناهم وتخيلهم التشيع، فالديني والسياسي ممتزجان بشكل كامل في الأدبيات المذهبية.فالإمامة هي مشروع دولة النبوة الذي ما زال مستمراً. وبالتالي من الممكن أن نفهم مثلاً،أن علي بن أبي طالب يجسد الدورين في التشيع بشكل تبادلي جدلي.فكما أشار (هنري كوربان) في كتابه (الإسلام الشيعي)،أن علي يجسد في عالم الأفكار المثالية للتشيع الإمام الأول.ولا يفني هذا كونه الخليفة الرابع في التاريخ.فلأنه إمام وجب أن يكون خليفة، وليس لكونه خليفة تحول إلي إمام.خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الخلافة غير معترف به في التشيع إلا من خلال الأئمة.وبشكل أكثر تعقيداً فإن الأئمة لم يصبحوا كذلك لأنهم من آل البيت،بل لأنهم أئمة من الأساس وجب أن يكونوا من تلك السلالة المصطفاة وهم آل البيت. ففكرة الولاية في عمق تأويلها المذهبي،مرتبط بالأئمة.فهم أولياء الله علي الناس طوال استمرارهم ووجودهم.بل إن تلك المكانة المقدسة مرتبطة في المذهب بالنبوة.ليس بقداسة النبوة منفردة،بل بطبيعة العلاقة بين الولي الإمام والنبي.فتبعاً لفلسفة التشيع،الولاية هي باطن النبوة.أي أن علي بوصفه الإمام الأول ، وهو الوارث الوحيد للعالم الإلهي والهبة المقدسة من قِبل الله سبحانة التي منحها لنبيه.ليس لأنه من آل بيت النبوة بل لكونه الولي الإمام الذي وقع عليه الأختيار المقدس كذلك، فمكانته في عالم الولاية لا تقل مكانة عن النبوة، بل بالعكس هو باطن النبوة وعمقها. فقد ورد مثلاً في أدبيات التشيع، أن النبي في رحلة المعراج، رأي مكتوباً علي باب الجنة (علي ولي الله).أي أن ولاية الأئمة أمر أزلي إلهي مقدر. ففي حديث شيعي منسوب للنبي : (كنا أنا وعلي أمام الله بنور واحد، هو نفسه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة). وبالتالي قام الأئمة بدورهم المقدس بعد وفاة النبي.بوصفهم المصطفين لقيادة العالم من بعده.فكل أبناء علي وفاطمة محملين بهبة الولاية إلي نهاية الكون. ومن البديهي أن يتمتعوا بكل صفات العصمة الإلهية فأمرهم علي الأمة لا راد له .وبالتالي تظل الدولة الدينية قائمة بقيامهم.ولكن بزوال آخر الأولياء أو الأئمة في التجسيد التاريخي لهم في القرن الثالث الهجري،هنا تكمن الأزمة الفكرية للتشيع في التبرير.فللمذهب الشيعي خياله الفلسفي الفعال دائماً.فكانت فكرة الرجعة لكل الأئمة مع عودة المهدي لتحقيق حلم دولته وإن كانت رجعة الأئمة مؤقته.أي أن عودة الغائب ستكون مرتبطة باكتمال الدولة الدينية.مما يؤكد أن التشيع قائم في أساسه وبشكل اعتقادي علي مفهوم تسييس الدين.أي أن موت الأئمة كان مجرد حالة ظاهرية تاريخية،لا تعبر عن عالم المثال الشيعي الذي يؤكد بآلية تبريرية أن هذا الموت مؤقت.مرتبط بغياب الولي الأخير.أي امتداد للنسق الأسطوري لعالم الأولياء الذين سيحققون دولتهم في نهاية التاريخ. وكان غياب الإمام الأخير كافياً لانهيار مشروع الدولة الشيعية علي المستوي النظري علي الأقل.ولكن العقل الإيماني بشكل عام،والشيعي خاصة،له قدراته الخاصة لإنتاج البدائل. فقد شكل انقطاع تسلسل الإمامة، إشكالية حقيقية في مفهوم الدولة الدينية الشيعية، تحديداً في مفهوم الوصاية المطلقة للولي الإمام، فكانت الفقهية هي الحل الديني الآخر.فلحين ظهور الإمام من سيكون الولي أو الوصي علي الأمة!!. ولاية الفقيه وبدائل المهدوية المذهب الشيعي بوصفه أحد المنتجات الفكرية والسياسية التي احتوت تصورات ثابتة عن الدين.مر بعد مرحلة الغيبة بإشكاليات عدة،خاصة بمفهوم الوصاية الدينية،فهل يصح بناء الدولة في ظل غيبة الإمام؟.وهل هناك وصاية حقة علي الناس بدونه؟.وما طبيعة تلك الوصاية وشكلها؟ ما موقف الشيعة من الدول القائمة بالفعل والتي من وجهة نظرهم دول فاسدة لا يحكمها المهدي؟.هل بناء الدولة ضرورة؟.كل هذه التساؤلات جاءت إجابتها متنامية وتراكمية علي مدار العهود التاريخية،لتشكل فكرة شاملة علي دولة التشيع. فدائماً ما كان هناك نائب للإمام.حتي في حياة الأئمة مسئولون عن جمع الخمس من الزكاة.ولنقل تعاليم الإمام لغيره من أتباعه.وقد نال هؤلاء الوسطاء مكانة مقدسة من مكانة الإمام ذاته.وزادت قداستهم في مرحلة غيبة الإمام الأخير وأوصياءه الأربعة الذي كان حسب المعتقد الشيعي علي اتصال لا ملموس بهم.بواسطة عالم الأحلام أو الإلهام المباشر.وبرغم هذه القداسة التي أُسست لنواب الإمام في التشيع وبالتالي من ناب عن النواب.إلا أن دورهم لم يكن قد حُدد بعد.كما أن الدول الشيعية التي قامت في التاريخ كانت تكتسب قداستها من شخصية الحاكم.أي من حاكميتها ذاتها وليس من الفقيه أو رجل الدين.فما قدمته الدولة الحديثة في إيران يعد أول تجربة واضحة لفكرة دولة الفقيه أو حاكمية رجل الدين علي إطلاقه. فقد ظلت نظرية ولاية الفقيه متنامية حسب الظرف التاريخي وتغيراته.ما بين الولاية الإشرافية أي الولاية المحدودة بالإشراف والتوجيه فقط علي تطبيقات الشريعة،كمستشار مثلا.وبين الولاية الفقهية المطلقة،وفيها الفقيه قائم لا منازع علي كل أفعال الأمة ،وله مكانته المقدسة التي يكتسبها تاريخيا من فكرة نواب الإمام.وفي السياق المذهبي بوصفه مختار من قبل المهدي مباشرة،ليحل محله لحين عودته.بل إن الفكرة تطورت في هذا السياق.لتجعل ولاية الفقيه محددة من قبل الله سبحانة منذ الأزل،أي تحويل الولي إلي معصوم كعصمة الأولياء أو الأئمة.وهذا ما اختاره الخوميني لدي قيام الدولة الدينية في إيران.وما أعلنه بعد عامين من قيام الثورة.فطوال مدة نفيه وبعد قيام الثورة في مراحلها الأولي كان يتحدث عن الولاية المحدودة.فكما قال : (الفقهاء هم الحكام الحقيقيون والسلطة حق واجب لهم ولا يجوز لغيرهم منافستهم في هذا الأمر). الولاية المطلقة واكتمال الدولة تتبني تلك النظرية فكرة ضرورة قيام الدولة لحين عودة المهدي ليجد العالم مؤهلاً لقدومه.وتتم قيادة الدولة بواسطة الأعلم والأفقه والأصلح،وإن كانت الأعلمية هي الأساس.وأهم ملامح الولاية المطلقة: أولاً: الولاية : المجموع في هذه النظرية فاقد للأهلية تماماً،لا يحق له إبداء الرأي إلا من خلال الفقيه الولي.وما يوافق عليه يؤخذ به وما لا يعتبره هو لا قيمة له.فالمجتمع يكتسب شرعيته من خلال الولي الفقيه وليس العكس. ثانياً: التنصيب:لا يملك أحد عزل أو تنصيب الولي الفقيه.إلا بواسطة مجموعة من المختارين من قِبله،أو الذي يوافق عليكم بشكل مباشر.حتي لو خالف الشرع فعزله يتم من خلاله.فهو مسئول أمام الله فقط وليس الناس. ثالثاً: الإطلاق:تنسحب سلطة الفقيه علي كل مناحي الحياة،حتي أن التشريع الديني ذاته يكتسب شرعيته منه.فهو لا يتبع القانون أو الدستور أو أي سلطة كانت.بل إن كل تلك السلطات تكتسب وجودها من خلاله. أي أن ولاية الفقيه من هذا المنطلق،تتعدي القيادة الدينية ذاتها.لتشرف علي القيادة الدينية .بل علي الدين ككل.فهي ترفض كلية أي مفهوم عن الديمقراطية أو حكم الأغلبية.والحجة في ذلك أن الديمقراطية قد تظلم الأقلية التي لم تتماشي مع المجموع.وبالتالي لا رأي فوق رأيه في النهاية.وهذا ينقلنا إلي الفكرة الأخيرة حول ضرورة الدولة الدينية من الأساس. هل هناك حاجة إلي دولة الدين؟ أشار المفكر الإيراني المعروف (عبد الكريم سروش) إلي فكرة غاية في الأهمية،مفادها أن ولاية الفقيه أياً كانت تتعارض مع مبدأ مهم في السياق الديني. وهي فكرة ختم النبوة.فالنبي هوخاتم الأنبياء وهو من كان مسئولاً عن الأمة في حياته.وبالتالي فلا يوجد أوصياء بعده. بل إنه بموته واكتمال الرسالة أصبح دور العقل أكثر وضوحاً.وللحرية الفردية الحقة كمالها.فالولاية تتعارض مع أصل ديني من هذا المنطلق. تنقلنا فكرة سروش إلي الإشكالية التي تطرحها مفهوم الدولة الدينية.وهي التصور الثابت للدين،وافتراض أن تحقق كمال الدين مرتبط بفعل السياسي المصاحب له.وبالتالي نفي كل البدائل الممكنة الأخري أمام النموذج الوحيد المقدم. كما أن الدولة الدينية بهذا الشكل أو بأي شكل أخر،تنفي تماماً كل مفاهيم الحرية أو الدولة المدنية،وحقوق الأقليات العرقية أو الدينية.سواء أقلية سنية في دولة شيعية أو العكس.أو حتي إسلامية في دولة مسيحية.فإنتاج البرامج السياسية أو القانونية دور ليس منوطاً به الدين بأي شكل فقهي أو تشريعي. ولا يعني مطلقاً الالتزام الديني للأفراد قيام دولة دينية.فهذا أمر منوط به الفرد أمام الله وليس أمام الدولة.فأصل فكرة ولاية الفقيه تعتمد علي شق الولاية وليس الفقية.أي الوصاية هي الهدف وليس الدين أو الفقه الديني. وفي النهاية فإن دولة الدين تنافي في جوهرها الدين ذاته.وطبيعة العقل الإنساني ومنطقه المتغير.ومن المؤكد أن الدولة المدنية علي ما يعتريها أحياناً من فساد أفرادها،لأفضل من كيان فصامي يجمع بين الدين والدولة بشكل متناقض.
والطرح السياسي للإسلام له مفهومه الخاص عن مفهوم الدولة الدينية.والذي احتل مشاهد متعددة في حياتنا السياسية والاجتماعية.تنوعت فيه أشكال المفاهيم الخاصة بمشروع الدين والدولة، منها من فشل أو ما زال قيد المحاولة ،مثل الجماعات الدينية السياسية في مصر وغيرها.ومنها من اكتمل بوضوح يستعدي التساؤل، كدولة الولي الفقيه في إيران. فالمذهب الشيعي بشكل عام لا يفصل بين الدين كمعتقد وبين الدولة كفعل سياسي حركي.فعلي مدار التاريخ تمكن التشيع من إقامة دولته أكثر من مرة علي اختلاف الأفكار المؤسسة في كل مرحلة بداية بالدولة البويهية في العراق في القرن الرابع الهجري.والفاطمية الإسماعيلية في مصر ،وكذلك الصفوية الإثنا عشرية في إيران في القرن التاسع الهجري. فالمشروع الرئيسي للتشيع هو الدولة الدينية مهما اختلفت الأفكار.والدولة الإيرانية الحديثة قامت علي نظرية ذات مرجعيات فقهية مذهبية قديمة إلي حد بعيد،وهي نظرية ولاية الفقيه.والتي تُعد امتداداً لدولة المهدي المنتظر في جانب أساسي منها.وهي نظرية تعتمد علي أن الفقيه هو المنوط بقيادة الأمة بوصفه الأكثر علماً ودراية،فهو ولي الأمة والمسئول عنها.وقد مرت بأبعاد مختلفة وجدل واسع منذ مرحلة غياب الإمام المهدي في التشيع وتحويله للمنتظر.وسنحاول هنا طرح نظرية الولاية ودور الفقيه بشكل مختصر. الولي الأخير و دولة المهدي المقصود بالأولياء بشكل مباشر في التشيع هم الأئمة، أوصياء الله علي خلقه، كما يراهم المذهب الشيعي، فهم استكمال لدوائر المقدس بعد وفاة النبي، فالأئمة هم مرآة الله في العالم، فلا يمكن معرفتة إلا من خلالهم، فهم السبيل الوحيد إليه، بنورهم خلق العالم، فهم أصل الوجود بأكلمه، فلولاهم ما كان الخلق.أي أن الأئمة يجسدون مثالين غاية في الوضوح، فهم القائمون علي العالم لهدايته الدينية، وفي نفس الفكرة، هم الحكام الحقيقيون علي المستوي التاريخي والسياسي كما تمناهم وتخيلهم التشيع، فالديني والسياسي ممتزجان بشكل كامل في الأدبيات المذهبية.فالإمامة هي مشروع دولة النبوة الذي ما زال مستمراً. وبالتالي من الممكن أن نفهم مثلاً،أن علي بن أبي طالب يجسد الدورين في التشيع بشكل تبادلي جدلي.فكما أشار (هنري كوربان) في كتابه (الإسلام الشيعي)،أن علي يجسد في عالم الأفكار المثالية للتشيع الإمام الأول.ولا يفني هذا كونه الخليفة الرابع في التاريخ.فلأنه إمام وجب أن يكون خليفة، وليس لكونه خليفة تحول إلي إمام.خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الخلافة غير معترف به في التشيع إلا من خلال الأئمة.وبشكل أكثر تعقيداً فإن الأئمة لم يصبحوا كذلك لأنهم من آل البيت،بل لأنهم أئمة من الأساس وجب أن يكونوا من تلك السلالة المصطفاة وهم آل البيت. ففكرة الولاية في عمق تأويلها المذهبي،مرتبط بالأئمة.فهم أولياء الله علي الناس طوال استمرارهم ووجودهم.بل إن تلك المكانة المقدسة مرتبطة في المذهب بالنبوة.ليس بقداسة النبوة منفردة،بل بطبيعة العلاقة بين الولي الإمام والنبي.فتبعاً لفلسفة التشيع،الولاية هي باطن النبوة.أي أن علي بوصفه الإمام الأول ، وهو الوارث الوحيد للعالم الإلهي والهبة المقدسة من قِبل الله سبحانة التي منحها لنبيه.ليس لأنه من آل بيت النبوة بل لكونه الولي الإمام الذي وقع عليه الأختيار المقدس كذلك، فمكانته في عالم الولاية لا تقل مكانة عن النبوة، بل بالعكس هو باطن النبوة وعمقها. فقد ورد مثلاً في أدبيات التشيع، أن النبي في رحلة المعراج، رأي مكتوباً علي باب الجنة (علي ولي الله).أي أن ولاية الأئمة أمر أزلي إلهي مقدر. ففي حديث شيعي منسوب للنبي : (كنا أنا وعلي أمام الله بنور واحد، هو نفسه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة). وبالتالي قام الأئمة بدورهم المقدس بعد وفاة النبي.بوصفهم المصطفين لقيادة العالم من بعده.فكل أبناء علي وفاطمة محملين بهبة الولاية إلي نهاية الكون. ومن البديهي أن يتمتعوا بكل صفات العصمة الإلهية فأمرهم علي الأمة لا راد له .وبالتالي تظل الدولة الدينية قائمة بقيامهم.ولكن بزوال آخر الأولياء أو الأئمة في التجسيد التاريخي لهم في القرن الثالث الهجري،هنا تكمن الأزمة الفكرية للتشيع في التبرير.فللمذهب الشيعي خياله الفلسفي الفعال دائماً.فكانت فكرة الرجعة لكل الأئمة مع عودة المهدي لتحقيق حلم دولته وإن كانت رجعة الأئمة مؤقته.أي أن عودة الغائب ستكون مرتبطة باكتمال الدولة الدينية.مما يؤكد أن التشيع قائم في أساسه وبشكل اعتقادي علي مفهوم تسييس الدين.أي أن موت الأئمة كان مجرد حالة ظاهرية تاريخية،لا تعبر عن عالم المثال الشيعي الذي يؤكد بآلية تبريرية أن هذا الموت مؤقت.مرتبط بغياب الولي الأخير.أي امتداد للنسق الأسطوري لعالم الأولياء الذين سيحققون دولتهم في نهاية التاريخ. وكان غياب الإمام الأخير كافياً لانهيار مشروع الدولة الشيعية علي المستوي النظري علي الأقل.ولكن العقل الإيماني بشكل عام،والشيعي خاصة،له قدراته الخاصة لإنتاج البدائل. فقد شكل انقطاع تسلسل الإمامة، إشكالية حقيقية في مفهوم الدولة الدينية الشيعية، تحديداً في مفهوم الوصاية المطلقة للولي الإمام، فكانت الفقهية هي الحل الديني الآخر.فلحين ظهور الإمام من سيكون الولي أو الوصي علي الأمة!!. ولاية الفقيه وبدائل المهدوية المذهب الشيعي بوصفه أحد المنتجات الفكرية والسياسية التي احتوت تصورات ثابتة عن الدين.مر بعد مرحلة الغيبة بإشكاليات عدة،خاصة بمفهوم الوصاية الدينية،فهل يصح بناء الدولة في ظل غيبة الإمام؟.وهل هناك وصاية حقة علي الناس بدونه؟.وما طبيعة تلك الوصاية وشكلها؟ ما موقف الشيعة من الدول القائمة بالفعل والتي من وجهة نظرهم دول فاسدة لا يحكمها المهدي؟.هل بناء الدولة ضرورة؟.كل هذه التساؤلات جاءت إجابتها متنامية وتراكمية علي مدار العهود التاريخية،لتشكل فكرة شاملة علي دولة التشيع. فدائماً ما كان هناك نائب للإمام.حتي في حياة الأئمة مسئولون عن جمع الخمس من الزكاة.ولنقل تعاليم الإمام لغيره من أتباعه.وقد نال هؤلاء الوسطاء مكانة مقدسة من مكانة الإمام ذاته.وزادت قداستهم في مرحلة غيبة الإمام الأخير وأوصياءه الأربعة الذي كان حسب المعتقد الشيعي علي اتصال لا ملموس بهم.بواسطة عالم الأحلام أو الإلهام المباشر.وبرغم هذه القداسة التي أُسست لنواب الإمام في التشيع وبالتالي من ناب عن النواب.إلا أن دورهم لم يكن قد حُدد بعد.كما أن الدول الشيعية التي قامت في التاريخ كانت تكتسب قداستها من شخصية الحاكم.أي من حاكميتها ذاتها وليس من الفقيه أو رجل الدين.فما قدمته الدولة الحديثة في إيران يعد أول تجربة واضحة لفكرة دولة الفقيه أو حاكمية رجل الدين علي إطلاقه. فقد ظلت نظرية ولاية الفقيه متنامية حسب الظرف التاريخي وتغيراته.ما بين الولاية الإشرافية أي الولاية المحدودة بالإشراف والتوجيه فقط علي تطبيقات الشريعة،كمستشار مثلا.وبين الولاية الفقهية المطلقة،وفيها الفقيه قائم لا منازع علي كل أفعال الأمة ،وله مكانته المقدسة التي يكتسبها تاريخيا من فكرة نواب الإمام.وفي السياق المذهبي بوصفه مختار من قبل المهدي مباشرة،ليحل محله لحين عودته.بل إن الفكرة تطورت في هذا السياق.لتجعل ولاية الفقيه محددة من قبل الله سبحانة منذ الأزل،أي تحويل الولي إلي معصوم كعصمة الأولياء أو الأئمة.وهذا ما اختاره الخوميني لدي قيام الدولة الدينية في إيران.وما أعلنه بعد عامين من قيام الثورة.فطوال مدة نفيه وبعد قيام الثورة في مراحلها الأولي كان يتحدث عن الولاية المحدودة.فكما قال : (الفقهاء هم الحكام الحقيقيون والسلطة حق واجب لهم ولا يجوز لغيرهم منافستهم في هذا الأمر). الولاية المطلقة واكتمال الدولة تتبني تلك النظرية فكرة ضرورة قيام الدولة لحين عودة المهدي ليجد العالم مؤهلاً لقدومه.وتتم قيادة الدولة بواسطة الأعلم والأفقه والأصلح،وإن كانت الأعلمية هي الأساس.وأهم ملامح الولاية المطلقة: أولاً: الولاية : المجموع في هذه النظرية فاقد للأهلية تماماً،لا يحق له إبداء الرأي إلا من خلال الفقيه الولي.وما يوافق عليه يؤخذ به وما لا يعتبره هو لا قيمة له.فالمجتمع يكتسب شرعيته من خلال الولي الفقيه وليس العكس. ثانياً: التنصيب:لا يملك أحد عزل أو تنصيب الولي الفقيه.إلا بواسطة مجموعة من المختارين من قِبله،أو الذي يوافق عليكم بشكل مباشر.حتي لو خالف الشرع فعزله يتم من خلاله.فهو مسئول أمام الله فقط وليس الناس. ثالثاً: الإطلاق:تنسحب سلطة الفقيه علي كل مناحي الحياة،حتي أن التشريع الديني ذاته يكتسب شرعيته منه.فهو لا يتبع القانون أو الدستور أو أي سلطة كانت.بل إن كل تلك السلطات تكتسب وجودها من خلاله. أي أن ولاية الفقيه من هذا المنطلق،تتعدي القيادة الدينية ذاتها.لتشرف علي القيادة الدينية .بل علي الدين ككل.فهي ترفض كلية أي مفهوم عن الديمقراطية أو حكم الأغلبية.والحجة في ذلك أن الديمقراطية قد تظلم الأقلية التي لم تتماشي مع المجموع.وبالتالي لا رأي فوق رأيه في النهاية.وهذا ينقلنا إلي الفكرة الأخيرة حول ضرورة الدولة الدينية من الأساس. هل هناك حاجة إلي دولة الدين؟ أشار المفكر الإيراني المعروف (عبد الكريم سروش) إلي فكرة غاية في الأهمية،مفادها أن ولاية الفقيه أياً كانت تتعارض مع مبدأ مهم في السياق الديني. وهي فكرة ختم النبوة.فالنبي هوخاتم الأنبياء وهو من كان مسئولاً عن الأمة في حياته.وبالتالي فلا يوجد أوصياء بعده. بل إنه بموته واكتمال الرسالة أصبح دور العقل أكثر وضوحاً.وللحرية الفردية الحقة كمالها.فالولاية تتعارض مع أصل ديني من هذا المنطلق. تنقلنا فكرة سروش إلي الإشكالية التي تطرحها مفهوم الدولة الدينية.وهي التصور الثابت للدين،وافتراض أن تحقق كمال الدين مرتبط بفعل السياسي المصاحب له.وبالتالي نفي كل البدائل الممكنة الأخري أمام النموذج الوحيد المقدم. كما أن الدولة الدينية بهذا الشكل أو بأي شكل أخر،تنفي تماماً كل مفاهيم الحرية أو الدولة المدنية،وحقوق الأقليات العرقية أو الدينية.سواء أقلية سنية في دولة شيعية أو العكس.أو حتي إسلامية في دولة مسيحية.فإنتاج البرامج السياسية أو القانونية دور ليس منوطاً به الدين بأي شكل فقهي أو تشريعي. ولا يعني مطلقاً الالتزام الديني للأفراد قيام دولة دينية.فهذا أمر منوط به الفرد أمام الله وليس أمام الدولة.فأصل فكرة ولاية الفقيه تعتمد علي شق الولاية وليس الفقية.أي الوصاية هي الهدف وليس الدين أو الفقه الديني. وفي النهاية فإن دولة الدين تنافي في جوهرها الدين ذاته.وطبيعة العقل الإنساني ومنطقه المتغير.ومن المؤكد أن الدولة المدنية علي ما يعتريها أحياناً من فساد أفرادها،لأفضل من كيان فصامي يجمع بين الدين والدولة بشكل متناقض.