إيران تعلن اعتقال عملاء للموساد وضبط كميات كبيرة من المتفجرات    "بعد جراحة ناجحة"..إمام عاشور يعود إلى فندق إقامة الأهلي بميامي (صور)    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد وفاة شقيقها نور الدين    محافظ الإسماعيلية يناقش مشكلات مياه الشرب بالمراكز والمدن والأحياء    مجلس اليد يحفز منتخب الشباب قبل انطلاق ماراثون المونديال    جلسة منتظرة بين جالاتا سراي ووكيل تشالهانوجلو    طارق يحيى: الأهلي خسر نقطتين أمام انتر ميامي.. وتغييرات ريبيرو لغز    لدغة ثعبان تُنهي حياة تلميذ في قنا    مصدر: إصابة رئيس ومعاون مباحث أطفيح و5 شرطيين وسائق في مداهمة أمنية    اعتماد نتائج برامج كلية التجارة الدولية واللغات بجامعة الإسماعيلية الأهلية    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    أحمد سعد يبدأ صيف غنائي حافل من الساحل.. ويحتفل مع طلاب الجامعة الأمريكية    ظهور مختلف ل كريم فهمي في «220 يوم».. والعرض قريبًا    عبير الشرقاوي: مش بفكر أتجوز مرة تانية    أسباب الوزن الزائد رغم اتباع نظام الريجيم    أمل مبدي: الشخص المصاب بمتلازمة داون مؤهل لتكوين أسرة بشرط    رحلة إلى الحياة الأخرى.. متحف شرم الشيخ يطلق برنامجه الصيفي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية القديمة    لميس الحديدي: كرة اللهب تتناوب بين تل أبيب وطهران.. ولا نهاية قريبة للحرب    شباب القلب.. 4 أبراج تتمتع بروح الطفولة    أمين الفتوى يوضح حكم الزيادة في البيع بالتقسيط.. ربا أم ربح مشروع؟    «الشروق» تكشف موقف بن شرقي بعد الغياب عن مباراة إنتر ميامي    عضو بالبرلمان التونسي: «الإخوان» اخترقوا قافلة الصمود وحولوها لمنصة تهاجم مصر وليبيا    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    عائلة تطرح جزيرة في اسكتلندا للبيع بسعر أقل من 8 مليون دولار    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    أولياء أمور طلاب الثانوية العامة يرافقون أبنائهم.. وتشديد أمنى لتأمين اللجان بالجيزة    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة الشيعية بين ولاية الفقيه والمهدي المنتظر
نشر في القاهرة يوم 22 - 12 - 2009

والطرح السياسي للإسلام له مفهومه الخاص عن مفهوم الدولة الدينية.والذي احتل مشاهد متعددة في حياتنا السياسية والاجتماعية.تنوعت فيه أشكال المفاهيم الخاصة بمشروع الدين والدولة، منها من فشل أو ما زال قيد المحاولة ،مثل الجماعات الدينية السياسية في مصر وغيرها.ومنها من اكتمل بوضوح يستعدي التساؤل، كدولة الولي الفقيه في إيران.
فالمذهب الشيعي بشكل عام لا يفصل بين الدين كمعتقد وبين الدولة كفعل سياسي حركي.فعلي مدار التاريخ تمكن التشيع من إقامة دولته أكثر من مرة علي اختلاف الأفكار المؤسسة في كل مرحلة بداية بالدولة البويهية في العراق في القرن الرابع الهجري.والفاطمية الإسماعيلية في مصر ،وكذلك الصفوية الإثنا عشرية في إيران في القرن التاسع الهجري. فالمشروع الرئيسي للتشيع هو الدولة الدينية مهما اختلفت الأفكار.والدولة الإيرانية الحديثة قامت علي نظرية ذات مرجعيات فقهية مذهبية قديمة إلي حد بعيد،وهي نظرية ولاية الفقيه.والتي تُعد امتداداً لدولة المهدي المنتظر في جانب أساسي منها.وهي نظرية تعتمد علي أن الفقيه هو المنوط بقيادة الأمة بوصفه الأكثر علماً ودراية،فهو ولي الأمة والمسئول عنها.وقد مرت بأبعاد مختلفة وجدل واسع منذ مرحلة غياب الإمام المهدي في التشيع وتحويله للمنتظر.وسنحاول هنا طرح نظرية الولاية ودور الفقيه بشكل مختصر.
الولي الأخير و دولة المهدي
المقصود بالأولياء بشكل مباشر في التشيع هم الأئمة، أوصياء الله علي خلقه، كما يراهم المذهب الشيعي، فهم استكمال لدوائر المقدس بعد وفاة النبي، فالأئمة هم مرآة الله في العالم، فلا يمكن معرفتة إلا من خلالهم، فهم السبيل الوحيد إليه، بنورهم خلق العالم، فهم أصل الوجود بأكلمه، فلولاهم ما كان الخلق.أي أن الأئمة يجسدون مثالين غاية في الوضوح، فهم القائمون علي العالم لهدايته الدينية، وفي نفس الفكرة، هم الحكام الحقيقيون علي المستوي التاريخي والسياسي كما تمناهم وتخيلهم التشيع، فالديني والسياسي ممتزجان بشكل كامل في الأدبيات المذهبية.فالإمامة هي مشروع دولة النبوة الذي ما زال مستمراً.
وبالتالي من الممكن أن نفهم مثلاً،أن علي بن أبي طالب يجسد الدورين في التشيع بشكل تبادلي جدلي.فكما أشار (هنري كوربان) في كتابه (الإسلام الشيعي)،أن علي يجسد في عالم الأفكار المثالية للتشيع الإمام الأول.ولا يفني هذا كونه الخليفة الرابع في التاريخ.فلأنه إمام وجب أن يكون خليفة، وليس لكونه خليفة تحول إلي إمام.خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الخلافة غير معترف به في التشيع إلا من خلال الأئمة.وبشكل أكثر تعقيداً فإن الأئمة لم يصبحوا كذلك لأنهم من آل البيت،بل لأنهم أئمة من الأساس وجب أن يكونوا من تلك السلالة المصطفاة وهم آل البيت.
ففكرة الولاية في عمق تأويلها المذهبي،مرتبط بالأئمة.فهم أولياء الله علي الناس طوال استمرارهم ووجودهم.بل إن تلك المكانة المقدسة مرتبطة في المذهب بالنبوة.ليس بقداسة النبوة منفردة،بل بطبيعة العلاقة بين الولي الإمام والنبي.فتبعاً لفلسفة التشيع،الولاية هي باطن النبوة.أي أن علي بوصفه الإمام الأول ، وهو الوارث الوحيد للعالم الإلهي والهبة المقدسة من قِبل الله سبحانة التي منحها لنبيه.ليس لأنه من آل بيت النبوة بل لكونه الولي الإمام الذي وقع عليه الأختيار المقدس كذلك، فمكانته في عالم الولاية لا تقل مكانة عن النبوة، بل بالعكس هو باطن النبوة وعمقها. فقد ورد مثلاً في أدبيات التشيع، أن النبي في رحلة المعراج، رأي مكتوباً علي باب الجنة (علي ولي الله).أي أن ولاية الأئمة أمر أزلي إلهي مقدر. ففي حديث شيعي منسوب للنبي : (كنا أنا وعلي أمام الله بنور واحد، هو نفسه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة).
وبالتالي قام الأئمة بدورهم المقدس بعد وفاة النبي.بوصفهم المصطفين لقيادة العالم من بعده.فكل أبناء علي وفاطمة محملين بهبة الولاية إلي نهاية الكون. ومن البديهي أن يتمتعوا بكل صفات العصمة الإلهية فأمرهم علي الأمة لا راد له .وبالتالي تظل الدولة الدينية قائمة بقيامهم.ولكن بزوال آخر الأولياء أو الأئمة في التجسيد التاريخي لهم في القرن الثالث الهجري،هنا تكمن الأزمة الفكرية للتشيع في التبرير.فللمذهب الشيعي خياله الفلسفي الفعال دائماً.فكانت فكرة الرجعة لكل الأئمة مع عودة المهدي لتحقيق حلم دولته وإن كانت رجعة الأئمة مؤقته.أي أن عودة الغائب ستكون مرتبطة باكتمال الدولة الدينية.مما يؤكد أن التشيع قائم في أساسه وبشكل اعتقادي علي مفهوم تسييس الدين.أي أن موت الأئمة كان مجرد حالة ظاهرية تاريخية،لا تعبر عن عالم المثال الشيعي الذي يؤكد بآلية تبريرية أن هذا الموت مؤقت.مرتبط بغياب الولي الأخير.أي امتداد للنسق الأسطوري لعالم الأولياء الذين سيحققون دولتهم في نهاية التاريخ.
وكان غياب الإمام الأخير كافياً لانهيار مشروع الدولة الشيعية علي المستوي النظري علي الأقل.ولكن العقل الإيماني بشكل عام،والشيعي خاصة،له قدراته الخاصة لإنتاج البدائل. فقد شكل انقطاع تسلسل الإمامة، إشكالية حقيقية في مفهوم الدولة الدينية الشيعية، تحديداً في مفهوم الوصاية المطلقة للولي الإمام، فكانت الفقهية هي الحل الديني الآخر.فلحين ظهور الإمام من سيكون الولي أو الوصي علي الأمة!!.
ولاية الفقيه وبدائل المهدوية
المذهب الشيعي بوصفه أحد المنتجات الفكرية والسياسية التي احتوت تصورات ثابتة عن الدين.مر بعد مرحلة الغيبة بإشكاليات عدة،خاصة بمفهوم الوصاية الدينية،فهل يصح بناء الدولة في ظل غيبة الإمام؟.وهل هناك وصاية حقة علي الناس بدونه؟.وما طبيعة تلك الوصاية وشكلها؟ ما موقف الشيعة من الدول القائمة بالفعل والتي من وجهة نظرهم دول فاسدة لا يحكمها المهدي؟.هل بناء الدولة ضرورة؟.كل هذه التساؤلات جاءت إجابتها متنامية وتراكمية علي مدار العهود التاريخية،لتشكل فكرة شاملة علي دولة التشيع.
فدائماً ما كان هناك نائب للإمام.حتي في حياة الأئمة مسئولون عن جمع الخمس من الزكاة.ولنقل تعاليم الإمام لغيره من أتباعه.وقد نال هؤلاء الوسطاء مكانة مقدسة من مكانة الإمام ذاته.وزادت قداستهم في مرحلة غيبة الإمام الأخير وأوصياءه الأربعة الذي كان حسب المعتقد الشيعي علي اتصال لا ملموس بهم.بواسطة عالم الأحلام أو الإلهام المباشر.وبرغم هذه القداسة التي أُسست لنواب الإمام في التشيع وبالتالي من ناب عن النواب.إلا أن دورهم لم يكن قد حُدد بعد.كما أن الدول الشيعية التي قامت في التاريخ كانت تكتسب قداستها من شخصية الحاكم.أي من حاكميتها ذاتها وليس من الفقيه أو رجل الدين.فما قدمته الدولة الحديثة في إيران يعد أول تجربة واضحة لفكرة دولة الفقيه أو حاكمية رجل الدين علي إطلاقه.
فقد ظلت نظرية ولاية الفقيه متنامية حسب الظرف التاريخي وتغيراته.ما بين الولاية الإشرافية أي الولاية المحدودة بالإشراف والتوجيه فقط علي تطبيقات الشريعة،كمستشار مثلا.وبين الولاية الفقهية المطلقة،وفيها الفقيه قائم لا منازع علي كل أفعال الأمة ،وله مكانته المقدسة التي يكتسبها تاريخيا من فكرة نواب الإمام.وفي السياق المذهبي بوصفه مختار من قبل المهدي مباشرة،ليحل محله لحين عودته.بل إن الفكرة تطورت في هذا السياق.لتجعل ولاية الفقيه محددة من قبل الله سبحانة منذ الأزل،أي تحويل الولي إلي معصوم كعصمة الأولياء أو الأئمة.وهذا ما اختاره الخوميني لدي قيام الدولة الدينية في إيران.وما أعلنه بعد عامين من قيام الثورة.فطوال مدة نفيه وبعد قيام الثورة في مراحلها الأولي كان يتحدث عن الولاية المحدودة.فكما قال : (الفقهاء هم الحكام الحقيقيون والسلطة حق واجب لهم ولا يجوز لغيرهم منافستهم في هذا الأمر).
الولاية المطلقة واكتمال الدولة
تتبني تلك النظرية فكرة ضرورة قيام الدولة لحين عودة المهدي ليجد العالم مؤهلاً لقدومه.وتتم قيادة الدولة بواسطة الأعلم والأفقه والأصلح،وإن كانت الأعلمية هي الأساس.وأهم ملامح الولاية المطلقة:
أولاً: الولاية : المجموع في هذه النظرية فاقد للأهلية تماماً،لا يحق له إبداء الرأي إلا من خلال الفقيه الولي.وما يوافق عليه يؤخذ به وما لا يعتبره هو لا قيمة له.فالمجتمع يكتسب شرعيته من خلال الولي الفقيه وليس العكس.
ثانياً: التنصيب:لا يملك أحد عزل أو تنصيب الولي الفقيه.إلا بواسطة مجموعة من المختارين من قِبله،أو الذي يوافق عليكم بشكل مباشر.حتي لو خالف الشرع فعزله يتم من خلاله.فهو مسئول أمام الله فقط وليس الناس.
ثالثاً: الإطلاق:تنسحب سلطة الفقيه علي كل مناحي الحياة،حتي أن التشريع الديني ذاته يكتسب شرعيته منه.فهو لا يتبع القانون أو الدستور أو أي سلطة كانت.بل إن كل تلك السلطات تكتسب وجودها من خلاله.
أي أن ولاية الفقيه من هذا المنطلق،تتعدي القيادة الدينية ذاتها.لتشرف علي القيادة الدينية .بل علي الدين ككل.فهي ترفض كلية أي مفهوم عن الديمقراطية أو حكم الأغلبية.والحجة في ذلك أن الديمقراطية قد تظلم الأقلية التي لم تتماشي مع المجموع.وبالتالي لا رأي فوق رأيه في النهاية.وهذا ينقلنا إلي الفكرة الأخيرة حول ضرورة الدولة الدينية من الأساس.
هل هناك حاجة إلي دولة الدين؟
أشار المفكر الإيراني المعروف (عبد الكريم سروش) إلي فكرة غاية في الأهمية،مفادها أن ولاية الفقيه أياً كانت تتعارض مع مبدأ مهم في السياق الديني. وهي فكرة ختم النبوة.فالنبي هوخاتم الأنبياء وهو من كان مسئولاً عن الأمة في حياته.وبالتالي فلا يوجد أوصياء بعده. بل إنه بموته واكتمال الرسالة أصبح دور العقل أكثر وضوحاً.وللحرية الفردية الحقة كمالها.فالولاية تتعارض مع أصل ديني من هذا المنطلق.
تنقلنا فكرة سروش إلي الإشكالية التي تطرحها مفهوم الدولة الدينية.وهي التصور الثابت للدين،وافتراض أن تحقق كمال الدين مرتبط بفعل السياسي المصاحب له.وبالتالي نفي كل البدائل الممكنة الأخري أمام النموذج الوحيد المقدم.
كما أن الدولة الدينية بهذا الشكل أو بأي شكل أخر،تنفي تماماً كل مفاهيم الحرية أو الدولة المدنية،وحقوق الأقليات العرقية أو الدينية.سواء أقلية سنية في دولة شيعية أو العكس.أو حتي إسلامية في دولة مسيحية.فإنتاج البرامج السياسية أو القانونية دور ليس منوطاً به الدين بأي شكل فقهي أو تشريعي.
ولا يعني مطلقاً الالتزام الديني للأفراد قيام دولة دينية.فهذا أمر منوط به الفرد أمام الله وليس أمام الدولة.فأصل فكرة ولاية الفقيه تعتمد علي شق الولاية وليس الفقية.أي الوصاية هي الهدف وليس الدين أو الفقه الديني.
وفي النهاية فإن دولة الدين تنافي في جوهرها الدين ذاته.وطبيعة العقل الإنساني ومنطقه المتغير.ومن المؤكد أن الدولة المدنية علي ما يعتريها أحياناً من فساد أفرادها،لأفضل من كيان فصامي يجمع بين الدين والدولة بشكل متناقض.

والطرح السياسي للإسلام له مفهومه الخاص عن مفهوم الدولة الدينية.والذي احتل مشاهد متعددة في حياتنا السياسية والاجتماعية.تنوعت فيه أشكال المفاهيم الخاصة بمشروع الدين والدولة، منها من فشل أو ما زال قيد المحاولة ،مثل الجماعات الدينية السياسية في مصر وغيرها.ومنها من اكتمل بوضوح يستعدي التساؤل، كدولة الولي الفقيه في إيران.
فالمذهب الشيعي بشكل عام لا يفصل بين الدين كمعتقد وبين الدولة كفعل سياسي حركي.فعلي مدار التاريخ تمكن التشيع من إقامة دولته أكثر من مرة علي اختلاف الأفكار المؤسسة في كل مرحلة بداية بالدولة البويهية في العراق في القرن الرابع الهجري.والفاطمية الإسماعيلية في مصر ،وكذلك الصفوية الإثنا عشرية في إيران في القرن التاسع الهجري. فالمشروع الرئيسي للتشيع هو الدولة الدينية مهما اختلفت الأفكار.والدولة الإيرانية الحديثة قامت علي نظرية ذات مرجعيات فقهية مذهبية قديمة إلي حد بعيد،وهي نظرية ولاية الفقيه.والتي تُعد امتداداً لدولة المهدي المنتظر في جانب أساسي منها.وهي نظرية تعتمد علي أن الفقيه هو المنوط بقيادة الأمة بوصفه الأكثر علماً ودراية،فهو ولي الأمة والمسئول عنها.وقد مرت بأبعاد مختلفة وجدل واسع منذ مرحلة غياب الإمام المهدي في التشيع وتحويله للمنتظر.وسنحاول هنا طرح نظرية الولاية ودور الفقيه بشكل مختصر.
الولي الأخير و دولة المهدي
المقصود بالأولياء بشكل مباشر في التشيع هم الأئمة، أوصياء الله علي خلقه، كما يراهم المذهب الشيعي، فهم استكمال لدوائر المقدس بعد وفاة النبي، فالأئمة هم مرآة الله في العالم، فلا يمكن معرفتة إلا من خلالهم، فهم السبيل الوحيد إليه، بنورهم خلق العالم، فهم أصل الوجود بأكلمه، فلولاهم ما كان الخلق.أي أن الأئمة يجسدون مثالين غاية في الوضوح، فهم القائمون علي العالم لهدايته الدينية، وفي نفس الفكرة، هم الحكام الحقيقيون علي المستوي التاريخي والسياسي كما تمناهم وتخيلهم التشيع، فالديني والسياسي ممتزجان بشكل كامل في الأدبيات المذهبية.فالإمامة هي مشروع دولة النبوة الذي ما زال مستمراً.
وبالتالي من الممكن أن نفهم مثلاً،أن علي بن أبي طالب يجسد الدورين في التشيع بشكل تبادلي جدلي.فكما أشار (هنري كوربان) في كتابه (الإسلام الشيعي)،أن علي يجسد في عالم الأفكار المثالية للتشيع الإمام الأول.ولا يفني هذا كونه الخليفة الرابع في التاريخ.فلأنه إمام وجب أن يكون خليفة، وليس لكونه خليفة تحول إلي إمام.خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن مفهوم الخلافة غير معترف به في التشيع إلا من خلال الأئمة.وبشكل أكثر تعقيداً فإن الأئمة لم يصبحوا كذلك لأنهم من آل البيت،بل لأنهم أئمة من الأساس وجب أن يكونوا من تلك السلالة المصطفاة وهم آل البيت.
ففكرة الولاية في عمق تأويلها المذهبي،مرتبط بالأئمة.فهم أولياء الله علي الناس طوال استمرارهم ووجودهم.بل إن تلك المكانة المقدسة مرتبطة في المذهب بالنبوة.ليس بقداسة النبوة منفردة،بل بطبيعة العلاقة بين الولي الإمام والنبي.فتبعاً لفلسفة التشيع،الولاية هي باطن النبوة.أي أن علي بوصفه الإمام الأول ، وهو الوارث الوحيد للعالم الإلهي والهبة المقدسة من قِبل الله سبحانة التي منحها لنبيه.ليس لأنه من آل بيت النبوة بل لكونه الولي الإمام الذي وقع عليه الأختيار المقدس كذلك، فمكانته في عالم الولاية لا تقل مكانة عن النبوة، بل بالعكس هو باطن النبوة وعمقها. فقد ورد مثلاً في أدبيات التشيع، أن النبي في رحلة المعراج، رأي مكتوباً علي باب الجنة (علي ولي الله).أي أن ولاية الأئمة أمر أزلي إلهي مقدر. ففي حديث شيعي منسوب للنبي : (كنا أنا وعلي أمام الله بنور واحد، هو نفسه، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة).
وبالتالي قام الأئمة بدورهم المقدس بعد وفاة النبي.بوصفهم المصطفين لقيادة العالم من بعده.فكل أبناء علي وفاطمة محملين بهبة الولاية إلي نهاية الكون. ومن البديهي أن يتمتعوا بكل صفات العصمة الإلهية فأمرهم علي الأمة لا راد له .وبالتالي تظل الدولة الدينية قائمة بقيامهم.ولكن بزوال آخر الأولياء أو الأئمة في التجسيد التاريخي لهم في القرن الثالث الهجري،هنا تكمن الأزمة الفكرية للتشيع في التبرير.فللمذهب الشيعي خياله الفلسفي الفعال دائماً.فكانت فكرة الرجعة لكل الأئمة مع عودة المهدي لتحقيق حلم دولته وإن كانت رجعة الأئمة مؤقته.أي أن عودة الغائب ستكون مرتبطة باكتمال الدولة الدينية.مما يؤكد أن التشيع قائم في أساسه وبشكل اعتقادي علي مفهوم تسييس الدين.أي أن موت الأئمة كان مجرد حالة ظاهرية تاريخية،لا تعبر عن عالم المثال الشيعي الذي يؤكد بآلية تبريرية أن هذا الموت مؤقت.مرتبط بغياب الولي الأخير.أي امتداد للنسق الأسطوري لعالم الأولياء الذين سيحققون دولتهم في نهاية التاريخ.
وكان غياب الإمام الأخير كافياً لانهيار مشروع الدولة الشيعية علي المستوي النظري علي الأقل.ولكن العقل الإيماني بشكل عام،والشيعي خاصة،له قدراته الخاصة لإنتاج البدائل. فقد شكل انقطاع تسلسل الإمامة، إشكالية حقيقية في مفهوم الدولة الدينية الشيعية، تحديداً في مفهوم الوصاية المطلقة للولي الإمام، فكانت الفقهية هي الحل الديني الآخر.فلحين ظهور الإمام من سيكون الولي أو الوصي علي الأمة!!.
ولاية الفقيه وبدائل المهدوية
المذهب الشيعي بوصفه أحد المنتجات الفكرية والسياسية التي احتوت تصورات ثابتة عن الدين.مر بعد مرحلة الغيبة بإشكاليات عدة،خاصة بمفهوم الوصاية الدينية،فهل يصح بناء الدولة في ظل غيبة الإمام؟.وهل هناك وصاية حقة علي الناس بدونه؟.وما طبيعة تلك الوصاية وشكلها؟ ما موقف الشيعة من الدول القائمة بالفعل والتي من وجهة نظرهم دول فاسدة لا يحكمها المهدي؟.هل بناء الدولة ضرورة؟.كل هذه التساؤلات جاءت إجابتها متنامية وتراكمية علي مدار العهود التاريخية،لتشكل فكرة شاملة علي دولة التشيع.
فدائماً ما كان هناك نائب للإمام.حتي في حياة الأئمة مسئولون عن جمع الخمس من الزكاة.ولنقل تعاليم الإمام لغيره من أتباعه.وقد نال هؤلاء الوسطاء مكانة مقدسة من مكانة الإمام ذاته.وزادت قداستهم في مرحلة غيبة الإمام الأخير وأوصياءه الأربعة الذي كان حسب المعتقد الشيعي علي اتصال لا ملموس بهم.بواسطة عالم الأحلام أو الإلهام المباشر.وبرغم هذه القداسة التي أُسست لنواب الإمام في التشيع وبالتالي من ناب عن النواب.إلا أن دورهم لم يكن قد حُدد بعد.كما أن الدول الشيعية التي قامت في التاريخ كانت تكتسب قداستها من شخصية الحاكم.أي من حاكميتها ذاتها وليس من الفقيه أو رجل الدين.فما قدمته الدولة الحديثة في إيران يعد أول تجربة واضحة لفكرة دولة الفقيه أو حاكمية رجل الدين علي إطلاقه.
فقد ظلت نظرية ولاية الفقيه متنامية حسب الظرف التاريخي وتغيراته.ما بين الولاية الإشرافية أي الولاية المحدودة بالإشراف والتوجيه فقط علي تطبيقات الشريعة،كمستشار مثلا.وبين الولاية الفقهية المطلقة،وفيها الفقيه قائم لا منازع علي كل أفعال الأمة ،وله مكانته المقدسة التي يكتسبها تاريخيا من فكرة نواب الإمام.وفي السياق المذهبي بوصفه مختار من قبل المهدي مباشرة،ليحل محله لحين عودته.بل إن الفكرة تطورت في هذا السياق.لتجعل ولاية الفقيه محددة من قبل الله سبحانة منذ الأزل،أي تحويل الولي إلي معصوم كعصمة الأولياء أو الأئمة.وهذا ما اختاره الخوميني لدي قيام الدولة الدينية في إيران.وما أعلنه بعد عامين من قيام الثورة.فطوال مدة نفيه وبعد قيام الثورة في مراحلها الأولي كان يتحدث عن الولاية المحدودة.فكما قال : (الفقهاء هم الحكام الحقيقيون والسلطة حق واجب لهم ولا يجوز لغيرهم منافستهم في هذا الأمر).
الولاية المطلقة واكتمال الدولة
تتبني تلك النظرية فكرة ضرورة قيام الدولة لحين عودة المهدي ليجد العالم مؤهلاً لقدومه.وتتم قيادة الدولة بواسطة الأعلم والأفقه والأصلح،وإن كانت الأعلمية هي الأساس.وأهم ملامح الولاية المطلقة:
أولاً: الولاية : المجموع في هذه النظرية فاقد للأهلية تماماً،لا يحق له إبداء الرأي إلا من خلال الفقيه الولي.وما يوافق عليه يؤخذ به وما لا يعتبره هو لا قيمة له.فالمجتمع يكتسب شرعيته من خلال الولي الفقيه وليس العكس.
ثانياً: التنصيب:لا يملك أحد عزل أو تنصيب الولي الفقيه.إلا بواسطة مجموعة من المختارين من قِبله،أو الذي يوافق عليكم بشكل مباشر.حتي لو خالف الشرع فعزله يتم من خلاله.فهو مسئول أمام الله فقط وليس الناس.
ثالثاً: الإطلاق:تنسحب سلطة الفقيه علي كل مناحي الحياة،حتي أن التشريع الديني ذاته يكتسب شرعيته منه.فهو لا يتبع القانون أو الدستور أو أي سلطة كانت.بل إن كل تلك السلطات تكتسب وجودها من خلاله.
أي أن ولاية الفقيه من هذا المنطلق،تتعدي القيادة الدينية ذاتها.لتشرف علي القيادة الدينية .بل علي الدين ككل.فهي ترفض كلية أي مفهوم عن الديمقراطية أو حكم الأغلبية.والحجة في ذلك أن الديمقراطية قد تظلم الأقلية التي لم تتماشي مع المجموع.وبالتالي لا رأي فوق رأيه في النهاية.وهذا ينقلنا إلي الفكرة الأخيرة حول ضرورة الدولة الدينية من الأساس.
هل هناك حاجة إلي دولة الدين؟
أشار المفكر الإيراني المعروف (عبد الكريم سروش) إلي فكرة غاية في الأهمية،مفادها أن ولاية الفقيه أياً كانت تتعارض مع مبدأ مهم في السياق الديني. وهي فكرة ختم النبوة.فالنبي هوخاتم الأنبياء وهو من كان مسئولاً عن الأمة في حياته.وبالتالي فلا يوجد أوصياء بعده. بل إنه بموته واكتمال الرسالة أصبح دور العقل أكثر وضوحاً.وللحرية الفردية الحقة كمالها.فالولاية تتعارض مع أصل ديني من هذا المنطلق.
تنقلنا فكرة سروش إلي الإشكالية التي تطرحها مفهوم الدولة الدينية.وهي التصور الثابت للدين،وافتراض أن تحقق كمال الدين مرتبط بفعل السياسي المصاحب له.وبالتالي نفي كل البدائل الممكنة الأخري أمام النموذج الوحيد المقدم.
كما أن الدولة الدينية بهذا الشكل أو بأي شكل أخر،تنفي تماماً كل مفاهيم الحرية أو الدولة المدنية،وحقوق الأقليات العرقية أو الدينية.سواء أقلية سنية في دولة شيعية أو العكس.أو حتي إسلامية في دولة مسيحية.فإنتاج البرامج السياسية أو القانونية دور ليس منوطاً به الدين بأي شكل فقهي أو تشريعي.
ولا يعني مطلقاً الالتزام الديني للأفراد قيام دولة دينية.فهذا أمر منوط به الفرد أمام الله وليس أمام الدولة.فأصل فكرة ولاية الفقيه تعتمد علي شق الولاية وليس الفقية.أي الوصاية هي الهدف وليس الدين أو الفقه الديني.
وفي النهاية فإن دولة الدين تنافي في جوهرها الدين ذاته.وطبيعة العقل الإنساني ومنطقه المتغير.ومن المؤكد أن الدولة المدنية علي ما يعتريها أحياناً من فساد أفرادها،لأفضل من كيان فصامي يجمع بين الدين والدولة بشكل متناقض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.