أصبحت الساحة المصرية ضحية لمزيج من الإرهاب والطائفية والتطرف،فالذي كان يحسب علي الإرهاب أصبح منتمياً للطائفية والعكس.وتحت ظلال الموت الانتحاري اختلطت الأوراق وأصبحت عصية علي التحليل السياسي أو الاجتماعي، ولكن قد يتمكن علم النفس من تحليل تلك الظواهر التي تتسم بالعنف الموجه. كان ينظر للإرهابي في السابق علي أنه مجرد مريض نفسي غير واعٍ يقوم بأفعال تخرج ضمنياً عن سيطرته العقلية،أي أنه يقترب من تعريف المختل عقلياً.ولكن بالبحث والدراسة علي هذه الأنماط البشرية من العنف، تم استنتاج أنها لا تعاني فقط حالة مرضية علي المستوي الذهني، فتخيل نفسك داخل عملية إرهابية قررت أن تقوم بها ضد جماعة إنسانية،فهذا يعني أنك تدافع من وجهة نظرك عن قضية تستحق القتل أو الموت،مرتبطة بمجموعة من الأفكار الدينية أو السياسية تسمو بك عن الحياة وتمنحها معني جديدًا. أي أن الإرهاب بالإضافة لكونه ناتجًا عن خلل نفسي أو عدم قدرة علي التكيف،فهو كذلك يعبر عن مرض اجتماعي عام، يحتوي المجتمع ككل،بوصفه الضحية والجلاد. فالإرهاب هو : " الاستخدام غير القانوني للقوة والعنف ضد أشخاص أو ممتلكات،لإثارة الذعر داخل المجتمعات حكومات أو شعوب،بهدف تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية ،والترويج لبعض القناعات الفكرية أو الدينية ".واضعين في الاعتبار أن هذا التعريف يعبر عن حال ضحايا الإرهاب أو التطرف ولا يعبر عن الإرهاب في حد ذاته.ولكن يظل السؤال الذي يطرح نفسه دائماً ،وبإلحاح هو الطبيعة النفسية التي ينطلق منها الفعل الإرهابي بشكل عام،وتُعد الإجابة عليه محاولة لفهم الإرهاب بوصفه فعلاً خارجًا عن السياق الاجتماعي والنفسي الطبيعي،بحيث يمكن أن يقع مباشرة تحت طائلة المرض النفسي. العزلة السياسية والبحث عن الأمان طبقاً للإحصائيات التي رصدت أعمار الإرهابيين أو الانتحاريين، وُجد أن أغلبهم من الذكور وتتراوح أعمارهم بين 16 28 عاماً،من طبقات اجتماعية واقتصادية فقيرة أو معدمة.مما نستنتج منه دلالة غاية في الأهمية، تتعلق بأعمار المنفذين للعمليات الإرهابية، فالشاب في هذه المرحلة العمرية يحتاج إلي دعم نفسي واجتماعي قوي، يدفعه لتجاوزها لتحقيق ذاته،بأن يكون فعالاً في مجتمعه.ولكن حينما لا تلبي احتياجاته النفسية والاجتماعية،يصبح أكثر عرضة لحزمة من الاضطرابات النفسية،الناتجة عن شعوره باليأس والإحباط والاغتراب،خاصة في المجتمعات التي تتسم بالظلم الاجتماعي، والتفاوت الطبقي، وغياب العدالة بمفهومها الأشمل. فيصاب بحالة من الخوف الدائم يشكل دافعًا للبحث عن الأمان الاجتماعي في ظل جماعة بعينها تدعمه وتحقق له احتياجاته،وتشعره بالأمان.خاصة إذا تزامن ذلك مع حالة فساد سياسي فرض شكلاً من أشكال العزلة علي طائفة أو فئة اجتماعية.فطبقاً للدراسات النفسية علي شخصية الإرهابي، وُجد أنه أكثر انتماء للجماعة الصغيرة من المجتمع ككل،كما أنه يعتبر المجتمع مُجسداً لمخاوفه الذاتية التي عاني منها في ظله،مما يحتم في النهاية أن يوجه رصيد عنفه الذي خرج من نطاق الغريزة العادية، ضد كل عناصر المجتمع،من نظام سياسي أو طائفي. فالإرهاب قد مر بمرحلتين أساسيتين في مصر ،مرتبطة بارتفاع نسبة الفساد السياسي أو الاجتماعي، الأولي موجهة ضد النظام السياسي في العقدين السابقين، ثم تأتي المرحلة الحالية وهي الإرهاب الطائفي،الذي أصبح يحمل المجتمع أو طائفة واحدة منه مسئولية الإحباط والاغتراب النفسي،ليجد المنتحر أو الإرهابي أمانه في نفي الآخر تماماً ،أكثر منها محاولة السيطرة عليه أو تخويفه،تحت مظلة التدين المتطرف أو الفهم الخاطئ للدين. العنف بين الغريزة والطائفية تبعاً لعلم النفس التحليلي،فإن أي شخص قادر علي ممارسة أقصي حدود العنف بما قد يصل لقتل النفس أو الآخرين،إذا ما تعرض لضغوط ومؤثرات خارجية قد تصيبه بخوف شديد يفقد فيه السيطرة علي المنظومة السلوكية التي يتبعها في حياته اليومية،أي حالة خلل مفاجئ في المسيرة الفكرية والنفسية للفرد تؤدي إلي انهيار سلوكي.فالخوف وعدم الأمان النفسي والاجتماعي من أهم أسباب انتشار العنف.فالشخص الطبيعي من الممكن أن يتحول إلي قاتل في لحظة إذا فقد قدرته علي التكيف النفسي ،والرضا الاجتماعي نتيجة لمؤثر خارجي لحظي أو دائم لفترة زمنية طويلة،وهنا يتم التحول من العنف الغريزي الذي قد يهدف الدفاع عن النفس إلي العنف الموجه ضد فئة أو جماعة بعينها،ويتحول الشخص الطبيعي إلي شخص سيكوباتي (مضاد للمجتمع). فالشخصية السيكوباتية،شخصية توجه العنف تجاه الآخرين دون الشعور بأي ألم نفسي أو ذنب أو حتي التعاطف معهم. فالعدوان كما صنفه علماء النفس، نوعان غير موجه وتتسبب فيه مشاعر الغضب،والموجه وهو الذي يتسم بمزيد من التحديد،ويستخدم لتحقيق أفكار وأهداف أخري،ويأتي الغضب فيها في المرتبة الثانية.وشخصية الإرهابي من الصنف الثاني،تتسم بعدوانية معقدة. الإرهاب والدين وصراع الأنا والهو لا يوجد ما يثبت قطعياً أن العنف والدين مرتبطان عضوياً،فليس بالضرورة أن يتسم سلوك المتدين بالعنف أو التطرف،ولكن المشكلة تكمن في صراع نفسي أكبر من فكرة التدين بمفهومه الشامل،فطبقاً لنظرية فرويد عن النفس البشرية ،بأنها تتكون من ثلاث منظومات رئيسية،وهي (الأنا الأعلي) وتمثل المعايير والقيم،و(الهو) الغريزة والرغبة،و(الأنا) منظم الغريزة والقيم.وبالتالي كل رغبات الإنسان لابد أن تُلبي ضمن منظومة اجتماعية أو دينية خاصة،ومن ضمنها العنف كغريزة أساسية.دور الدين كقيمة عليا تنظيم الرغبات الإنسانية لتحقيق السمو الإنساني، ولكن في حال تناول الدين بشكل متطرف أو خاطئ،وتأويله بما يتفق مع الرغبة،تفقد (الأنا) السيطرة علي (الهو)،ويمثل الدين أو الفهم الخاطئ له مكمن الخطر،فشخصية الإرهابي تنتمي لمجموعة من الرغبات المريضة التي يجد لها قبولاً في منظومته الأعلي وهي الدين،وبالتالي يندفع في القتل الغريزي دون أن يشعر بأي تأنيب قد يأتيه من الأنا الأعلي أو منظومة القيم أو الضمير. فالإرهابي ينتمي كلياً إلي الجماعة التي يشعر معها بأمان نسبي، والتي تمثل بالنسبة له منظومة القيم التي تحدد سلوكه وأفكاره، خاصة مع ما تمارسه الجماعات المتطرفة من فرض سياج من العزلة علي عناصرها الداخلية،أو الأفراد المشكلين لها،حتي تستطيع أن تعزز قيم العنف الذي أصبح في هذه الحالة مقدساً ،أو دينياً. الانتحاري والأفكار الوسواسية سؤال دائماً ما يطرح نفسه،كيف يفكر الإنسان المقدم علي عمل انتحاري، ليقتل نفسه والآخرين في لحظة يتوقف فيها الزمن؟،فالشخص الذي قتل أبناءه ثم قرر أن يعترف بجريمته علي الملأ تحت زعم دعوي دينية تأتيه باطنياً بضرورة التخلص من مجتمعه الصغير،لا يختلف كثيراً عن الانتحاري الذي فجر نفسه أمام كنسية أو مسجد،ليتخلص من الجماعة الأكبر،فكلاهما تتحكم فيه مجموعة من الأفكار الوسواسية تدفعه للتخلص منها عن طريق الانتحار أو القتل.فشخصية الانتحاري غالباً لا تفكر في أي شيء غير تلك الوساوس التي تعززها مشاعره السلبية بالانهزامية،والحرمان العاطفي، والتنشئة الاجتماعية التي قد تتسم بالقسوة أو العنف. فالانتحاري يتسم في عمقه بالطفولية وعدم قدرته علي الاستقلال،وغالباً ما تكون تلك الشخصيات هي الأدني في أي تنظيم ديني أو سياسي، فهي غير ناضجة انفعالياً أو عقلياً،مما يسهل قيادتها والسيطرة عليها سواءً بالاستغلال الخاطئ لأفكار العالم الآخر والحياة بعد الموت، أو غيرها من المنظومات التي تشكل القيم الأساسية في الجامعات الدينية أو التنظيمات السياسية،تحت مسميات الشهادة والخلود.فالانتحاري شخصية لا تتسم بالقوة وترغب في الموت من الأساس،وبالتالي ما يضفيه الإرهاب خاصة في إطاره الديني من شرعية لهذا الفعل،تنفي لديه أي شعور مسبق بالذنب أو مجرد التساؤل عن ضرورة القتل. أسطرة الإرهاب أثبتت الدراسات التي أجريت علي التعامل الإعلامي والحكومي مع حالات ما بعد الأحداث الإرهابية،أنها قد تزيد من شيوع الإرهاب وانتشاره،خاصة من الجانب النفسي،فالإلحاح الإعلامي علي التأثيرات السلبية التي أنتجتها الأحداث الإرهابية في المجتمع،يحقق أهداف الإرهاب بشكل كامل.فالهدف الأصلي من العمليات الإرهابية أو الانتحارية هو إثارة الرعب والتخويف ،وتحقيق الذات المتضائلة لشخصية الإرهابي،الذي يجد نتيجة فعله واضحة في زعزعة الأمن وإثارة الفتن الداخلية والخارجية، وبالتالي تشجع ما يضفيه الإعلام من أسطورية علي شخصية الإرهابي- كما فعلت الولاياتالمتحدة مع أسامة بن لادن،أو غيره،والاحتفاء السنوي بالحدث الشخصيات ذات السمات السيكوباتية الكارهة للمجتمع أو النظام السياسي أن ينضم لجماعة ما تساعده علي تخليد ذكراه بعملية مشابهة، بل والأخطر أن يتم هذا بشكل فردي،بحيث قد يذهب أحدهم متطوعاً للقيام بأعمال انتحارية لنيل الشهرة،فيقرر قتل أقرب مجموعة منه يشعر معها بحالة من العزلة أو الاختلاف. كما أن بعض الدراسات أكدت أن التعامل الأمني العنيف الذي يلي الأحداث الإرهابية يساعد علي نمو تيار آخر كان خاملاً يقوم بعمليات انتقامية كرد فعل عكسي علي العنف الحكومي.وكذلك رغم ما قد يشاع من رفض اجتماعي وإدانة لأي حدث إرهابي ،إلا أن التعاطف الاجتماعي الكامن مع الفعل الإرهابي،خاصة في حالات الإرهاب الطائفي،أو الإحساس الانتقامي الذي يشعره رجل الشارع العادي ضد النظام السياسي،قد يساعد علي دعم الإرهاب وإن كان بشكل لا واع في المجتمع، مما يزيد من شرعية الإرهاب أو الأفعال الانتحارية. وبالتالي يتضح من خلال التحليل النفسي لشخصية الإرهابي أو الانتحاري،أنه يأتي دائماً كرد فعل علي شعوره بالمظلومية الدائمة في إطاره الاجتماعي،فتتضخم لديه مشاعره السلبية الخاصة بالانتقام،ويصبح عاجزاً عن السيطرة علي رغباته الداخلية خاصة العنف الغريزي،فينفجر في وجه المجتمع الذي يدينه ويحمله نتيجة فشله من الأساس. كاتبة المقال أخصائية نفسية