في آسيا ستتعمق النزاعات الحدودية بين بعض الدول التي تعاني من مشاكل المياه وهو ما سيؤدي إلي تطوير الإمكانات العسكرية في بعضها وتعميق اتفاقيات حول حماية مصادر الطاقة وامتداداتها مثل النفط والغاز الطبيعي. وفي قارة أمريكا ستشتعل الصراعات نتيجة لارتفاع أسعار النفط بسبب الوضع السياسي غير المستقر في منطقة الدائرة النفطية ما بين بحر قزوين ومنطقة الخليج إضافة إلي احتمال تفاقم أزمة النفط إذا ما تصاعدت حدة النزاع بين دول الاتحاد الأوروبي والدول المصدرة للنفط أوبك بسبب إصرار أوروبا علي دفع دول منظمة أوبك تعويضات نتيجة الخسائر الناجمة عن احتراق النفط ، أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط فنجد أن اغلب الدول تعاني من مشاكل كثيرة والتي سيزيدها سوءًا التغيرات المناخية مثل الجفاف والتصحر ونضوب مصادر المياه ، إضافة إلي التزايد السكاني وتردي الأوضاع الاقتصادية ، ولذا يتوقع الخبراء بروز صراعات حول مصادر المياه والطاقة وتفعيل الأزمات الحدودية بين الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط. في هذا الإطار كشفت بريطانيا عن تقرير سري لوزارة الدفاع الأمريكية يكمن مضمونه في أن ظاهرة تغير المناخ وإفرازاتها الجانبية سوف تفرض أوضاعا خطيرة علي الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتضع ملايين البشر تحت رحمة الطبيعة وكلها تصب في خانة ما تقدم من حديث وتعكس حالة الاهتمام الأمريكي علي نحو خاص بالتغيرات المناخية باعتبار أمريكا ذاتها هي الإمبراطورية المنفردة بمصير العالم في القرن الحادي والعشرين. واشنطن متهم أول بتغيير المناخ هل من مسئولية خاصة تقع علي عاتق الولاياتالمتحدةالأمريكية في التأثير السلبي علي مناخ العالم؟ الجواب علي لسان الكاتب والمنظر السياسي الفرنسي الشهير "باسكال بونيفاس "يأخذ الشكل التالي" أمريكا مصرة علي موقفها الرافض للانضمام إلي اتفاقية كيوتو ، ومن ثم فان البروتوكول لن يكون فاعلا بما فيه الكفاية حتي وان دخل حيز التنفيذ فالولاياتالمتحدةالأمريكية التي يبلغ عدد سكانها 4% من مجموع سكان العالم تستهلك نحو 25% من الطاقة المستخدمة في العالم وعليه فان الاتحادية الأمريكية التي تم التنديد بها في الشئون السياسية والإستراتيجية كثيرا تجد مجالا لممارستها في المجال البيئي أيضا. وفي عام 2003 أكد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية أن ارتفاع درجة حرارة الأرض قد يشكل احد اخطر التحديات لأمن الولاياتالمتحدةالأمريكية ولكن صيحة التحذير هذه لم تلق آذانا صاغية في البيت الأبيض فتقليص استهلاك الطاقة ليس من الأمور المستعجلة بالنسبة إلي واشنطن. ويري البعض انه يتعين علي الولاياتالمتحدة العودة إلي مسار الدول التي شرعت في علاج هذه المعضلة البيئية إذا أردنا فعلا علاجها ، فحتي لو التزمت جميع الدول الأخري ببنود تلك المعاهدة فان الحل الأمثل لن يكون إلا بمشاركة الولاياتالمتحدة فيها لأنها المسئولة الأولي عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. ويبرز هنا الدور المهم الذي يلعبه نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور والذي كتب كثيرا محذرا مما قد يؤول إليه حال العالم والأرض التي تحتضننا جميعا إذا لم نجتهد في خلق الحلول الناجحة للتخفيف من خطورة الاحتباس الحراري ، وقد كان لكتاباته هذه أثر فاعل في شريحة صناع الأفلام الوثائقية الذين حولوا ذلك المقال إلي فيلم وثائقي شكل عرضه علي العالم صدمة بيئية اقرب إلي الجلطة الدماغية فهل ستأخذ الإدارة الأمريكيةالجديدة برئاسة باراك اوباما هذه الإشكالية في الحسبان أم ستبقي إدارة اوباما تحت ضغوطات المجمعات الصناعية الأمريكية التي لا يهمها سوي تحقيق اكبر المكاسب المالية دون النظر إلي الاعتبارات البيئية التي تكاد تذهب بالأرض ومن عليها؟ تدخل الإنسان والتأثير علي المناخ ورغم أننا لسنا من أنصار تفسير التاريخ بالمطلق علي انه مؤامرة ، فان واقع الحال يؤكد علي أن المؤامرة موجودة في التاريخ. في هذا السياق وبعد إعصار تسونامي الرهيب الذي خلف وراءه خسائر فادحة بدأت كثير من الأقلام تكتب عن الدور الذي يقوم به الإنسان نفسه في تخريب الطبيعة من خلال برامج سرية للتأثير علي المناخ بكل ظواهره وأشكاله ومقدراته. وفي مقدمة تلك البرامج القدرات التي تمتلكها الحكومة الأمريكية لإحداث زلازل من خلال مشروع هيرمس القادر علي توليد ذبذبات كهرومغناطيسية قوية تؤثر علي الطبقات الجيولوجية العميقة ومن خلال تفجير قنابل نووية في باطن الأرض أو تحت سطح الماء وقد مر هذا المشروع بعدة مراحل ففي عام 1974 بدأت الخطوة الأولي منه في قاعدة كيرك لاند الجوية في ولاية ألاسكا وكان الهدف بث موجات كهرومغناطيسية قوية إلي باطن الأرض لإحداث زلازل صناعية أو نحو السماء لإحداث اضطرابات جوية تلحق خسائر فادحة بالعدو . ومنها أيضا تفجير عدد من القنابل النووية في قاع البحر بشكل حلقة تشبه المسبحة لتشكيل موجات تسونامي عالية تغرق الأراضي المجاورة. وفي عام 1999 قالت صحيفة DEFENSE NEWS إن حكومة الفلبين أبدت امتعاضها من قيام الجيش الأمريكي بإجراء اختبار من هذا النوع قرب سواحلها الشرقية سبب موجات عالية. وفي هذا الإطار تساءل البعض هل كان الزلزال المدمر الذي لحق بالصين قبل الألعاب الاولمبية العام الماضي من اثر تلك البرامج الأمريكية الفتاكة؟ الثابت أن الصين هي القطب الدولي الوحيد المناوئ للولايات المتحدة والذي يهدد انفرادها بالعالم وعليه فقد كثرت الشكوك حول ذلك وما يعزز من هذا التفكير ما قال به مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق "زيجينو بريجنسكي" في كتابه " بين حقبتين" من أن التكنولوجيا ستسمح للأمم الكبري باستخدام أسلحة غير مرئية والتي لا يعرفها إلا القليل من القوات السرية ويضيف " نحن نمتلك وسائل للتأثير علي الطقس فيمكن إحداث أعاصير أو جفاف ونؤثر بهذا علي أعدائنا للقبول بشروطنا. وإذا كان هذا حال الصين فهل كانت الزلازل التي أصابت إيران بكثرة طوال العقدين السابقين أمرًا عاديا أم تدبير مرتب له سيما بعد حدوثه بشكل متكرر؟. المؤكد أن من يستعرض تاريخ إيران يجد أن له ماضيا طويلا مع الزلازل راح ضحيتها عشرات الآلاف من الإيرانيين أشهرها زلزال "قم" لكن يبدو واضحا أن حدوثها أصبح متسارعا في السنوات الأخيرة مع تسارع حدة الصراع بينها وبين أمريكا. والمقطوع به من جهة ثانية أن العراق الذي أضحي ساحة خالية للاحتلال الأمريكي بات بدوره فضاء متسعا لمثل هذه التجارب وما تسرب من قبل قاد إلي تساؤلات أدت بدورها إلي الكشف عن مشروع أمريكي سري في العراق والمنطقة أدي إلي تغييرات مناخية خطيرة وقد رصد مؤخرا علماء من النرويج وألمانيا متغيرات مناخية في العراق وتوصلوا إلي أن درجات الحرارة المرتفعة والأتربة الحمراء التي تغطي الأجواء العراقية هي جزء من عمليات سرية تابعة للمشروع الأمريكي. ويؤكد العلماء أن هذه الظواهر المناخية قد أخذت بالتمدد لتشمل سوريا والأردن اللتين شهدتا درجات حرارة مرتفعة خلال الأعوام المنصرمة فيما انتشرت ظاهرة الأتربة الحمراء في أجواء السعودية والكويت وجزء من المدن الإيرانية الواقعة علي الحدود مع العراق ، وقد حذر علماء نرويجيون من نتائج هذه الظواهر وأكدوا أنها تؤثر في المحاصيل الزراعية بشكل مباشر حيث رصدوا أمراضا خطيرة أصابت أشجار النخيل في وسط وجنوب العراق إضافة إلي تأثيرات مباشرة في محاصيل الذرة والقمح وكذلك في بساتين الرمان والبرتقال في أكثر من منطقة في العراق ويرجح الباحثون أن لهذه الظاهر المناخية تأثيرات مباشرة علي الإنسان حيث إنها تساعد علي نمو نوع خطير من السرطان يصيب الرئتين وسائر الجهاز التنفسي كما انه يؤدي إلي تشوهات خطيرة في الولادات الأمر الذي تؤكده التقارير الطبية الصادرة عن الدوائر الصحية في مدن البصرة والعمارة والسماوة الواقعة جنوبي العراق... في طريق إيجاد حلول للأزمة هل يعني ما تقدم انه لا حل يمكن تقديمه من قبل سكان الكرة الأرضية من اجل الحفاظ علي البيئة ووفقا لحالة التدهور المناخي التي تعتريها؟ أبرز مؤتمر الأممالمتحدة حول البيئة والتنمية الذي عقد عام 1992 في ريو دي جانيرو بالبرازيل حقيقة انه علي البشر أن يطوروا من استراتيجيات من شأنها أن تلبي احتياجاتهم الحالية والمستقبلية من الطاقة والطعام دون أن يتسبب ذلك في زيادة مستمرة في غازات الاحتباس الحراري في الجو ، وان مثل هذه الاستراتيجيات يمكن أن تشتمل علي: ترويج الممارسات الاجتماعية والاقتصادية التي ليس من شأنها أن تسبب مزيدا من الأذي للبيئة وتنفيذ الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلي التقليل من أو عكس الاتجاهات نحو الأسوأ التي ينحدر إليها المناخ . اعتماد استراتيجيات فعالة وصديقة للبيئة في عمليات التطوير الاقتصادي بما في ذلك زيادة الاعتماد علي المصادر النظيفة والمتجددة لتوليد الطاقة و مثل الرياح والأشعة الشمسية والطاقة المائية التي قد تقلل من انبعاث غازات الاحتباس الحراري . استخدام استراتيجيات من شأنها تلبية احتياجات العالم من الطعام والتقليل من تلويث مصادر المياه العذبة بفعل الأنشطة الزراعية والحفاظ علي الغابات باعتبارها ممتصا حيويا لغاز ثاني أكسيد الكربون. الحاجة إلي تحسين وسائل جمع المعلومات الخاصة بمصادر الطاقة ونشر هذه المعلومات وتطبيقها ورفع مستوي الوعي والفهم لدي الجمهور وأصحاب القرار للأخطار المحتملة للتغير المناخي والي ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي لهذه الأخطار. الحاجة إلي مراقبة التعقيدات التي يمكن أن تعزي إلي سيرورات التغير المناخي وفهمها وتحريها والتنبؤ بها. ويبقي التساؤل قبل الانصراف هل قضية التهديدات المناخية قضية الدول الكبري الصناعية أم قضية الدول النامية؟ علي الرغم من أن دول العالم المتقدم ستتأثر كما دول العالم النامي إلا أن الأخيرة علي وجه خاص سيكون مصابها جسيمًا وفادحًا وعليها أن تبحث في أجنداتها المحلية ثم الإقليمية كيف لها أن تواجه هذا التهديد الذي هو اخطر من الأسلحة النووية كما يجب علي الدول المتقدمة أن توقن بان الحرائق التي ستشتعل في دول العالم الثالث لابد وان يصيب شراراتها الأغنياء وهذه هي ضريبة العولمة ووجهها الثاني ولعله يحق لنا عربيا أن نتساءل ماذا عن أهم إشكالية تواجهنا وكيف لنا أن نتعاطي معها؟ كيفية مقاومة التصحر عربيا بلا شك إن اخطر وأفدح كارثة هي التصحر الذي يمتد علي العوالم العربية ، هناك في واقع الأمر العديد من الوسائل التي يمكن اتباعها لمقاومة ظواهر التدهور البيئي والتصحر وقد يكون من الصعب تناولها جميعا إلا أن جميع هذه الأساليب يجب أن تهدف إلي تنمية وصيانة الغطاء النباتي الطبيعي واستعادة خصوبة التربة وصيانتها وحمايتها من الانجراف وحسن استغلال الموارد المائية. وتعتبر الموارد المناخية واحدة من اعقد الموارد في تنوعها من حيث الزمان والمكان وبالتالي من حيث تفاعلاتها مع جميع الموارد الأخري فهي تقع بين الموارد التي تقدمها لها الطبيعة، فالجفاف الطبيعي يشكل عائقا رئيسيا وليس هناك الكثير مما يمكن عمله لتغيير هذا الوضع إلا أن الأهمية تكمن في إيجاد الممارسات التي تتفق تماما مع الظروف المناخية وأحوال التربة. ولا يغيب عن الأذهان أن نقل واستخدام التكنولوجيا اللازمة والمتوفرة لمصالحة أبعاد التدهور واستمرارية الإنتاجية تتطلب إجراء التكييف والتحوير الضروريين بما يتناسب والبيئات المحلية لان الإسراع في اكتساب التكنولوجيا دون الدراسة في تطبيقها وتهيئة الطاقات البشرية المدربة والماهرة وإنشاء معاهد ومراكز الدراسة والبحث تؤدي إلي نتائج سلبية لايمكن التكهن بها . وبحال من الأحوال يمكن الإشارة إلي بعض الخطوط العريضة في طريق معالجة الصحراء ومن أهمها: إجراء تقديرات واقعية للموارد الطبيعية وتحديد الاستثمارات الملائمة لقدراتها وذلك بالاستفادة من احدث التقنيات التي توصلت إليها التكنولوجيا الحديثة وذلك لبيان أوجه استغلال هذه الموارد بشكل علمي سليم للوصول إلي الإنتاج الدائم والمستمر والسير به في الاتجاه السليم من ناحية والحد من التدهور في الموارد الحيوية وإعادة تعمير المناطق المتدهورة من ناحية أخري . هناك أيضا جزئية تنمية وتطوير الغابات الطبيعية علي أسس عملية بتحديد مناطقها حسب إنتاجيتها وتصنيف الأشجار المكونة لها وبيان صلاحه أراضيها للتشجير من خلال التصنيف الدقيق لتربتها وتحديد درجة خصوبتها وانحدارها وطبوغرافيتها. وكذلك توفير الوسائل والأساليب الضرورية لمكافحة الأمراض والحشرات والآفات والحرائق التي تتعرض لها الغابات ورفع مستوي السكان المحليين اجتماعيا واقتصاديا بإيجاد فرص عمل لهم تعويضا عن مهنة التحطيب وصناعة الفحم. إعادة تشجير مناطق الغابات الطبيعية التي تعرضت للتدهور وحماية المناطق المنحدرة من الانجراف المائي وحفظ المياه من الضياع وإيجاد مصادر لها بإقامة السدود والخزانات المائية. علي أن واحدة من أهم السبل المطلوبة لمواجهة داء التصحر تتمثل في إقامة المشروعات الخضراء حول المناطق المهددة بداء التصحر إذ تساهم الأحزمة الخضراء في وقف تدهور إنتاجية الأراضي وتساعد علي تثبيت الرمال الزاحفة والكثبان الرملية المتحركة ضمن أساليب التشجير والاستزراع المواتية وذلك إما بتشجير كامل مناطق الرمال المتحركة او علي شكل أشرطة عريضة او ضيقة في أطراف المناطق المتأثرة او المرافق الحيوية المتضررة وهنا لابد من التأكيد علي ضرورة دراسة عدد كبير من الأشجار المحتملة للجفاف بيان إمكانية تأقلمها محليا إضافة إلي الاستفادة من المصادر الوراثية المحلية المبشرة وان يتم إكثارها وتأمين المشاتل الملبية لاحتياجات هذه الأحزمة ضمن الخطط الوطنية الموضوعة وان يتم أيضا إنشاء الأحزمة في المناطق التي تفصل بين النطاقات المناخية المختلفة إضافة إلي إقامة مصدات الرياح والأحزمة الخضراء حول المزارع والمدن والمنشآت لمقاومة عمليات التعرية والحد من تأثيراتها. هل ما تقدم يفي قضية التصحر حقها من البحث والنقاش؟ بالتأكيد لا فالقضية أوسع من أن يلم بها في بعض سطور لكنها فقط تذكرة بخطورة هذه الأزمة المضافة إلي الأزمات الاقتصادية والمالية التي يتعرض لها العالم في الآونة الأخيرة.