تشهد السنوات الأخيرة نزاعات بين العديد من الدول في منطقة القوقاز نتيجة لميراث القادة السوفيت في رسم الحدود بين جمهوريات وأقاليم الامبراطورية الغابرة بشكل تعسفي وعفوي. وقد بدأت النزاعات بين القوميات في هذه الدول قبل اكثرمن عشرين عاما حينما طالبت الاغلبية الارمبنية في ناجورني كاراباخ بالانفصال عن اذربيجان وتصاعد بعدها النزاع بين الدولتين وتوج بحرب استمرت اربع سنوات واسفرت عن مقتل ما يقدر بثلاثين ألف شخص. ورغم التوقيع علي وقف اطلاق النار عام 1994 إلا أن الوضع النهائي في ناجورني كاراباخ لايزال عالقا، ليبقي الملف الاكثر إثارة للجدل في منطقة القوقاز. فالمنطقة تتسم بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة اذ انها تحتوي علي ثروات طبيعية ضخمة وامكانات اقتصادية وصناعية وزراعية واعدة. فهل تكون هذه الثروات هي المدخل لأي حل للنزاع في المنطقة ولو لضمان الأمن والاستقرار في أوروبا ومن ناحية أخري لضمان وصول النفط من قزوين إلي السوق الدولية خاصة إذا كانت أكثر الآراء تؤمن بالحل السلمي وبأن هذا الحل يمكن تحقيقه عن طريق الدول المؤثرة التي لها مصالح اقتصادية في منطقة جنوب القوقاز؟ هذا الرأي يتبناه كثير من المراقبين والناشطين السياسيين من أبناء المنطقة، الذين يرون أن القوي العظمي لها مصالح في هذه المنطقة، ومع أن اطماعها وأهداف سياستها الخارجية لا تتطابق مع أهداف دول المنطقة إلا أنه إذا تطابقت مصالح موسكو مع واشنطن فستستطيعان معا وضع حد لهذا النزاع.. ويري بعض هؤلاء المراقبين أن خلافات تلك القوي العظمي وتضارب مصالحها قد يعود بالفائدة علي المنطقة من زاوية خلق توازن يحول دون تحقيق مصالح طرف واحد.. وفي هذا السياق يري أولئك المراقبون والسياسيون ضرورة مشاركة كل من إيرانوروسيا وتركيا ودول جنوب القوقاز في أي معادلة تتعلق بحل النزاع في المنطقة إذ لا يمكن إغفال دور أي دولة منها في هذه المعادلة، وفي الوقت نفسه فهناك إدراك عام بأن المشكلة بين أذربيجان وأرمينيا لن تحل عسكرياً. ويذهب إلي هذا الرأي مسئول وسياسي أرميني كبير مثل وزير الخارجية إدوارد نالبنديان الذي يؤكد أن حالة اللاحرب واللاسلم في المنطقة تؤدي إلي خسائر مادية كبيرة. ويؤكد علي أن الصراع لن يحل إلا بالطرق السلمية ضمن قواعد ونصوص القانون الدولي، ورغم أنه يشيد بالمجهود الذي تقوم به مجموعة ميسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي والتي تتمثل في كل من "روسيا وأمريكا وفرنسا ممثلة عن الاتحاد الأوروبي" في حل الصراع، إلا أن حديث الوزير الأرميني يفهم منه ضمنا أنه يعي تماما أن تدخل أي من الدول الكبري في المفاوضات لن يكون من أجل المصلحة السياسية فقط بل سينطوي علي مصلحة اقتصادية أيضا. النفط.. وخطوط نقله واذا أردنا الحديث عن المصالح الخاصة للدول المؤثرة في المنطقة فإن الولاياتالمتحدةالامريكية ضمن الدول التي لديها استثماراتها الاقتصادية في منطقة القوقاز فقد وقعت عام 2003 عقدا من اذربيجان قيمته مليارات الدولارات لمد خط انابيب من اذربيجان إلي تركيا عبر جورجيا "خط باكو - جيهان" لنقل بترول اذربيجان إلي الأسواق الدولية دون المرور بروسيا ومعروف أن منطقة بحر قزوين تملك ثروات ضخمة من احتياطيات البترول والغاز ولأمريكا مصالحها الاخري في المنطقة حيث تقوم بالتفاوض مع الجانب الاذربيجاني لنقل القاعدة العسكرية الامريكية من اوزبكستان إلي اذربيجان حسبما يشير بعض الخبراء الاستراتيجيين. واذا اعتبرنا ان واشنطن تفكر بالفعل بنقل قاعدتها العسكرية من اوزبكستان الي اذربيجان فهذا معناه مكسب آخر للولايات المتحدةالامريكية في منطقة القوفاز حيث سيعزز تواجدهما في المنطقة من جهة ومن جهة اخري تكون قد ضمنت حماية أمنية لخط "باكو - جيهان" عبر جورجيا. في هذا الوقت يلعب الاتحاد الاوروبي دور الوسيط في مناطق النزاع الا انه في الوقت نفسه يسعي إلي ضمان مصالحه الاقتصادية مع باكو، حيث يمول خط أنابيب للغاز من اجل امداد اوروبا بالغاز الطبيعي من بحر قزوين كي لا يعتمد في المستقبل علي الغاز الروسي. وتتسم اذربيجان بأهمية موقعها الاستراتيجي فهي تقع في ملتقي أوروبا مع آسيا كما انها تهدف في المستقبل إلي أن تنضم لمنظومة الاتحاد الاوروبي مما أوجد تخوفا روسيا من سياسية اذربيجان التي تتحالف مع واشنطن وتسعي إلي دمج اقتصادها بالاقتصاد العالمي من خلال اتفاقيات مع دول غربية في مجال استغلال حقول البترول والغاز الأذري. هذا بالاضافة إلي الاتفاقية الضخمة التي وقعتها بشأن الاستغلال المشترك مع كونسورتيوم الشركات الدولية والتي تسمي اتفاقية القرن. فحسب التقديرات الاولية يتوقع استخراج 350 مليون برميل من البترول من تلك الحقول. سعي اذربيجان إلي التعاون مع الولاياتالمتحدة والمنظومة الاقتصادية العالمية جعل روسيا تهتم بطروحات التسويات السلمية للنزاعات المتبقية في المنطقة آملة أن نسترجع نفوذها في محيط الاتحاد السوفيتي السابق وايضا للحيلولة دون انخراط دول المنطقة في خطط الغرب الرامية لعزل موسكو عن محيطها الاستراتيجي أو علي الأقل تهميشها واضعافها واذا كانت هذه الدول لها مصالح مع دول القوقاز فمن الطبيعي ان تكون لإيران أيضا مصالحها في تلك المنطقة خاصة وان ايران واذايجان تتشاركان ثروات بحر قزوين إلي جانب ان البعد الديموغرافي يجعل المصالح متداخلة بين باكو وطهران حيث يعيش في ايران حوالي 20 مليون أذري.. غير أن ذلك لم يدفع طهران إلي الوقوف مع طرف ضد آخر في النزاع فإيران في مشاريع ضخمة أرمينيا مثل مشاريع للطاقة، وخط أنابيب لنقل الغاز وخط للكهرباء ومحطة كهرومائية ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائية علي نهر اراكسي وغيرها من المشاريع الأخري. إذا كانت هذه الدول الكبري لها مصالح واستثمارات اقتصادية في منطقة القوقاز الم يحن الأوان لكي تجتمع لحل هذه النزاعات المجمدة، والتي تعتبر ألغاما جاهزة ليست فقط لتفجير الوضع الاقليمي وإنما سيكون لها امتدادات عالمية أليس من الافضل أن تتعاون كل هذه الدول لنزع السلان عن الدولتين الجارتين أم أن من مصلحتها أن يبقي الوضع عالقا.. من أجل مبيعات السلاح!!