دفعت الحرب الجورجية الروسية الأخيرة بالانقسامات العرقية والقومية (الإثنية) في القوقاز -التي تسببت سابقا في اندلاع نزاعات دامية- إلي الواجهة مجددا، لكنها هذه المرة جاءت ضمن استقطاب سياسي أكثر حدة فرضته ظروف المناخ الدولي التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. فكما هو معروف ينتمي الأوسيتيون إلي إحدي المجموعات العرقية الخمسين في القوقاز التي تتكلم لغات مختلفة وتتميز بقوة تمسكها بهذه الأرض التي تعتبرها مهد الأجداد. وبإضافة هذه العناصر إلي ما يسميه ميراث الفساد في مرحلة ما بعد العهد السوفياتي والعنف وتدفق الأسلحة تبدو الصورة أكثر وضوحا في منطقة القوقاز الذي عرف تاريخه القريب نزاعات دامية. فعلاوة علي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا اللتين شهدتا حربا أهلية مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وقعت نزاعات دامية في ناغورني كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان ثم الحرب الضروس في الشيشان مع الجيش الروسي التي أسفرت عن مقتل مائة ألف شخص. لكن علي الرغم من هذا التاريخ يري المحللون أنه يمكن لسكان القوقاز أن يعيشوا بانسجام إذا توقفت التدخلات الخارجية، فالعلاقات الاجتماعية تربط العديد من الجورجيين والأوسيتيين والأبخازيين حتي إن الزعيم الأبخازي سيرغي باغابش الذي يطالب باستقلال أبخازيا عن جورجيا متزوج من جورجية. وتتلخص العقدة التاريخية في هذه المنطقة في أنها صنيعة الغرباء الذين يعمدون إلي إثارة المشاكل كما يري الباحث في أكاديمية العلوم الروسية سيرغي أروتونوف. إذ يقول الأكاديمي الروسي إن الروس كانوا لفترة طويلة بارعين في هذا الميدان ويعززون هيمنتهم بتحريض بعض المجموعات القومية والعرقية علي بعض، وذلك تطبيقا لمبدأ فرق تسد الذي كان ولا يزال أداة في يد القوي منذ عصر الإمبراطوريات الكبري. ففي القرن التاسع عشر تحالف القياصرة مع الأوسيتيين -الذين كانوا يحتلون موقعا إستراتيجيا- بهدف نسف محاولات زعيم المقاومة المناهضة لروسيا إمام شامل في جمع قبائل القوقاز الشمالي. وبعد ذلك استغل الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين مبدأ "فرق تسد" إلي حد كبير فشتت المجموعات العرقية في مناطق إدارية مختلفة وأرغم بعضها علي الانتقال إلي أماكن أخري لتغيير التوازن الديمجرافي.