الفابت المالكة لجوجل تعزز من عائداتها وأرباحها في الربع الأول    مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر الآيس كريم والبيتزا بعد منتصف الليل، والسبب غريب    عاجل - حزب الله يعلن استهداف قافلة تابعة للعدو قرب موقع رويسات العلم.. وهذه خسائر قوات الاحتلال    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    وزير الخارجية الصيني يجري مباحثات مع نظيره الأمريكي في بكين    أحشاء طفل و5 ملايين جنيه وتجارة أعضاء بشرية.. ماذا حدث داخل إحدى الشقق السكنية بشبرا الخيمة؟    أنغام تبدع في غنائها "أكتبلك تعهد" باحتفالية عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية (فيديو)    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    البنتاجون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ «ATACMS»    عاجل - قوات الاحتلال تقتحم نابلس الفلسطينية    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 26 أبريل    سيول جارفة وأتربة، تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم الجمعة    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    تطبيق "تيك توك" يعلق مكافآت المستخدمين لهذا السبب    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    الزراعة: منافذ الوزارة تطرح السلع بأسعار أقل من السوق 30%    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعنة الموارد الطبيعية‏..‏ ومستقبل دولة الريع النفطي
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 01 - 2010

هل تشكل الموارد الطبيعية‏,‏ وعلي رأسها النفط‏,‏ التي تكتشف في أي بلد من البلدان مصدرا لنعمة أو نقمة اقتصادية وسياسية؟ سؤال يبدو بسيطا وقد تكون الإجابة الحاضرة عنه هي أنها بالطبع مصدر نعمة حيث يزيد الدخل القومي وتصبح هناك فرصة كبيرة لتحسين مستويات المعيشة وإحداث نهضة اقتصادية كبري في أي بلد استنادا للعائدات المتولدة من تصدير المورد الطبيعي‏,‏ خاصة لو كان متوفرا بكميات كبيرة وكانت أسعار هذا المورد مرتفعة في السوق العالمية‏,‏ كما أنه بالتأكيد يمكن أن يكون كل ما سبق دافعا إلي المزيد من القبول والرضا الشعبي وبالتالي يعد أساسا للاستقرار االسياسي‏.‏ والواقع أن إجابة العديد من الباحثين في مجال الاقتصاد والسياسة كانت علي عكس هذه الإجابة تماما حيث أدت إجابتهم إلي مابات يعرف علي نطاق واسع لدي جمهور الدارسين بلعنة الموارد الطبيعية‏,‏ ويحدد هؤلاء أبعاد هذه اللعنة بناء علي دراسة العديد من حالات البلدان التي اكتشفت فيها هذه الموارد الطبيعية في التالي‏:‏
فهناك أولا ما يعرف بالمرض الهولندي وهو ما يعني به الاقتصاديون أن أي بلد يصدر المورد الطبيعي تتدفق عليه عائدات كبيرة بالنقد الأجنبي وهو ما يؤدي إلي رفع قيمة العملة المحلية بسرعة شديدة إزاء العملات الدولية الأخري‏,‏ وهو ما يترتب عليه بدوره إضعاف قدرة القطاعات الانتاجية خاصة الصناعية والزراعية علي المنافسة سواء في الأسواق الخارجية أو السوق المحلية‏,‏ حيث يحد ارتفاع سعر صرف العملة المحلية من القدرات التنافسية لمنتجات هذا البلد في السوق الدولية‏,‏ إضافة إلي أن أسعار الواردات تصبح في الكثير من الحالات أرخص من أسعار المنتج المحلي‏.‏ وقد سميت هذه الظاهرة بالمرض الهولندي‏,‏ لإن هذه الخصائص تم رصدها في بداية الأمر في هولندا بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي والقيام بتصديرها للخارج وهو ما أدي بعد فترة وجيزة إلي إضعاف سائر القطاعات الإنتاجية الأخري‏,‏ وهي ظاهرة تم رصدها بعد ذلك في عدد كبير من البلدان المصدرة للموارد الطبيعية وعلي رأسها الدول النفطية‏.‏ وكانت الخلاصة نتيجة لاحدي الدراسات هي‏'‏ وجود ارتباط عكسي ما بين النمو الاقتصادي ومدي وفرة المورد الطبيعي‏,‏ خاصة المعادن والنفط‏.‏ وهذا الارتباط تمت ملاحظته بشكل متكرر علي مدي الزمن وفي بلدان تختلف من حيث حجم السكان وتركيبهم‏,‏ ومستويات الدخول ونوع الحكومات‏,‏ حيث وجد بصفة خاصة أن البلدان التي تعد فقيرة في الموارد الطبيعية‏(‏ أي بدون نفط علي سبيل المثال‏)‏ قد سجلت معدلات نمو اقتصادي أعلي بمقدار أربع مرات من البلدان الغنية بهذه الموارد‏(‏ التي لديها نفط‏)‏ بين عامي‏1970‏ و‏1993‏ علي الرغم من حقيقة أن هذه البلدان النفطية كانت لديها الجزء الأكبر من المدخرات‏'.‏
ثانيا تمت ملاحظة أن تدفق عائدات كبيرة فجأة علي أي بلد من صادراتها من الموارد الطبيعية تؤدي إلي نشوب صراعات وخلافات علي المستوي الوطني أو الإقليمي أو علي الأقل تؤجج من هذه الصراعات والخلافات إذا كانت قائمة بالفعل قبل اكتشاف وتصدير المورد الطبيعي‏.‏ والقائمة هنا طويلة وتشمل سلسلة كبيرة من الحروب الأهلية أو الإقليمية أو حتي الدولية نتيجة للصراع علي ملكية المورد الطبيعي أو كيفية توزيع عائداته ما بين أقاليم البلد المختلفة أو علي أقسام سكانه المختلفين سواء من حيث العرق أو اللغة أو الدين أو المذهب أو حتي جهويا‏...‏ إلخ‏.‏ فالحرب العراقية الإيرانية إن لم تكن قد فجرتها أطماع إقليمية يشكل النفط محورها فعلي الأقل كان من الأرجح أنها لم تكن لتستغرق نحو ثماني سنوات دون عائدات النفط التي مولت هذه الحرب‏,‏ والغزو العراقي للكويت كانت أهدافه المعلنة علي الأقل هي إضرار سياسات الكويت النفطية بتأثيرها علي أسعار النفط علي ميزانية العراق الذي كان خارجا للتو من حالة حرب مع إيران‏,‏ علاوة علي ما ادعاه العراق آنئذ من استيلاء الكويت علي أجزاء عراقية من حقول البترول المشتركة بين البلدين‏.‏ وقد أشار العديد من الباحثين إلي الغزو الأمريكي للعراق باعتبار أن دافعه الرئيسي كان هو النفط إلي جانب أسباب أخري‏,‏ والخلافات الداخلية العراقية الحالية خاصة بين الإقليم الكردي والحكومة المركزية العراقية تتركز حول عملية استغلال الثروة النفطية للبلاد سواء في الحق المستقل للكشف عن النفط واستخراجه أو في كيفية توزيع عائداته‏.‏ والأوضاع السياسية والاقتصادية في فنزويلا منذ بداية الثمانينيات علي الأقل تعد رهينة لهذا الموضوع النفطي بما فيها الانقلاب الفاشل علي الرئيس شافيز في عام‏2002,‏ علاوة علي أن النفط هو واحد من العوامل الرئيسية الدائمة الذكر عند كل خلاف أمريكي فنزويلي‏.‏ واستيلاء إيران علي الجزر الإماراتية الثلاث يتعلق بعضها علي الأقل بالثروات المحتملة من الغاز والنفط‏,‏ كما أن العقوبات الأمريكية ضد إيران ربما كان أكثرها فعالية هو الحد من الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها البلاد لاستغلال ثرواتها من النفط والغاز‏,‏ كما أن تصاعد الحرب الأهلية في تشاد مؤخرا كان نتيجة رئيسية لبداية استغلال حقول نفطية في تشاد وإن كانت محدودة الحجم‏.‏ ثم أن الحرب الأهلية في السودان قد عمل علي تصعيدها بداية اكتشاف النفط هناك‏,‏ كما أن واحدا من الموضوعات الرئيسية المعلقة بين الشمال والجنوب هو تعيين التخوم بين الإقليمين خاصة أن بعض الحقول النفطية الكبيرة نسبيا تقع في منطقة لاتزال موضع نزاع بينهما‏.‏ وحسب قول أحد الباحثين فإنه‏'‏ ليس هناك من مكان آخر تجلت فيه كل الأمراض المرتبطة بالنفط مثل نيجيريا‏.‏ فحرب بيافرا الانفصالية وهي أكبر حرب أهلية أفريقية في نهاية الستينيات‏(6‏ يوليو‏1967-15‏ يناير‏1970)‏ والتي أسفرت عن نحو مليون قتيل يمكن أن تعزي ولو جزئيا إلي محاولة الإقليم الشرقي الذي تسيطر عليه عرقية الإجبو إلي كسب السيطرة المطلقة علي احتياطات النفط‏.‏ كما شهدت نيجيريا اغتيال اثنين من قادتها‏,‏ ونجاح ست محاولات إنقلاب عسكري علاوة علي أربع محاولات أخري فاشلة‏,‏ وسيطرة الحكم العسكري لمدة ثلاثين عاما‏'.‏ إضافة إلي هذا فإنه منذ بداية القرن الحالي تفجر نزاع آخر أثاره ما يعرف بمتمردي دلتا نهر النيجر وهي المنطقة الرئيسية لإنتاج النفط النيجيري لاحتجاجهم علي توزيع عائدات صادرات النفط ومطالبتهم بحصة أعلي لأن النفط يستخرج من إقليمهم‏,‏ ولم يتم تسوية هذا الخلاف جزئيا سوي منذ أشهر قليلة‏.‏
وربما كان البعد الأكثر أهمية هو أن اللعنة تعمل من خلال تدمير الاقتصاد المحلي والمؤسسات السياسية‏,‏ فظهور النفط أو المعادن يؤدي إلي نشأة سلوك يسعي للريع والفساد‏,‏ وهو ما يؤثر سلبا علي مناخ الاستثمار والنمو‏,‏ إذ يلاحظ أحد الباحثين أنه كما قدم الانفجار في عائدات النفط تمويلا للإنفاق الحكومي النيجيري فإنه قد وفر أيضا فرصا متزايدة للرشاوي‏,‏ فخلال العقد الأخير من القرن العشرين فقط يقدر أن حكام نيجيريا قد نهبوا جزء من الثروة النفطية يصل إلي عشرات المليارات من الدولارات‏.‏ وكافة هذه العوامل المذكورة لم تسهم فقط في إضعاف معدلات النمو‏,‏ بل أدت أيضا لتدمير كافة الخبرات الناتجة عن عملية التنمية‏.‏ وهكذا فإن النفط وما أدي إليه من تدهور مؤسسي ربما يكون السبب الأكثر أهمية وراء مشكلات نيجيريا الاقتصادية والسياسية‏,‏ وهو أمر يتكرر في كافة الدول النفطية سواء في المنطقة العربية أو خارجها خاصة مع بداية تدفق العائدات في ظل غياب شبه تام للمؤسسات المحترفة القادرة علي إدارة هذه العائدات بكفاءة ومسئولية‏.‏
وربما يكون من أكثر النتائج خطورة التي تكاد تنفرد بها دول النفط العربية‏,‏ خاصة في الخليج‏,‏ هي ما لاحظه منذ الثمانينيات بعض الاقتصاديين والمفكرين العرب مثل يوسف صايغ وحازم الببلاوي وعلي خليفة الكواري إذ أاشاروا إلي حالة الانخفاض الواضح في معدل المشاركة الخام للقوي العاملة الوطنية من إجمالي السكان‏,‏ وهو ما كان يعود إلي عدد من الأسباب من أهمها محدودية الفئة العمرية التي تمد المجتمع بقوة العمل‏,‏ إذ نتيجة لسرعة النمو السكاني وانخفاض معدل وفيات الأطفال علي نحو بارز‏(‏ وهي إنجازات باهرة في مدي جيل واحد‏)‏ فإن نسبة الفئات الدنيا في العمر كانت أكبر بكثير من الفئات ذات الفئة العمرية الوسطي التي تقدم قوة العمل‏,‏ أضف لذلك محدودية اشتراك النساء في العمل ثم ما ولدته سياسات‏'‏ دولة الرفاه النفطية‏'‏ من بعض الظواهر الجديدة‏'‏ كالبطالة المرفهة‏'‏ إذ أن هناك فئة من فئات القوي العاملة المواطنة المحتملة ظلت خارج نطاق العمل رغم توافره لعدم حاجتها إليه‏.‏ وقد دفع ذلك إلي اعتماد بلدان النفط العربية اعتمادا كبيرا علي قوة العمل الوافدة‏,‏ وهو ما يعود جزئيا إلي الفورة الهائلة في حجم الاستثمار لاسيما في مجال التشييد والبناء الذي شهد انفجارا هائلا بدءا من أواسط السبعينيات‏,‏ وجزئيا إلي السياسات التي اتبعتها دول المجلس‏,‏ حيث كان موضوعا تحت تصرف الدولة معظم مصادر الثروة الوطنية ومن ثم أصبحت وظيفتها الأساسية هي توزيع المزايا والمنافع علي أفراد المجتمع وكانت أهم السبل لهذا التوزيع هي تشغيل الموطنين في وظائف حكومية‏,‏ إذ رغم كون هذه البلدان تأخذ بمبادئ الاقتصاد الحر‏,‏ إلا أن تضخم أجهزتها الحكومية لا يكاد يختلف عن تلك الدول التي كانت تستند إلي القطاع العام‏.‏ كذلك فإن الإمكانات المالية الهائلة لدول المجلس التي مكنتها من السهولة النسبية في استقدام قوة عمل وافدة‏,‏ والسهولة النسبية لحصول معظم المواطنين علي دخول مرموقة دون جهد كبير قد ألغت الحافز لحمل قوة العمل المواطنة علي الانخراط الكثيف في الأعمال اليدوية أو تلك التي تتطلب مهارات تقنية وحرفية‏.‏ وتركز الإقبال علي الأعمال الإدارية والمكتبية‏-‏ حتي بدون أن يكون المواطنون مؤهلين لها‏-‏ مما سبب تدنيا ملحوظا في الإنتاجية خاصة في القطاع العام‏.‏ أضف إلي ذلك بالطبع توفر مصادر هائلة للأرباح في القطاع الخاص الذي سيطر المواطنون فيه علي الملكية واستخدموا الوافدين بدرجة أكبر في كل عمالة القطاع تقريبا‏,‏ وهو ما أسماه البعض ريعا علي المواطنة‏.‏
والأكثر أهمية أن الخلل في نظام الحوافز وانفصام العلاقة بين الجهد والإنتاجية أدي بدوره إلي توجيه الموارد الاقتصادية وطاقات المجتمع وجهة تتعارض مع متطلبات التنمية وتؤدي إلي انتشار نشاطات المضاربة والسمسرة والسعي إلي التدرج الوظيفي السهل دون سعي إلي رفع الكفاءة أو المساهمة في الإنتاج والتقدم الاقتصادي والاجتماعي‏.‏
يضاف إلي كل ما سبق علي المستوي السياسي انبثاق ما أطلق عليه‏'‏ الدولة الريعية‏',‏ وهي دولة تتلخص في أربعة أبعاد مهمة أولها أنها تتميز بوفرة من الموارد المعدنية والمنجمية وأن ملكية هذه الموارد تعود للدولة وحدها‏,‏ وثانيا أن هذه الدولة تحقق عائدات كبيرة من تصدير هذه الموارد حيث تشكل قيمة تصديرها النسبة الغالبة في الصادرات الإجمالية‏,‏ كما تحقق ريعا كبيرا منها‏,‏ إضافة إلي أن استغلال المورد الطبيعي يتم عبر أساليب كثيفة رأس المال والتكنولوجيا‏,‏ وبالتالي فهو يوظف عددا محدودا من القوة العاملة الوطنية‏.‏ وأخيرا فهي دولة تشكل عائدات المورد الطبيعي المصدر الأكبر لإيرادات الموازنة العامة للدولة‏.‏ وتؤدي كل العوامل السابقة بحسب النظرية إلي أن تصبح الدولة الريعية عمليا في غير حاجة إلي توسيع القاعدة الضريبية علي النشاطات الاقتصادية المحلية كما أسلفنا‏,‏ وتصبح من ثم المشاركة السياسية ضعيفة وتتميز الدولة في غالب الأحوال بأنها دولة سلطوية‏,‏ إذ أنه كما أطلق في أوروبا شعار يقول‏'‏ لا ضرائب دون تمثيل سياسي‏'‏ فإن بعض الباحثين يشيرون إلي أن الشعار الذي يسود في حالة الدولة الريعية هو‏'‏ لا ضرائب لا تمثيل‏'‏ لتتم مصادرة الحياة السياسية وتغيب الديموقراطية‏.‏
أما بعد‏:‏
لعنة الموارد الطبيعية إذن تؤدي إلي إضعاف قطاعات الاقتصاد الانتاجية‏,‏ كما تؤدي إلي نشأة العديد من النزاعات‏,‏ ثم هي تؤدي إلي حالة من الضعف المؤسسي وسيادة سلوك السعي للريع وانتشار الفساد‏,‏ ثم هي أخيرا تؤدي إلي قيام نظم سلطوية تصادر الحياة السياسية والديموقراطية‏,‏ بما يبدو وكأنه قدر لا سبيل للفكاك منه‏.‏ والواقع أن هناك العديد من التحفظات التي ترد علي هذا القدر المظلم يمكن أن نوضح بعض منها فيما يلي‏:‏
فقضية ذبول واضمحلال القطاعات الإنتاجية فيما يسمي بالمرض الهولندي تبدو عملية بنيوية من المستحيل تغييرها‏,‏ وهو أمر غير صحيح بدليل أن هولندا ذاتها ما عادت تعاني من مرضها الخاص‏,‏ علاوة علي عدة نماذج أخري نجحت في تطوير قطاعاتها الإنتاجية برغم وفرة الموارد الطبيعية لديها‏.‏ بل إننا يمكن أن نشير إلي عدد كبير من البلدان التي تحقق فوائض ضخمة في موازين مدفوعاتها ومع هذا استطاعت أن تستمر في تطوير قطاعاتها الإنتاجية المختلفة‏.‏ ومن الطبيعي الإشارة إلي أن عملية التنمية هي عملية بحكم التعريف معقدة وصعبة وهو ما ينطبق ليس فقط علي البلدان المصدرة للموارد الطبيعية‏,‏ بل علي عدد كبير جدا من البلدان النامية التي رغم فقرها في الموارد الطبيعية إلا أنها تعاني أيضا من مظاهر التخلف الاقتصادي والإجتماعي‏.‏
أن بعض الباحثين يغالي في طبيعة لعنة الموارد الطبيعية‏,‏ ونشوء دولة الريع ولا ينسب إليها أي انجاز علي الإطلاق وهو ما يساهم لاحقا في توصيفها باعتبارها دولة سلطوية بشكل هيكلي أيضا دون أي بارقة أمل في المستقبل‏.‏ ويتناسي هؤلاء علي سبيل المثال الإنجازات التي تمت في المجال الصحي حيث تقف بعض بلدان النفط العربية في قائمة أعلي البلدان من حيث انخفاض معدلات وفيات الأطفال وكذلك معدلات الوفاة عموما سابقة في ذلك بعض البلدان المتقدمة‏,‏ كما يتجاهل هؤلاء زيادة الانفاق علي عملية التعليم بحيث أن بعضها الآن يعد الأقل من حيث مستوي الأمية مقارنة بالبلدان العربية غير النفطية‏,‏ ويتجاهلون الكوادر التي تم تخرجها في الجامعات الأجنبية والإقليمية والوطنية علي مدي الأعوام الثلاثين الماضية‏.‏ وإذا كان كل ما سبق يوفر فرصا لمستقبل تنمية هذه البلدان فإنه يعد قيدا واضحا كذلك علي استمرار سياسات الدولة الريعية علي حالها مستقبلا‏,‏ ويتضاعف هذا الأمر إذا ما أدركنا أن هذه البلدان أيضا تسجل أعلي نسبة معدلات نمو سكانية‏,‏ وأن بعضها لديه نسب بطالة مرتفعة فتقديرات نسب البطالة خلال العام‏2009‏ تقترب من‏12%‏ في المملكة العربية السعودية وترتفع إلي‏12.8%‏ في الجزائر و‏15%‏ في البحرين وتصل إلي أكثر من‏25%‏ في ليبيا‏,‏ ومع الوضع في الاعتبار أرتفاع مستوي التعليم فإن نوعية العاطلين عن العمل الآن تختلف قطعا عن نوعية هؤلاء مع بدء التدفق الكبير لعائدات النفط وخاصة مع زيادة الأسعار في منتصف السبعينيات‏,‏ وهو ما يشكل ضغطا كبيرا علي الدولة‏.‏
كما لا يمكن أيضا تجاهل أن تذبذب أسعار تصدير الموارد الطبيعية‏,‏ خاصة النفط‏,‏ يؤدي إلي دورات متعاقبة من الإزدهار والكساد في البلدان التي تعتمد علي هذه العائدات‏.‏ وبالطبع فحينما تكون هناك دورة ازدهار فإنه لا تكون هناك مشكلة لدي الدولة الريعية‏,‏ بينما في حالة مرور الأسعار بدورة انخفاض فإن ذلك يؤدي إلي مصاعب مالية للحكومة وإلي ركود اقتصادي‏.‏ وهو أمر منطقي حيث تلعب السياسة المالية في دول الريع النفطي‏,‏ دورا يتجاوز بكثير الدور المعروف الذي تلعبه هذه السياسة في بلدان أخري‏,‏ نظرا لدورها في إدارة عجلة النشاط الاقتصادي ككل‏.‏ سواء في القطاع العام عن طريق المشروعات الكبري التي نفذتها وتديرها الحكومة أو من خلال الإنفاق علي مشروعات البنية الأساسية التي يقوم بها القطاع الخاص‏,‏ أو من خلال الدعم المباشر وغير المباشر للمنتجين من القطاع الخاص‏.‏ وكذلك من حيث توسيع الاستهلاك العائلي من خلال سياسات الدعم المفرط للمواطنين التي تبنتها هذه البلاد منذ منتصف السبعينيات‏.‏ وليس هناك مناص من اللجوء إلي سياسات أخري في حالة استمرار المصاعب المالية للحكومة‏.‏ فالهبوط الكبير في أسعار النفط‏,‏ وبالتالي إيرادات الموازنة منذ منتصف الثمانينيات‏,‏ والذي استمر طوال التسعينيات تقريبا ترك عجزا كبيرا في موازنات الدول العربية النفطية وهو ما دفع نحو خفض الانفاق العام خاصة علي المشروعات الجديدة إلي جانب البحث عن مصادر لتمويل العجز‏,‏ خاصة بزيادة وتنويع إيرادات الموازنة من القطاعات الأخري غير النفطية‏.‏ فقد تضمنت الموازنات الخليجية خلال عام‏1995‏ ولأول مرة زيادة أسعار الخدمات العامة‏(‏ الكهرباء والتليفونات والمياه‏)‏ والمشتقات النفطية المدعومة للمواطنين‏,‏ وزيادة الرسوم المفروضة علي المعاملات المتصلة بالعمالة الأجنبية ورفع أسعار الخدمات العامة المقدمة إليها بنسب أعلي من تلك المفروضة علي المواطنين‏.‏ وهو ما يعني أن دولة الريع النفطي لا يمكنها الاستمرار طويلا في سياساتها القائمة دون إجراء تعديلات كبيرة تستجيب للتحديات الاقتصادية الخارجية وطبيعة التطور الحادث في قواها البشرية والاجتماعية ومطالبها الاقتصادية والسياسية التي يصعب تجاهلها‏.‏ وأخيرا فإن السلطوية ومصادرة الديموقراطية ليست مقصورة علي البلدان الريعية‏,‏ بل إنها تشمل عددا كبيرا من البلدان في المنطقة أو في العالم الثالث ككل‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.