كتبت نرمين حسين جلست أتابع فيلم الكارتون مع أبناء أخي ذوي الخمس سنوات وفي هذه اللحظات الخاصة عادة تنهال الملاحظات والأسئلة البديهية والمثيرة للتفكير العميق في نفس الوقت على شاكلة: ليه؟ قال لهم إيه؟ رايحين فين؟ ولكن هذا الفيلم جعلنا جميعا نصمت ونشاهد ونتابع في صمت وإعجاب شديدين. الفيلم كان مدته عشر دقائق ولا يوجد فيه أي حوار فالأبطال هم حيوانات المزرعة واللغة المستخدمة هي مزيج من صوت الدجاج على صوت الخرفان والمعيز والكلاب والقطط ، ولكن الحقيقة إنه لم يكن في حاجة إلى حوار فالتعبير أعمق بكثير وكل لبيب بالإشارة يفهم. الدجاجة الأم هي المعلمة والتلاميذ هم الخروف الصغير، المعزة الصغيرة، الكلب الصغير، القطة الصغيرة وبعض الحيوانات الصغيرة الأخرى ودرس اليوم كان في الزراعة. بدأت الدجاجة الأم بتعليمهم كيف يضعون البذرة في الإصيص ثم يضعون فوقعها التربة ثم يسقونها بالماء وهكذا فعل كل الحيوانات مع العلم أن المعزة (بما أنها تأكل أي شيء وكل شيء) أتت على بذرتها فكان لابد من إبدالها ببذرة أخرى، أما الكلب فقد استولى على العديد من البذور المتنوعة أما الخروف فقد تأخر كثيرا وكان من نصيبه أصغر بذرة فأخذها برضى وزرعها وباقي الحيوانات فعلت المثل. ذهب الحيوانات يلعبون وعادوا في اليوم التالي ليجدوا أن كل البذور قد شقت التربة قليلا وظهرت فوقها إلا الخروف لم يجد أثر لبذرته فوق الأرض، فطلبت منه المعلمة أن يغني للبذرة ويعزف لها بعض الموسيقى فالزرع يحب الموسيقى وهكذا فعل الخروف. في اليوم التالي وجدت الحيوانات أن النباتات قد كبرت وكان يجب نقلها من الإصيص إلى التربة الحقيقية لتكمل باقي مراحل نموها، إلا الخروف كان حزين لأن بذرته لم تظهر حتى على السطح، فجلس يغني ويعزف لها حتى تفرح وتكبر. في اليوم التالي أخيرا ظهرت بشائر لنبتة الخروف وكانت صغيرة جدا ولكنه فرح بها جدا جدا وهلل وانشرح أكثر عندما تم نقل نبتته إلى التربة الكبيرة. اليوم التالي كل النباتات أصبحت زهور جميلة ومتفتحة وبخاصة نبتة الكلب لأنه كان قد أخذ الكثير من البذور ووضعها في نفس المكان، أما الخروف فنبتته تقريبا كما هي بل أن ما ظهر لها من ساق أخضر كان لا يقوى حتى على صلب طوله فكان متهاوي على الأرض وكأنه ميت أو عطشان، فراح الخروف يسقيه ويغني له ولكن بلا فائدة. اليوم التالي كل الحيوانات فرحانه بالزهور التي زرعوها الخروف يبكي على حاله حتى جاءت المعزة وكعادتها هجمت على نبتة الخروف المتهالكة تريد أن تأتي على القليل الذي ظهر منها فهجم عليها الخروف يمنعها وشاركه كل الحيوانات الأخرى في منع المعزة التي أخذت تشد النبتة وباقي الحيوانات تشد المعزة حتى أصبحوا طابورا كبيرا من الحيوانات كلهم يشدون المعزة حتى لا تجهز عل نبتة الخروف لعلها تصح وتكبر وتنموا وأثناء عملية الشد التي شارك فيها الكل إذا بالنبتة تخرج من تحت الأرض وإذا بها ويا للعجب... جزرة! طبعا، فما كانت الجزرة لتنمو إلا تحت الأرض وما كان الخروف ولا كل الحيوانات يتصوروا ما كان جاري إعداده تحت الأرض وأن هذه النبتة بالذات ليس مقدرا لها أن تخرج من تحت الأرض وتظهر للعيان إلا وهي جاهزة تماما وفي منتهى كمالها كما خلقها الله. وفرح الخروف كثيرا بالجزرة فهو الوحيد الذي ساهم في إطعام البشرية ووقف الحيوانات يلتقطون الصور مع الجزرة الجميلة والخروف في منتهى الفرح والنشوة بالانتصار الذي حققه. كان هذا هو فيلم الكارتون، ولكنني تعلمت منه درسا قيما: قدر للبعض أن يمر بمراحل نموه ونضجه واكتماله كلها وهو تحت الأرض حتى إذا خرج من تحت الأرض كان جاهزا ومبهرا ومضيئا ومفاجئا للكل! ولما سألتني صديقتي أن أختار أي شيء من كلمة واحدة يعبر عن مصر سواء كان جمادا أو نباتا متصورة أنني سأختار القطن أو القمح أو الشمس مثلا، ولكنها فوجئت بي أقول بكل فخر: مصر جزرة!