«القطط الإيرانية» فيلم تم تصويره بدون تصريح في ثلاثة أسابيع بكاميرا ديجيتال! · رئيس المهرجان لايعرف الفرق بين السينما العربية والإيرانية السينما الايرانية هي فاكهة المهرجانات الكبري، اتحدث عن تلك التي قدمت بعد الثورة الايرانية وأحدثت هي الاخري ثورة في الحالة السينمائية وبات الكل يترقبها.. مهرجان «كان» تحديدا كثيرا ما احتفي بالسينما الايرانية بل وكان لها دائما نصيب وافر من الجوائز الهامة علي خريطة المهرجان اتذكر مثلا عام 1997 حصل عباس كيروستامي المخرج الإيراني الشهير الحاصل علي جائزة السعفة الذهبية عن فيلمه.. «طعم الكرز» كما أن سميرة مخلياف والتي لم تكن عام 2002 أكملت العشرين من عمرها حصلت علي جائزة الكاميرادور، الكاميرا الذهبية التي تمنح للعمل الأول كما أن عددا من المخرجين الايرانيين احتفي بهم مهرجان «كان» في العديد من دوراته أذكر من بينهم محسن مخلياف وهو أحد اساطين الاخراج ومجيد المجيدي الحاصل قبل عامين علي جائزة برلين وغيرهم وغيرهم.. وكان رئيس مهرجان «كان» جيل جاكوب - عندما يسأل عن عدم تواجد السينما العربية في المهرجان يقول لهم كيف تقولون ذلك.. السينما الايرانية لها ستة أفلام في هذا العام!! حفاوة ولا شك مبالغ فيها إلي درجة أن رئيس المهرجان يختلط عليه الأمر بين إيران والعالم العربي إلا أنه قبل عامين بدأت تلك الحفاوة تتبدل إلي ما يقترب من العداوة مثلا عرض المهرجان فيلم بلاد الفرس.. وهو فيلم رسوم متحركة كارتون.. قدمته مخرجة من أصل إيراني هاجرت إلي فرنسا وهي مسترو جابي شارك الفيلم في المسابقة الرسمية وكان رد الوفد الايراني أن هذا الفيلم والذي شارك أيضا في إخراجه مع المخرجة الايرانية مخرج فرنسي اعتبرته إيران فيلما فرنسيا لأنه انتاج فرنسي ولا يعبر عن السينما الإيرانية رغم أن أحداث الفيلم نراها من خلال حكاية هذه الفتاة التي عندما كانت طفلة بدأت الثورة عام 1979 وروت بفيلمها الرسوم المتحركة كيف أن الثورة قلصت الحريات وفرضت الحجاب، حصل الفيلم علي جائزة لجنة تحكيم «كان» وبعد هذا الفيلم قدمت أمريكا فيلم «اسبارطي» واحتجت إيران مباشرة علي هذا الفيلم واعتبرته معاديا لها وأن أمريكا من خلال هوليوود تستخدم اسلحتها السينمائية ضدها .. هذه المرة نحن بصدد فيلم منحته إدارة مهرجان «كان» مكانة متميزة وذلك بعرضه في افتتاح قسم هام جدا وهو نظرة خاصة، هذا القسم يكتفي عادة بالافلام التي تحمل ابداعا خاصا والأفلام المشاركة تتسابق علي جوائز من خلال لجنة تحكيم أخري. الفيلم اختار له المخرج الذي اشترك أيضا في كتابة السيناريو اسم لا أحد يعرف عن القطط الايرانية المخرج كردستاني - إيراني - باهمان جهر بادي» ويجب ملاحظة أن القطط الإيرانية هي أغلي القطط في العالم، كما أنه في إيران ممنوع اصطحاب الحيوانات الأليفة في الشوارع مثل القطط والكلاب. والفيلم تم تصويره بعيداً عن الإطار الشرعي، فلم يحصل المخرج علي تصريح بالتصوير ولم يتقدم بسيناريو إلي الجهات المختصة واستغرق تصويره ثلاثة أسابيع، وتم ذلك بكاميرا «ديجيتال» تم تهريبها خارج الحدود لإجراء المونتاج، المقصود بالقطط في الفيلم ليس فقط تلك الحيوانات الوديعة التي لا تغادر منازلها ولكن أيضاً البشر الذين لا يستطيعون الإفصاح عن مشاعرهم ويظلون مختبئين تحت سطح الأرض في البدروم، ويختلط الأمر علي المخرج بين رأي الإسلام في الموسيقي ورأي المتطرفين لأن المتطرفين سواء في العالم العربي أو إيران يحرمون الموسيقي.. وليس الإسلام كدين يحرمها ولكنه أقصد المخرج يعتقد ذلك.. ذهب المخرج إلي هؤلاء وأقام معهم وعاش أحلامهم، ولهذا يقول في تترات الفيلم كل ما تراه في هذا الفيلم حقيقة الأماكن والأشخاص، ولم يكن في حاجة إلي ذلك لأن بالفعل ما نراه هو الحقيقة، الفرقة الموسيقية التي تعزف تحت الأرض وتحلم بمغادرة الأرض لكي يعزفوا للناس فوق الأرض لكن السلطات الإيرانية ترفض بالطبع، ولذلك يلجأون إلي أحد المزورين الذي يصنع تأشيرة الدخول إلي العديد من دول العالم وكل دولة لها سعر خاص، فأمريكا تساوي مثلاً 10 آلاف دولار بينما أفغانستان نصف دولار!! والحقيقة التي أشار لها الفيلم هي أن المجتمع الإيراني منقسم جزء منه يؤيد الدولة ومتشدد بطبعه في تعامله مع هذه الفرق وجزء آخر متعاطف ومنفتح ويقدم الفيلم من خلال أحداثه تواطؤ الشرطة، فهم ينفذون بالطبع القوانين التي تصادر الآلات الموسيقية وتمنع إجراء البروفات، ولكن في نفس الوقت يتقاضون رشوة مقابل السكوت وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية. يمزج بالطبع المخرج الروائي بالتسجيلي فهو يقدم أحداثاً واقعية ولكن جزءاً كبيراً منها يعاد تمثيله مرة أخري، ورغم ذلك فلم يستعن المخرج إلا بعدد محدود جداً من الممثلين المحترفين والآخرين يعيدون سرد تفاصيل حياتهم، من المفارقات الموحية في هذا الفيلم أن القطط الممنوعة من مغادرة البيوت والانطلاق للناس في الشارع ومثل هؤلاء الفنانين كانت تسترق السمع بمتعة كبيرة إلي تلك الأنغام الموسيقية المنبعثة من أجهزة الصوت وحرص المخرج علي أن يستخدمها في لقطات قريبة وهي في حالة نشوة وكأنهم يتذوقون أيضاً تلك الأنغام وأغلب القطع الموسيقية غربية الاحساس تنتمي إلي نوع يسمي الميتال منتشرة في الخارج.. إن السؤال بالطبع هل هذه الأفلام قادرة علي أن تغير واقعاً؟! الإجابة بالطبع هي أن الأمر يأتي بالتراكم ورغم ذلك فإن الحقيقة هي أن في إيران ديمقراطية في انتخابات الرئاسة مثلاً، والدليل أن أحمدي نجاد الرئيس الحالي لم يكتسح الانتخابات الماضية وهو معرض للهزيمة، وعلي مقعد الرئيس في الانتخابات المقبلة صحيح أن هناك مطاردات لعدد من المعترضين علي النظام، كما أن إحدي الصحفيات والتي ساهمت في تقديم هذا الفيلم رهن السجن الآن،وأيضاً فإن هذا الفيلم لن يعرض في إيران ولا يمكن أن يعتقد أحد أيضاً أن السلطات الإيرانية تسمح بتصويره وبالتالي بعرضه؟.. السؤال الثاني هل من الممكن أن مهرجان «كان» يشارك في لعبة سياسية ضد إيران علي اعتبار أن أوروبا وأمريكا يعتبران أنها دولة مارقة لا تلتزم بالأجندة السياسية التي تضعها أمريكا لكل الدول، خاصة تلك التي تهدد أمن إسرائيل، والمعروف أن التجارب النووية الإيرانية تثير حفيظة إسرائيل، وبالتالي أمريكا.. أتصور أن مهرجان «كان» لا يلعبها سياسة، فهو مثلاً عندما عرض في عام 2005 فيلم المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور 911 فهرنهايت ضمن المسابقة الرسمية وحصل المخرج وقتها علي السعفة الذهبية لم يكن يقصد باليقين أن يهاجم سياسة جورج بوش لكنه يسمح بهذه الأفكار التي تعبر عن نفسها أيضاً عندما عرض مثلاً قبل ثلاث سنوات فيلم «الموت» الإيطالي والذي ينتقد سياسة رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني لم تقصد مهاجمة إيطاليا ولا رئيس وزرائها لأن الصحافة والأقلام في هذه الدولة تلعب هذا الدور، أتذكر أن مهرجان «كان» عندما عرض عام 1991 فيلم يوسف شاهين «القاهرة منورة بأهلها» في المهرجان اعتبر البعض من المصريين أن يوسف شاهين يعرض غسيلنا القذر في الخارج، وفي عام 2006، عندما عرض رسمياً الفيلم المصري التسجيلي «البنات دول» قال البعض أيضاً إنهم ينشرون غسيلنا القذر في الخارج، واتهموا المخرجة التسجيلية تهاني راشد بارتكاب هذا الفعل المشين ضد مصر، والحقيقة هي أن الذي يحرك إدارة المهرجان لاختيار العمل الفني للمشاركة هو المستوي الإبداعي وليس الرؤية المباشرة سياسياً كانت أم فكرية، المهم هو التعبير، والدليل أن المخرج الإيراني باهمان جوهابي 40 سنة أخرج سبعة أفلام شاركت جميعها في المهرجانات الكبري وحصدت أيضاً علي جوائز عالمية فهو يأتي إلي «كان» هذه الدورة بعد أن سعي إلي الاشتراك مرتين في أقسام المهرجان المختلفة، فهو قدم فيلماً ممتعاً وجذاباً بغض النظر هل تتفق مع رؤيته السياسية أم لا؟! ******* سؤال يطرحه فيلم افتتاح «كان»: هل تنتصر السينما المجسمة في العالم؟! هل ستحدث ثورة في عالم السينما تحيل كل الأفلام إلي أفلام مجسمة وتجعل من الشريط السينمائي الذي يتحرك في بعدين الطول والعرض إلي فيلم ذي بعد ثالث مجسم تستطيع أن تمسكه بين يديك.. الحقيقة أن هذا حلم أتصور أنه بعيد المنال صحيح، تلك متعة ولا شك أن تشاهد العمل الفني يتجسد أمامك من خلال النجوم والممثلين، تأتي لك لحظات تعتقد أنك من الممكن أن تصاحب هؤلاء الذين رأيتهم أمامك علي الشاشة بعد أن أصبحوا في متناول يديك.. بالطبع احدثكم عن فيلم الافتتاح في مهرجان «كان» والذي تحمل دورته تلك رقم «62» إنها أول مرة بالطبع يعرض في افتتاح مهرجان «كان» فيلم رسوم متحركة اسمه أعلي «up»، لم يفعلها أي مهرجان آخر كبير في حجم «كان» وأعني بالطبع فينسيا وبرلين، نعم الأفلام التي تقدم بأسلوب الرسوم المتحركة تشارك رسميا في المهرجان وبعضها يحصد الجوائز، ولكن لم يسبق أن افتتح مهرجان دولي كبير مثل «كان» أو غيره بفيلم رسوم متحركة، قبل ثلاثة أعوام مثلا تنافس بقوة علي الجوائز «فيلم شرك» - الجزء الأول - ولم يحصل علي شيء وفي عام 2007 حصل الفيلم الإيراني «بلاد الفرس» علي جائزة، ولكن يظل افتتاح المهرجان له خصوصية لم يقتحمها سوي فيلم أعلي وهذا يعني اعترافا عالي النبرة بأفلام الرسوم المتحركة وأيضا بالافلام المجسمة، حيث إن المتفرج يحصل علي نظارة خاصة تتيح له المشاهدة المجسمة لأن تكنيك التصوير ينبغي أن يضاف له أيضا نظارة قادرة علي أن تخلق تلك الصورة المجسمة.. التجربة أثبتت أن الجمهور سعيد والدليل هذا التصفيق الذي حصل عليه الفيلم من خلال أكثر من ثلاثة آلاف ناقد وصحفي وإعلامي تواجدوا بالمهرجان يوم الافتتاح. الفيلم الذي أخرجه «بيتي دوكتور» يقدم لنا حكاية رجل يقترب من الثمانين من عمره يعيش من خلال استعادته الدائمة للزمن الجميل الذي عاشه مع شريكةعمره وعشيقته في نفس الوقت التي رحلت، ليس لديه إلا ألبوم ذكريات يقرأ بين لحظة وأخري أوراقه ويستعيد تلك الصور كما أنه يتمني أن يحقق لها آخر أمنية لها لم تحققها حيث تمنت أن تزور أمريكا الجنوبية، الرجل بائع للبالونات ويكتشف أنه سوف يترك منزله بحكم تقاعده لأن الشركة سوف ترسله إلي دار المسنين، البيت يشكل له ليس مجرد مأوي ولكن خزينة الذكريات فكل مكان ينطق بالايام السعيدة التي قضاها مع حبيبته ولهذا يقرر أن يطير إلي السحاب بعد أن وجد الظلم علي الأرض، وضع بالونات مملؤة بغاز الهيليوم حتي تتمكن من الارتفاع إلي أعلي بالبيت متجها إلي أمريكا الجنوبية ويجد معه طفلا يتمكن من اللحاق به لأنه يريد أيضا أن يزور أمريكا الجنوبية وتتعدد المفارقات التي يعيشها البطل الذي استوحي المخرج ملامحه من الممثل الراحل الأمريكي سبنسر تراسي.. وكعادة سينما الأطفال تجد فيها الأطفال والحيوانات الطيبة والشريرة بجوار البشر، وهكذا رأينا في الفيلم كل هؤلاء النعامة الطيبة والكلب الطيب مع فريق مكون من عدد من الكلاب الاشرار يقودها رجل عجوز، لكن البطل يكسب المعركة ومعه الطيبون والاخيار ويعود إلي موطنه ومعه الطفل بعد أن انتصر علي الاشرار في الارض وفي السماء وفي نهاية التترات نكتشف أن الحياة مستمرة من خلال بطل الفيلم الذي قدم لنا في النهاية كتالوج جديدا للذكريات، تلك الرحلة الممتعة التي ذهب فيها إلي أمريكا الجنوبية كما أنه احتفظ ببيته الذي يحمل له ذكريات الماضي البعيد لتلك الفتاة التي أحبها شابا وظل علي حبها إستخدم المخرج الألوان المبهجة والواضحة في لحظات استعادته للذكريات وأيضا بعد أن أصبح سعيدا في النهاية لا يخلو الفيلم من لحظات، رومانسية نعيشها في كل التفاصيل والضحك أيضا لا ينقطع علي مدي ساعتين هما زمن فيلم «أعلي».. ونعود للسؤال الأول هل تسود السينما المجسمة في العالم خاصة أن التليفزيون المجسم صار الآن حقيقة؟! اجابتي هي أن السينما المجسمة ستظل مثل سينما سكوب نوعا من الافلام تقدم بها بعض الافكار لكنها يمكن أبدا أن تنهي الافلام التي اعتدنا علي مشاهدتها دون نظارات تتيح لنا أن نمسك الابطال بأيدينا.. نعم ستظل السينما المجسمة تشكل فقط نوعا محدودا من كل الأطياف السينمائية!! ******* يوسف شاهين لايزال عنواناً لمصر في «كان» · 12 مشاركة في المهرجان آخرها القاهرةنيويورك كنت أشحن تليفوني الفرنسي المحمول وعرفت البائعة أنني من مصر علي الفور قالت لي: يوسف شاهين.. هكذا شعرت بأن مصر تساوي في فرنسا وفي العديد من الدول الأوروبية يوسف شاهين وعنوان باق والمعروف أن يوسف شاهين لايزال يحظي بمكانة خاصة في المهرجانات، وهو حقق رقماً قياسياً من خلال 12 مشاركة سينمائية لمهرجان «كان» آخرها عام 2004 بفيلمه القاهرةنيويورك الذي عرض في ختام قسم «نظرة ما».. ما الذي يعنيه أن أول اسم يتبادر إلي الذهن عندما يكتشفون أنك مصري هو يوسف شاهين، قوة وسحر الفن هو الذي يبقي، تأثير الأعمال الفنية يظل هو الأكثر حضوراً وهكذا رحل يوسف شاهين إلا أنه في مهرجان «كان» لايزال حياً يرزق ومن خلاله يعرف الناس في فرنسا أن المصريين قدموا للعالم يوسف شاهين!!