أن يأتي الرئيس عبر انتخابات شيء، وأن يأتي بوسائل أخرى شيء آخر تماما. في الحالة الأخيرة تجوز الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع، أما في الحالة الأولى فلا يستطيع المحلل السياسي، ولا الشرعي كذلك، أن يجد تفسيرا لوجود هذه الآلاف من الشعب في الشارع، وصورة من الطائرة لا يمكن تفسيرها إلا بأن الشعب خرج على رئيسه الذي انتخبه منذ أسابيع. ولكن لأن الرئيس المنتخب ليس رئيسا على الحقيقة، وإنما هو – في مخطط "جماعة طز في مصر"/جماعته – مجرد مرحلة في صراعها على مطلق السلطة في مصر، وفي كافة مستوياتها ومؤسساتها. وبالتالي فلابد من الاحتفاظ بالزخم الجماهيري في ميدان التحرير، وغيره من الميادين، تحت هذا الزعم أو ذاك، فمرة ضد الإعلان الدستوري المكمل، وأخرى ضد حكم الدستورية العليا ومحكمته، واختراع الأسباب ليس بالمسألة الصعبة. والمدهش اندراج السيد الرئيس في مخطط الجماعة للحشد الجماهيري طوعيا، وكأنه غير واع بأنه علامة مؤكدة على مرحليته كرئيس للبلاد في نظر جماعته، فذهب للتحرير ليهتف "ثوار.. أحرار.. هنكمل المشوار"، ولم يكلف نفسه عناء السؤال : ضد من ستستكمل الثورة ومشوارها ؟.. سيقولون ضد العسكري، والسؤال المترتب منطقيا على هذه الإجابة : ألا يعلم أن موقعه، كرئيس ومؤسسة، هو أول ما سيتهدّد من مواصلة المشوار بهذا الهدف!! ألم يسأل السيد الرئيس نفسه : لماذا فجأة تحولت جماعته من التكتيك المرحلي الذي أجادته طوال 40 عاما إلى تكتيك الحسم ؟ وكما يشيع على ألسنة الشباب : بسم الله الرحمن الرحيم، الإجابة "خيرت الشاطر" (وليست تونس هذه المرة). نعم الإجابة "خيرت الشاطر" المرشح الأول للجماعة لمنصب الرئيس، فلما حال كونه متهما في قضية "ميليشيات الأزهر"، انتقلوا من التكتيك المرحلي – لا أعلم هل هي عدم ثقة منهم في المرشح البديل أم ماذا ؟ – إلى تكتيك الحسم، وأعني به فوضى الشارع تحت مبرر مقنع للسيد الرئيس نفسه : "صلاحيات الرئيس". إنه اللعب بالنار، ليس على سبيل المجاز بل عل الحقيقة، ففي حالة الثورة تكون السلمية أقوى الأسلحة على الإطلاق، أما في حالة الفوضى فالعنف هو السلاح الأكثر فاعلية. وتحريك الجماهير المغيبة تحت شعار الصلاحيات في ميدان التحرير من أيسر ما يمكن، فيكفي أن يعتدي عليهم مجهولون لتنطلق عجلة العنف العام، بينما العنف الموجه ينطلق إلى مراكز محددة سلفا ومؤثرة وحساسة بكل تأكيد. ساعتها أيها السيد الرئيس، ستكون أنت ضحية تحرك الجيش لضبط الأوضاع، فعنوانك معروف، وهم في جماعتك يعلمون ذلك، ولكنهم يقدمونك قربانا للحسم وفدية للرئيس الدائم، ولك ما سيكتبه تاريخهم عنك فضلا عن ثواب الآخرة. السيد الرئيس، ليس رضا عن كونك أنت شخصيا رئيس جمهوريتي، ولكن لأنك ممثل لمقام الرئاسة شئت أنا أم أبيت، وهو مقام لا يجوز، في تصوري وفي تصور جميع المصريين، العبث به ولا معه. ولعلك تعلم، أو لاتعلم، أن مشروع جماعتك أبعد بكثير من مهمات رئاستك للجمهورية، وهذا الاختلاف يجعل من المطابقة بين الاثنين أمرا من قبيل الوهم، وقد طولبت أكثر من مرة أن تكون رئيسا لجمهورية مصر، لا ممثلا للجماعة في هذا المقام، وليس أمامك أيها السيد الرئيس لتبقى السيد الرئيس وتنقذ وطنك الذي تقوم على أعلى مؤسساته. وليس أمامك غير إنهاء هذه المظاهرات في الشارع، فهي جميعا، وباختلاف أطيافها تعلن ولاءها لك، وأنها هنا في الشارع من أجلك. وإذا كانت هناك قضايا معلقة فليكن الحوار المجتمعي الموسع وعير مؤسسات الدولة هو الوسيلة لا المظاهرات. والنقطة الأهم لا تتصور أن ثمة صراعا بينك وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهذا الصراع – إن وجد – هو من بين مطلوبات جماعتك لمشروعها، لا من احتياجات رئاستك، بل إن هذه الاحتياجات تفترض العكس تماما، أعني الانسجام والتفاهم لا الصراع والمماحكة. السيد الرئيس إن الناعقين في الميدان من مواليك "يسقط حكم العسكر" يسقطون رئاستك أصلا حين تفقد القوة التي تحميك وتحمي شرعية وجودك، وتتركك في مهب أي احتجاج عليك مهما كان محدودا. اخرج من عباءتهم، يا رحمك الله، فجسد رئاسة مصر أكبر بكثير مما يحيك لك المرشد ومعاونوه من ثياب. طباعة الخبر