أسيوط، عاصمة الإقليم، الذي نعيش فيها، مدينة تجارية، مزدحمة بكل شيء، ابتداء من الشوارع والميادين، حتى الندوات الثقافية والشعرية، ولها في هذا، نشاط مكثف، سنتحدث عنه في مرحلة لاحقة. وهي قلب مصر كلها، النابض بالحياة، فيها أمهر أطباء مصر، كفاك الله شرهم، وأمهر المهندسين، أمدت بصمت، معظم جامعات العالم، بعلماء لا يعرفهم أحد، وفيها أكبر التجار، وأغناهم، وفيها كل التيارات السياسية، التي تموج بها القاهرة. حتى الأحزاب الكرتونية، ومعدومة الجماهير تجد لها مكاتب، ومقار فارهة ونظيفة، لا يرتادها أحد. بمجرد النزول من القطار، والخروج من المحطة، تشعر أنك في مدينة صعيدية بامتياز، تلفحك سمرتها، ولهجتها المميزة، ومراوغة سائقيها، ومداعبة تجارها، وجمال نساءها، وصعوبة مواطنيها، لا يحسنون الكلام الجميل، ولكن لصراحتهم طعم يختلف، تصدقهم، وتثق فيهم، وتشتري، ولا تشعر أنك خدعت إلا في البيت، وتشعر أنك لست ضحية بل غبي. هي مختبر هائل لكفاءات رجال مصر، من نبغ في أسيوط سيصعد، ومنها خرج ووزراء لوزارات سيادية، ورؤساء وزارات، للأسف ليس من بينهم أسيوطي واحد، أو حتى صعيدي، ومطاعمها راقية، لكل فئات الشعب، للفقير والمترف، على حد سواء، غير أنك لسبب غامض تشعر فيها بالضيق، وتريد أن تغادرها في أقرب وقت، ازدحامها، التهم كل شيء جميل فيها، مشروعاتها لم تعد تكفي أبناءها، مدينتها الجديدة التي أنشئت من عشرات السنين ما زالت تحبوا، يعرقل الروتين كل شيء، وتحولت المدينة إلى أشباح، لم تعد تسير حركة بنائها كما خطط لها، هناك مشروعات، عبارة عن مزارع للخضروات والحبوب، رأيتها منذ سنوات، وأصبحت للأسف في حالة بوار، التصحر يزحف على معظم المزارع والمشروعات التي أنشأت هناك بفعل قرارات حكومية، كان يمكن حلها بسهولة، لو لدينا القدرة على وضع قوانين مرنة، تتعلق بتنمية المناطق الجديدة والمستصلحة. غير أن المعوق الأكثر تأثيرا في تأخر التنمية، هو الفساد الإداري الذي يكاد يقضي على كل شيء، وربما أصبح الفساد يهدد المواطنين أنفسهم في أرزاقهم.. غير أن أكثر ما يعيب المحافظة كلها، هو مواصلاتها، سواء تلك التي بين المدن، أو المواصلات الداخلية. الطرق التي تربط مدن المحافظة متهالكة، ولم تعد تتسع للتطور الذي حدث، سواء من حيث النمو السكاني، أو نمو المدن والقرى، وتوسعها على جانبي الطريق، ولم تعد هناك مراعاة لحرم الطريق، مما يعوق الطريق عن الاتساع التلقائي. هذا الطريق بكل المقاييس العلمية والهندسية مصدر خطر، سواء على الأهالي المقيمين في القرى على جانبي الطريق، أو ركاب السيارات، أو السيارات نفسها. لقد أصبحت الحركة على هذا الطريق، بطيئة، بفعل الزحام، وبفعل المطبات الصناعية، التي أقامها الأهالي بأنفسهم وكوسيلة لدرئ إخطار السيارات المسرعة. مما جعل زمن قطع المسافة يزداد، مما يؤثر على مصالح الناس. أما نوعية وسائل المواصلات، التي يستخدمها عامة الناس فهي سيئة، ولا تتناسب مع التقدم الذي حدث في وسائل نقل المواطنين الجماعية، في الدول الأخرى. لا يوجد غير سيارات الميكروباسات، وهي قديمة، وضيقة، ويحشر فيها الركاب حشرا بأكثر من العدد المقرر، دون مراعاة للنواحي الآدمية، وفضلا عن هذا فإن نوعية سائقيها رديئة، ولا تخضع أو تعترف بقانون، فهم من فئة لم تتعود على احترام القانون. وغالبا يعزي كل هذا، إلى عدم وجود رقابة واعية، على الطرق، فالمرور لا يعمل ليلا، ويترك الساحة خالية بهم بدون رقابة.