حذر تقرير أعدته، وحدة دراسات الرأي العام والإعلام، بالمركز الإقليمي للدراسات، الناخبين في تونس، من ظاهرة تفتيت الأصوات، لأن ذلك يصب في مصلحة حركتي "النهضة" و"نداء تونس" اللتين ستحصلان، في الغالب، على كتلتين يعتد بوزنهما في البرلمان. وأكد التقرير، الذي صدر اليوم بالتزامن مع بدء الاستحقاق الانتخابي اليوم داخل تونس، أن هذا التصور يأتي في الوقت الذي يغيب فيه تأثير الأحزاب السياسية على الساحة التونسية باستثناء حركتي "النهضة" و"نداء تونس". ولفت التقرير إلى أن تونس تشهد استحقاقات انتخابية مهمة خلال الفترة الحالية، والتي تبدأ بالانتخابات البرلمانية، ثم الانتخابات الرئاسية التي تعقبها بعد شهرين، وسط ترقب التونسيين لشكل البرلمان القادم، وتركيبته التي ستدشن لمرحلة جديدة بعد إقرار الدستور، وسيكون لها تأثير على الانتخابات الرئاسية، ومدى القوة التي سيتمتع بها الرئيس إذا ما كان منتميا أو محسوبا على الكتلة الأكبر في هذا البرلمان، الذي سيعمل على تشكيل الحكومة للسنوات الخمس القادمة، لاسيما في ظل منح الدستور، الذي أقر مطلع العام الحالي ۲۰۱4، صلاحيات كبيرة للبرلمان ورئيس الحكومة مقابل صلاحيات محدودة، إلى حد ما، لرئيس الجمهورية. ولفت التقرير إلى أن الحملة الانتخابية للمرشحين البرلمانيين بدأت مطلع شهر أكتوبر، وسط أجواء من التنافس بين قطبي العملية السياسية في تونس (حركتي "النهضة" و"نداء تونس")، وغياب ملحوظ لباقي الحركات والأحزاب السياسية، وهو ما عبرت عنه استطلاعات الرأى التي أشارت نتائجها إلى تقارب نسب الفوز المحتملة للحركتين في الانتخابات المرتقبة، لكن يمكن القول إن ضعف أغلب الأحزاب السياسية التونسية قد أفقد الحملة رونقها الذي كان من المفترض أن يتناسب مع أهمية الانتخابات المرتقبة التي ستنهي المرحلة الانتقالية، وتدشن نظاما سياسيا جديدا. وأشار التقرير إلى أن استطلاعات الرأى اهتمت برصد الاتجاهات التصويتية للشارع التونسي في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، والتي أشارت في مجملها إلى أن حركتي "النهضة" و"نداء تونس" ستكونان الأوفر حظا والأكثر حصدا لأصوات الناخبين. وفي الوقت الذي تنتشر فيه دعوات للتصويت "المفيد" في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تطالب بضرورة منح الأصوات للأحزاب القادرة على الفوز، حتى لا تتشتت أصوات الناخبين بين أحزاب ضعيفة لا يمكنها الحصول على كتلة برلمانية مؤثرة، وهو ما سيستفيد منه، بالدرجة الأولى، كل من حركتي "النهضة" و"نداء تونس"، فإن نتائج الاستطلاعات ما زالت غير حاسمة بشأن أي من الحركتين سيكون أكثر حظا من الأخرى من ناحية الحصول على الأصوات. ويشير التقرير إلى نتائج استطلاع للرأى التونسي أجرته مؤسسة "سيقما كونساي للإحصاء والدراسات" قبل فترة، أن حركة "نداء تونس" جاءت في المرتبة الأولى من حيث نسبة التصويت، وذلك بحصولها على ۱۸٫۹% من إجمالي المستطلعة آراؤهم، تليها حركة "النهضة" التي حصلت على ۱5%، ثم حزب "الجبهة الشعبية" بحصوله على 4٫۲%، يليه"الحزب الجمهوري" بنسبة ۱٫4%، وحزب "المؤتمر" ۱٫۱%، وحزب "التكتل" بنسبة ۰٫۹%، وحزب "المسار" ۰٫6%، فيما بلغت نسبة من لم يحسموا أمرهم 55٫5%، وهى نسبة كبيرة تعبر عن حالة التردد لدى الشارع، وتظهر ملامحها من خلال مقاطعة، أو بالأحرى، غياب مشاركة فاعلة في أنشطة وتظاهرات الأحزاب المرشحة، وكذلك ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقاد مستخدمي هذه الشبكات لعدم وجود برامج محددة لدى الأحزاب التي اعتزمت دخول الانتخابات، وافتقاد الطبقة السياسية القدرة على التواصل مع الشارع والتعبير عن هموم المواطنين. ويقول التقرير أن هذه الحالة من الضبابية التي تسيطر على الشارع التونسي قبيل الانتخابات تأتي كتفسير لنتائج استطلاع رأى آخر أجراه مركز "بيو" للأبحاث ونشرت نتائجه في ۱5 أكتوبر، وأشارت إلى انتشار حالة من التشاؤم بشأن إمكانية تحقق الديمقراطية في البلاد. فقد تراجعت نسب تأييد الديمقراطية في تونس من 6۳% عام ۲۰۱۲ إلى 4۸% عام ۲۰۱4، وذلك عند سؤال المبحوثين عن مدى تأييد وجود حكومة ديمقراطية من بين أنماط أخرى من الحكومات، فيما عبر 6۲% من المستطلعة آراؤهم عن تفضيل حكومة تركز على الاستقرار وليس الديمقراطية، في الوقت الذي يحتل فيه الوضع الاقتصادي أولوية اهتمام المواطنين، حيث عبر ۸۸% من المستطلعة آراؤهم عن سوء الوضع الاقتصادي وتراجعه في البلاد. ويوضح التقرير أن حركتا "النهضة" و"نداء تونس" تشاركا في الانتخابات التشريعية في جميع الدوائر الانتخابية في البلاد والبالغ عددها ۳۳ دائرة، كما ستشارك في الانتخابات عدة قوائم حزبية يعد قادتها من رموز النظام السابق، ومنها "الحركة الدستورية"، و"اللقاء الدستوري"، و"المبادرة"، وهو ما قوبل بانتقادات حادة من جانب بعض المراقبين والنشطاء السياسيين، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض وسائل الإعلام التقليدي، معتبرين أن إعادة رموز بعض النظام السابق إلى الواجهة يعد خطرا حقيقيا على مسار الديمقراطية والحريات العامة في البلاد. فيما عزا آخرون عودة هذه الوجوه إلى غياب المحاسبة خلال الفترة التي أعقبت الثورة وحتى الآن، كما اتهمت حركة "النهضة" بأنها السبب في ظهور الرموز القديمة مرة أخرى بسبب منع إصدار قانون "العزل السياسي"، بينما تعد تلك الظاهرة أكثر وضوحا في الانتخابات الرئاسية منها للانتخابات التشريعية، حيث تقدم للترشح فيها 6 من وزراء نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على. ويؤكد التقرير على أن المؤشرات تلفت إلى أن "النهضة" و"نداء تونس" ستحصلان، في الغالب، على كتلتين يعتد بوزنهما في البرلمان، الأمر الذي يحتم، وفقا لاتجاهات عديدة، تعاونهما خلال الفترة القادمة من خلال تشكيل تحالف حكومي مستقبلي لضمان التوازن السياسي في البلاد، وعدم سيطرة طرف سياسي على المشهد السياسي.